المحتوى الرئيسى

البرلمان الأول!

06/06 23:10

ربما كانت أولى أزمات الأمة الإسلامية فى تاريخها، ما حدث عقب وفاة الرسول، صلى الله عليه وسلم.. فقد تعرّضت تلك الدولة الوليدة لأول اختبار حقيقى لها.. وهو اختيار أول خليفة للمسلمين فى الأرض..!

الأمر لم يكن سهلاً بكل تأكيد.. فهى أول مرة يتم فيها اختيار من يقود الدولة بعد أن كان قائدها اختياراً إلهياً.. لكن المسلمين الأوائل نجحوا فى هذا الاختبار..!

لقد كانت كلمة السر هى سقيفة بنى ساعدة.. إنه برلمان الإسلام الأول.. الذى اجتمع فيه الأنصار من الأوس والخزرج مع المهاجرين لاختيار الخليفة.. حتى إن «المستشرق ماكدونالد» قال عن ذلك الاجتماع «إنّ اجتماع السقيفة يُذكّرنا إلى حد بعيد بمؤتمر سياسى دارت فيه المناقشات وفق الأساليب الحديثة، حتى تم اختيار الولاية».

فيروى «الطبرى» أنه عقب وفاة الرسول، صلى الله عليه وسلم، اجتمعت الأنصار فى سقيفة بنى ساعدة، وقالوا: نولى هذا الأمر بعد محمد، صلى الله عليه وسلم، لسعد بن عبادة، وأخرجوه إليهم وهو مريض، وأخذوا يتداولون فى الأمر، وفى ما يقولونه للمهاجرين.

وأتى «عمر» الخبر، فأقبل إلى منزل النبى، صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلى «أبى بكر» وكان فى الدار هو وعلى بن أبى طالب، فقال له: اخرج، فقد حدث أمر لا بُدّ لك من حضوره، فخرج إليه فقال له «عمر»: أما علمت أنّ الأنصار قد اجتمعت فى سقيفة بنى ساعدة يريدون أنْ يولوا هذا الأمر سعد بن عبادة، وأحسنهم مقالة من يقول: مِنّا أمير ومن قريش أمير؟

إنه الشقاق الأول الذى كان على وشك الحدوث.. فقد كان الأنصار يرغبون فى أن يكون لهم أمير، ومن المهاجرين أمير آخر!.. وهو ما كان كفيلاً بغرق السفينة وانهيار الدولة، وهى فى مهدها!

يستطرد «الطبرى» أنهما خرجا إليهم فلقيا أبا عبيدة بن الجرّاح فى الطريق، فلما دخلوا عليهم، أراد «عمر» أن يتحدث أولاً.. فقال له «أبوبكر»: رويداً حتى أتكلّم، فبدأ «أبوبكر»، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنّ الله بعث محمداً رسولاً إلى خلقه، وشهيداً على أمته، ليعبدوا الله ويوحدوه، وهم يعبدون من دونه آلهة شتى، ويزعمون أنها لهم عنده شافعة، وإنما هى حجر منحوت وخشب منجور، فعظم على العرب أنْ يتركوا دين آبائهم، فجعل الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه والإيمان به، والمواساة له، والصبر معه، على شدة أذى قومهم لهم وتكذيبهم إياهم، وكل الناس لهم مخالف.. فهم أول مَنْ عَبَدَ الله فى الأرض، وآمن بالله وبالرسول، وهم أولياؤه وعشيرته، وأحق الناس بهذا الأمر من بعده، ولا ينازعهم ذلك إلاّ ظالم.

وأنتم يا معشر الأنصار مَنْ لا ينكر فضلهم فى الدين ولا سابقتهم العظيمة فى الإسلام، رضيكم الله أنصاراً لدينه ورسوله، وجعل إليكم هجرته، وفيكم جلة أزواجه وأصحابه، فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا بمنزلتكم، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، لا تفتاتون فى مشورة، ولا نقضى دونكم الأمور.

لقد كانت خطبة ذكية من «أبى بكر».. فقد اعترف بفضلهم مع المهاجرين أولاً.. ثم ما لبث أن ختم: هذا «عمر» وهذا «أبوعبيدة» فأيهما شئتم فبايعوا، فما كان إلا أن رد عليه «أبوعبيدة».. أنؤتمن وفينا ثالث ثلاثة وثانى اثنين؟.. ابسط يدك لنبايعك يا «أبا بكر»..

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل