المحتوى الرئيسى

في اليورو – ألبانيا الجديدة.. الخروج من تحت ظلال أنور خوجا إلى فرنسا 2016

06/05 23:56

الحزن وخيبة الأمل يسيطران على الأجواء داخل حجرة تغيير الملابس للملعب المجدد حديثا بايلباسان. الخسارة المريرة من الغريم التاريخى دينيا وسياسيا قد تقضي على الحلم الذي كان في متناول الجميع منذ فترة ليست بالبعيدة.

يأتي صوتا جهورا محاولا شحذ الهمم للحيلولة دون تفشي الشعور باليأس: رئيس الوزراء الألباني إيدى راما يذكر الحضور بأن "من يحاول الوصول إلى قمة الجبل، فإنه حتما سيواجه الرياح العاتية".

لكن الخسارة من صربيا تلك الليلة لم تكن الرياح الأولى التي يواجها منتخب ألبانيا لكرة القدم في طريقه شبه المستحيل نحو بلوغ أول بطولة دولية عبر تاريخه.

فمنتخب كرة القدم، مثله كمثل جميع مواطني الدولة ذات الثلاثة ملايين نسمة اعتادوا مصارعة تلك الرياح وما هو أقوى منها خلال أكثر من أربعين عاما من الحكم الشمولي لانور خوجا بين أربعينات وثمانينات القرن المنصرم.

تلت حقبته 30 عاما أخرى عانى فيها الشعب الألباني من تخبط تحول دول شرق أوروبا وما تبع انهيار الشيوعية من فوضى عارمة لم تفلح في النهوض لا بالرياضة ولا في أي مجال أخر من مجالات الحياة بالدولة صاحبة الأغلبية المسلمة تقنيا.

عاشت ألبانيا تحت حكم خوجا كواحدة من أكثر دول العالم عزلة، لا يضاهيها في عالمنا الحديث سوى كوريا الشمالية. اتصالها بالعالم الخارجي اقتصر على عدد محدود من الرحلات الجوية بل وأمر خوجا بألا تحط أي طائرة رحالها بتيرانا إلا تحت ضوء النهار.

قطعت الاتصالات الهاتفية طوال اليوم الا خلال ساعة صباحا وساعتين بعد الظهيرة. حتى السماح لأندية ومنتخبات كرة القدم الالبانية بالمشاركة في البطولات الدولية والذي بدأ عام 1962 لم يأت سوى نكاية في الاتحاد السوفييتي - المقاطع لمسابقات الاندية الاوروبية - بعدما اعلن خوجا رفضه لسياسات خروتشيف وأظهر ولائه للإصدار الشيوعى الأكثر تزمتا تحت مظلة ستالين.

منع الالبان من إطلاق شعرهم او لحياتهم مما أثار الفزع في لاعبي نادي سيلتيك الاسكتلندى حينما اضطروا لمواجهة بارتيزانى تيرانا في كاس اوروبا عام 1979 نظرا لضم التشكيلة البريطانية لداني مكجرين الذي اشتهر بلحيته الطويلة. مر اللقاء الاول بسلام دون حاجة مكجرين للحلاقة وتنفس الاتحاد الأوروبي الصعداء حين فاز سيلتك 4-2 بمجموع اللقائين.

قبل ذلك بنحو 14 عاما، أذهل المسؤولون الألبان الجميع حين رفضوا منح احد لاعبي كيلمارنوك الاسكتلندي تأشيرة الدخول لملاقاة بطل ألبانيا المسمى 17 نوفمبر في نفس البطولة.

فوز كيلمارنوك بمجموع اللقائين كان سببا أدعى للارتياح هذه المرة، إذ لم تكن قاعدة الهدف خارج الديار قد تم تبنيها بعد وكان على الفرق المتعادلة ان تواجه بعضها البعض في لقاء ثالث على أرض محايدة لحسم الفوز وسط انتشار شائعات تشير الى اختيار الساسة الالبان لجمهورية الصين الشعبية – حليفها السياسى الاوحد – كوجهة لاي لقاء محتمل على ارض محايدة!

في 1966 انسحب 17 نوفمبر من مقابلة فاليرينجا بطل النرويج ليس لسبب اخر سوى لامتعاض خوجا من المملكة الاسكندنافية لرضوخها للاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية!

رغبة خوجا في غلق كل المنافذ لتواصل شعبه مع العالم الخارجى جعلت مشاركات البانيا الكروية متقطعة خلال فترة حكمه، بما فيها خمس سنوات من الانقطاع التام بين 1973 و 1978، الا ان الحدث الابرز جاء خلال تصفيات امم اوروبا فى ديسبمر من عام 1967 حين استطاعت البانيا التعادل مع المانيا الغربية بتيرانا مما اعطى بطاقة العبور لربع نهائى التصفيات ليوجوسلافيا ليقصى الالمان ثانى العالم من التصفيات مبكرا.

الاضطرابات السياسية و الاقتصادية والحرب بكوسوفو دفعت حوالي مليون ألباني للهجرة خارج الديار. برز أبناء مهاجرو ألبان كوسوفو وغيرهم من البان الهجرة في لعب الكرة تحت ظروف افضل خارج الديار ولكن العديد منهم فضل تمثيل دور مهجرهم.

عدنان يانوزاي لاعب مانشستر يونايتد اثر اللعب لدولة منشأه بلجيكا، ادمير ميحمدى لاعب باير ليفركوزن، بليريم دزيمايلي لاعب نابولي السابق وجنوه الحالي، جرانيت جاكا لاعب بوروسيا مونشنجلادباخ.

جيردان شقيري لاعب بايرن ميونيخ السابق وستوك سيتى الحالي بالإضافة لفالون بهرامي نجم لاتسيو السابق ولاعب واتفورد الحالى، كلهم اثروا اللعب لمنتخب سويسرا، بالإضافة لشكودران مصطفى الذي فاز مع المانيا ببطولة كاس العالم الماضية.

حالة تبعثر وإهدار المواهب الالبانية تلك لطالما قللت من إمكانيات المنتخب في صنع أي مجد يذكر.

ومضات من الأمل ظهرت هنا وهناك تحت قيادة الالماني هانز-بيتر بريجل (2003-2006) والهولندى اري هان (2008-2009) إلا أن الإمكانية الحقيقية في التحسن ظهرت عقب تولي الايطالي جيانني دي بياسي مهمة تدريب البانيا عام 2012 والبداية كانت بفوز على النرويج باسلو بتصفيات كاس العالم 2014.

ما فعله دي بياسي هو البدء في الاستفادة القصوى من المواهب الألبانية القابعة في دول أخرى من أوروبا بمساعدة القائد المحنك لوريك كانا (مدافع سابق بلاتسيو ومارسيليا وحاليا بنانت الفرنسي) تمكن دي بياسي من إقناع تولانت جاكا، الاخ الاكبر لجرانيت، تمكن من إقناعه باللعب لالبانيا عوضا عن سويسرا التي يمثلها شقيقه الأصغر.

كذلك أقنع دي بياسي اللاعب الألماني الجنسية الألباني الابوين ميرجيم مافراي ان يلعب لموطن والديه بدلا من انتظار استدعاء ألماني لربما لم يكن ليأتي أبدا لمدافع كولن.

الخطوة التالية بعد توحيد الصف كانت في وضع نظام خططي واقعى يمكن ألبانيا من تحقيق افضل النتائج الممكنة. مدرب إيطالى وفريق اقل من المتوسط: الإجابة دون ايه مفاجآت هي الدفاع مع الهجوم الحذر.

وقعت ألبانيا في مجموعة تصفيات ضمت فرق كالبرتغال والدنمارك و صربيا. البداية الاقوى كانت بالفوز على وصيف اوروبا 2004 بلشبونه 1-0 ثم التعادل ذهابا وإيابا مع بطلة القارة لعام 92.

في مباراة شهيرة امام الغريم الصربى ببلجراد لم يستطع الفريقان إنهاء اللقاء إثر نزوح الجمهور الصربي الى ارض الملعب على خلفية إلقاء طائرة لعلم "البانيا الكبرى" الذي يمثل ولاية البانيا العثمانية والتي ضمت كوسوفو ومناطق أخرى بصربيا و مقدونيا و اليونان.

قضى الاتحاد الأوروبي باعتبار صربيا فائزة باللقاء قبل أن تغير المحكمة الرياضية القرار لتمنح ألبانيا الفوز مع خصم ثلاث نقاط من رصيد صربيا.

الفوز على أرمينيا خارج الديار في أخر لقاءات التصفيات أصبح لزاما على الألبان من أجل تحقيق حلم التأهل بعد الهزيمة 2-0 من صربيا بتيرانا.

يبدو ان تشجيع راما للاعبين وتذكيرهم بصعوبة التحدي قد جاء بثماره فقد فاز الالبان 3-1 ليعودوا إلى تيرانا محمولين على الأعناق. حتى دى بياسى نفسه كان قد منح الجنسية الالبانية تكريما لمجهوداته مع الفريق.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل