المحتوى الرئيسى

دراسة إسرائيلية: الغنوشي لن يكون السيسي

06/05 15:58

خلصت دراسة إسرائيلية نشرها معهد القدس للشئون العامة والسياسية لـ"تسفي مزئيل" السفير الإسرائيلي السابق في مصر إلى أن حزب النهضة التونسي ورغم إعلان زعيمه راشد الغنوشي فصل العمل الدعوي عن السياسي، فإنه يختلف جملة وتفصيلا عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي دعا لثورة دينية على جذور الإسلام الداعية للعنف والتطرف على حد قوله.

صوت المؤتمر العاشر لحزب النهضة الإسلامي التونسي الذي انعقد في مايو الماضي بأغلبية 75% على تغيير هويته من "جماعة إسلامية تقليدية" إلى "حزب مدني وطني". كذلك فاز راشد الغنوشي زعيم الحركة منذ تأسيسها بتأييد يصل إلى نسبة مشابهة من ممثلي الحزب وانتخب لولاية جديدة. تعهد بمواصلة إصلاح الحركة على طريق الاعتدال والوسطية.

في خطابه أمام المؤتمر قال الغنوشي إن حركته تعتمد منذ تأسيسها على تطوير صورتها ومواكبة العصور الجديدة بشكل مواز من تطور تونس. وهي تدرك إنجازات الدولة في مجالات حقوق المرأة والصحة والتعليم، وسوف تواصل تطويرها بما يتماشى مع متطلبات المجتمع والدستور.

كما قال إن قرار الفصل بين البعد السياسي والنشاط الدعوي ليس انتهازيا أو استجابة لتلك الضغوط بل قمة التطور التاريخي. وأضاف الغنوشي :"نريد أن ننأى بالدين عن الصراعات السياسية وندعو لتحييد كامل للمساجد بعيدا عن خصومات السياسة، وعن التوظيف الحزبي حتى تكون المساجد جامعة لامفرقة".

لا يسعى الغنوشي لإصلاح الخطاب المتشدد للإسلام الذي لا يناسب العصر الحديث والذي حال دون تطور الدول الإسلامية. يواصل هذا الخطاب الديني المتأصل في أساس الإسلام تشجيع التطرف، وخلف لاسيما في الوقت الراهن التنظيمات الإجرامية مثل القاعدة وطالبان وداعش وبوكو حرام وغيرهم الكثير الذين ألحقوا الأذى بتطور الدول العربية والإسلامية وبأمن واقتصاد العالم بأسره.

كذلك لم يدع الغنوشي لفصل الدين عن الدولة وفقا للقانون، مثلما حدث في أوروبا مطلع القرن الماضي. إنه يطلب فقط من رجال الدين عدم التدخل في السياسة. على وجه الغنوشي بدا أنه يبحث عن مخرج ما للنفق المظلم الذي وصل له حزبه ليكون بإمكانه تبنيه على الساحة الداخلية دون أن يضطر للاصطدام بمبادئ الإسلام التي قاتل من أجلها طوال حياته.

الإسلام في جوهره دين جامع يشمل كافة مناحي الحياة الشخصية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية بدءا من قواعد اغتسال الفرد، وصولا لإدارة الدولة والاقتصاد.

الإسلام هو دين ودولة، قائم على قوانين الشريعة والقرآن والسنة. هذه المبادئ الأولية رافقت الإسلام من مهده. وتنبع من مؤسس الدين نفسه النبي محمد الذي كان زعيما دينيا وسياسيا وكذلك رجلا عسكريا ويمثل النموذج الكامل الذي يجب الاقتداء به. فرض الإسلام على قبائل العرب، وأقام الدولة الإسلامية الأولى وخرج لغزو الشرق الأوسط ونشر الإسلام هناك، لكن وفاته المبكرة تركت المهمة لخلفائه الأربعة الذين يسمون الخلافاء الراشدين وأولئك الذين جاءوا من بعده.

الوحيد الذي تجرأ على الهجوم وجها لوجه على هذه المشكلة المعقدة حتى الآن هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. في خطاب مفاجئ وغير متوقع أمام علماء الأزهر بمناسبة المولد النبوي بداية يناير 2015 لم يتردد في القول بشكل واضح إن الإسلام يتضمن خطابا متشددا لا يناسب العصر الحديث، جعل المسلمين "مصدر ألم وخطر وقتل ودمار باقي العالم".

لهذا قال السيسي "نحتاج ثورة دينية أنتم يا علماء الدين مسئولون أمام الله. العالم بأسره ينتظر خطوتكم القادمة لأن هذه الأمة تتقسم وتتدمر وتضيع بأيدينا نحن". عاد وأكد أن على علماء الأزهر، أكبر مؤسسة سنية في العالم القيام بإصلاحات من شأنها تجديد الخطاب الديني والسماح باندماج الأمة الإسلامية في الحياة العصرية.

الغنوشي ليس سيسي جديد، بالنظر إلى تاريخه الشخصي من المشكوك فيه جدا إن كان بإمكانه إدارة ظهره للإسلام الشامل السياسي الذي يؤمن به منذ نعومة أظافره، وعلى قاعدة تعليمه ونشاطه السياسي الديني. فقد سعى طوال حياته لفرض الإسلام على الدولة.

ترعرع الغنوشي في أسرة دينية ودرس القرأن شفويا. في سن صغير اندمج في الإخوان المسلمين خلال دراسته وسفره للقاهرة، ودمشق وباريس- ما أدى لاطلاعه على كتابات حسن البنا وسيد قطب وباقي المفكرين الذين دعوا بداية القرن الماضي للعودة إلى قيم الإسلام وإعادة إقامة خلافة إسلامية. هكذا تشبع الغنوشي بالأيدلوجية الإسلامية الراديكالية التي أقيمت على أساسها جماعة الإخوان المسلمين وبعدها باقي التنظيمات المتشددة.

يضيق المقام للحديث عن النشاطات الإسلامية للغنوشي. أنشأ في تونس عام 1972 الجماعة الإسلامية التي عملت على تطبيق قيم الإسلام والتي تطورت إلى حزب سياسي- “حزب الاتجاه الإسلامي في 1981 وبعدها في 1989 حركة النهضة الإسلامية مستوحاة من جماعة الإخوان المسلمين.

لم ينخرط وحزبه فقط في نشاطات سياسية ودعوية بل أيضا في أعمال عنف. اعتقل وسجن مرتين. وفي النهاية وبعدما سجن الرئيس بن علي عشرات الآلاف من أعضاء حزبه وأغلق صحيفته في 1991، فضل الغنوشي المنفى واختار لندن قاعدة لنشاطه حتى عاد لتونس في يناير 2011 بعد الإطاحة بالرئيس.

في فترة منفاه كان ناشطا في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وعضو في المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث وأمينا مساعدا للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهما تنظيمان تابعان للإخوان في أوروبا بقيادة الداعية يوسف القرضاوي. موقف الغنوشي فيما يخص الصراع الإسرائيلي العربي متطرف للغاية ويؤيد اختفاء إسرائيل.

خلال صياغة الدستور في تونس بعد الثورة طالب حزبه بإدخال مادة تحظر أية علاقة مع إسرائيل- وهي المادة التي رفضت بتصويت الأغلبية.

في الانتخابات الأولى بعد الثورة فاز حزبه النهضة بأغلبية نسبية 29% وشكل حكومة ائتلافية برئاسة الأمين العام للحزب حمدي الجبالي. ركبت النهضة الموجة الإسلامية التي أغرقت الدول العربية في أعقاب ما سمي بالربيع العربي وأدت لفوز أحزاب الإخوان المسلمين في مصر والمغرب.

بدا وقتها أن الشعوب العربية رأت في الإسلام عنصرا هاما في هويتها وعلاجا للفساد والديكتاتورية التي سادت قبل ذلك. الغنوشي حاول تهدئة الجمهور بقوله إنه لن يرشح نفسه للرئاسة وفتح الطريق لتوازن السلطة: حكومة إسلامية ورئيس ليبرالي. مع ذلك سرعان ما فتحت الجماهير أعينها سواء في مصر أو في تونس.

التونسيون الذين تعودوا منذ استقلال بلدهم على الانفتاح الديني والمجتمعي على يد الرؤساء بورقيبة وبن علي في مجالات التعليم الذي كان علمانيا في أساسه وتطوير وضع المرأة، سرعان ما لاحظوا ظواهر مقلقة. عاد الحجاب للشوارع وهوجمت النساء بسبب ملابسهن الغربية، وبدأت تشريعات إسلامية في الزحف بسرعة.

بشكل مواز زاد رؤساء جماعات سلفية، شعروا أنهم حصلوا على كارت أخضر ،من ضغوطهم على الحكومة والجمهور لزيادة الأسلمة. ونشأت أزمة سياسية وتزايد العنف في الشارع. قتل شخصان من رموز المعارضة. صحيح أن الغنوشي حاول تهدئة الموقف، وقال إنه لا يسعى لإقامة دولة إسلامية لكنه يطمح في جلب الحداثة لبلاده. وكرد عليه كتب في إحدى الصحف أن الغنوشي يريد أسلمة الحداثة بينما يريد الشعب "تحديث" الإسلام. كذلك تبين أن الغنوشي أيد حرية تصرف الجماعات السلفية.

استمرت الأزمة السياسية والعنف في الشوارع، تضرر الاقتصاد وقرر رئيس الوزراء الجبالي تقديم استقالته. تطورت أزمة داخلية في الحزب وعين بدلا منه أمينا عاما جديدا هو علي العريض. لكن لم تهدأ الأزمة لأن الجماهير فقدت ثقتها في النهضة وواصل السلفيون إشعال الشارع.

لم يكن أمام النهضة أي حل ووصلت الأزمة حد الغليان حتى أمر الغنوشي أصدقاءه بمغادرة الحكومة لتخفيف حدة التوتر. بدا بذلك أن الغنوشي أنقذ حزبه من المصير المر للإخوان المسلمين في مصر الذين أبعدوا بالقوة عن الحكم في أعقاب ثورة شعبية ومساعدة عسكرية، وأُعلنت الجماعة كتنظيم إرهابي و منعوا من المشاركة في الحياة السياسية.

هذه الخطوة سمحت أيضا للنهضة بالتعافي والاستعداد للانتخابات المقبلة من موقع قوة. وبالفعل في الانتخابات التي أجريت في 2014 نجحت النهضة في الحفاظ على مكانة محترمة وكانت ثاني أكبر حزب.

الهدف من قرار تغيير هوية الحزب

بدا أن اجتماع المؤتمر العام العاشر للحزب وقرار تغيير هويته لتصبح "غير إسلامية" هدف لتهدئة التونسيين، وإظهار الاستياء من الإسلام الراديكالي وتعزيز الحزب استعدادا للاختبارات في المستقبل- الانتخابات البلدية في العام المقبل وانتخابات الرئاسة في 2019.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل