المحتوى الرئيسى

حكاية طفل في مواجهة ''عشماوي''.. ''ياما جوة الحبس عيال''

06/05 13:56

في الثالثة بعد منتصف الليل، بأحد ليالي شهر إبريل 2014، سمعت السيدة رضية حسين طرق الباب، فتحته لتجد أمامها ضابط وبضعة عساكر، قادمون للقبض على ابنها البكري، أحمد عبد الفتاح، قام الطفل مذعورًا من على الحصيرة، التي ينام عليها، علامات الخوف تعلو ملامحه، حاولت رضية معرفة سبب أخذه، لكنهم لم يُعطوها إجابة، أخذوا ولدها البالغ من العمر 15 عام، وصفقوا الباب ورائهم وسط ذهول الأم والابنة.

في شهر فبراير 2014 صدر غيابيًا على الطفل أحمد حُكم بالإعدام، على خلفية أحداث مركز العدوة، التي حدثت بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، وقٌبض على أحمد بعدها بشهرين، لكن الدائرة السابعة بمحكمة جنايات المنيا ألغت الحكم، بشهر أغسطس من نفس العام، حُبس الطفل بسجن وادي النطرون لمدة سبعة شهور، حسب حديث الأم، ثُم انتقل بعدها إلى قسم مركز العدوة، على بعد عدة كيلومترات من قرية البسقلون، التي تعيش فيها الأسرة، المكونة من الأم والابنة "دعاء"، وعلى مدار عامين وإلى الآن، يظلّ أحمد محبوس على ذمة القضية التي يُعاد المحاكمة فيها، بمعهد أمناء الشرطة.

تنص المادة 80 من الدستور المصري على أن "يعد طفلًا من لم يبلغ الثامنة عشر من عمره، ولا يجوز مساءلة الطفل جنائيًا أو احتجازه إلا وفقًا للقانون وللمدة المحددة فيه، ويكون احتجازه في أماكن مناسبة ومنفصلة عن أماكن احتجاز البالغين، وتعمل الدولة على تحقيق المصلحة الفضلى في كافة الإجراءات التي تتخذ حياله"، يعلق المحامي "أحمد مصيلحي"، عضو شبكة الدفاع عن أطفال مصر، بنقابة المحامين، أن صياغة المادة الدستورية تمت بشكل شامل لكل الأطفال، وراعت خلالها نوع الطفل، سواء ولد أو بنت، كما أضاف أن تلك المادة ليست جديدة "موجودة في قانون الطفل"، والتي تضمن أيضًا محاسبة الموظفين المتورطين في احتجاز الأطفال، وتأكيدًا على النقطة المتعلقة بعدم احتجاز الأطفال مع بالغين، حيث ترجع أسباب ذلك إلى الآثار السلبية المنعكسة على الطفل، إذ يكون الطفل في محيط غير طبيعي للتنشئة، مما يجعله عرضة للانحراف "كأننا بندخل الطفل السجن عشان نعلمه يبقى مجرم"

قبل أحداث العدوة، طُلقّت السيدة رضية من زوجها، لم يتبق لها سوى أحمد ودعاء، التي تصغر شقيقها بعامين، وصل أحمد للمرحلة الإعدادية، وبجانب دراسته كان يساعد والدته، بائعة الخضار، "يعني كان بيساعدني بعشرة جنيه"، خلال يوم 14 أغسطس 2013، كانت السيدة الخمسينية تبيع الخضار بجوار مركز قسم العدوة، أصوات مُدوية وزعيق هناك، فهرول الابن تجاه القسم لمشاهدة ما يحدث، فيما سُمي بعد ذلك بأحداث شغب العدوة، المُتهم فيها 683، بقتل رقيب شرطة، وحرق وسرقة قسم العدوة، التقطت الكاميرات الحشود الموجودة أثناء تلك الأزمة، كذلك شوهد أحمد، "قالولي أحمد ليه صورة في المركز، قولتلهم دا عيل ومعملش حاجة"

ارتدى أحمد البذلة الحمراء بعد القبض عليه، سُجن بوادي النطرون، من شهر إبريل 2014 حتى أغسطس من العام ذاته، تنص المادة 111 من قانون الطفل على أن "لا يحكم بالإعدام ولا بالسجن المؤبد ولا بالسجن المشدد على المتهم الذي لم يتجاوز سنه الثامنة عشر ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة"، ويعتبر مصيلحي أن حالة أحمد هي مخالفة صريحة للقانون حيث لم يتعد عمره حينها 15 عام، "لو المحكمة مش هتطبق القانون طب مين".. سؤال طرحه عضو شبكة الدفاع عن الأطفال، خلال إحدى جلسات محاكمة أحمد، حاول مصيلحي الطلب من المحكمة لتحويل أحمد لمحكمة الطفل "دا المفروض يحصل فورًا لأنه وقت ارتكاب الجريمة كان أقل من 15 سنة بحاجة بسيطة"، "هو بجد أنا ممكن أموت؟".. سؤال آخر، غير أن الذي طرحه هو أحمد للمحامي مصيلحي الذي زاره أكثر من مرة.

كان أحمد طالب بالمرحلة الإعدادية، تحديدًا السنة الثانية، ولكن مع حبسه واحتجازه مع بالغين، تخلّف عن الدراسة، رغم مطالبة السيدة رضية بامتحانه والعودة للسجن مجددًا، لكن قوبل طلبها بالرفض، كذلك ناشدت المسئولين بحبسه بمركز العدوة، بدلًا من وادي النطرون "أنا شفت العذاب ولازم أأجر عربية تاخدني لهناك"، حُبس بعدها أحمد بقسم العدوة في غُرفة يطلق عليها "أوضة الأحداث"، ليُصبح قريبًا من والدته، التي تزوره كل جمعة، يذكر مصيلحي أن الأطفال من سن 15 إلى 18، حسب القانون، يتم احتجازهم في المؤسسة العقابية بالمرج، والتي لا يوجد غيرها على مستوى الجمهورية، و يقدر حجم استيعابها ب 700 طفل فقط، كما أن المؤسسة لا تقوم بشكل كاف بالدور المنوط بها، يضيف مصيلحي أنها لا تقدم برامج الدمج والتأهيل المنصوص عليها للأطفال "ناقصي التمييز"، أي من لا يتجاوز الـ18 عام.

يعدد مصيلحي المخاطر التي تواجه الطفل خلال احتجازه مع البالغين، منها؛ الاعتداء الجنسي، والضرب، وجعله "خيشة" للسجن –يُطلق المُحتجزين عليه هذا المُسمى- أي أن يقوم بواجبات لهم، ما يجعل الطفل أكثر عرضة للانحراف، وتعلم فن ومهارات الجريمة، ويخرج لينتقم من المجتمع، يذكر عضو شبكة الدفاع عن أطفال مصر، أن المحبوسين الأطفال يُعاملون على أساس إنهم بالغين، حينما يدخل أحدهم القسم، يتم استقباله بـ "الحفلة" وهو الضرب، والتي يتم الاعتداء فيها على المتهمين "لكسر عينهم"، و آثار تلك الانتهاكات هي عشر أضعافها بالنسبة للطفل "عشان وهو جوة السجن عرضة إنه يتعلم المخدر ويدمنه، وعرضة إنه يتعامل مع مجرمين".

حينما حلّ أحمد كنزيل بسجن وادي النطرون، كُسرت نظارته البصرية، حيث يُعاني من عيب في نظره، "ضربوه" تقول رضية، تعبت الوالدة ومعها مصيلحي في أخذ تصريح لعمل نظارة جديدة "كان لازم نروح للمحامي العام عشان التصريح، سألني أضمن منين إن نظره ضعيف"، إلا أنهما استطاعا اصدار الموافقة، ورغم ذلك تُعاني الوالدة الخمسينية، حيث تضطر عمل نظارة جديدة بـ"مقاس نظره القديم"، وخلال عامين من الحبس من الطبيعي أن يتغير  نظره "بقيت أزوره ألاقي عينيه وارمة زي الدمّ".

"أمي ست عجوزة ومالهاش غيري".. جملة قالها أحمد بإحدى جلسات مُحاكمته لكن لم يعره أحد الاهتمام، قٌبض عليه وهو لم يتجاوز سن الـ15، على الرغم من وجود قانون كامل للطفل، لسنة1996، وتعديلاته في 2008، كذلك توجد لجان لتطبيق القانون، يذكرها مصيلحي؛ منها  اللجنة العامة لحماية الطفل، وتشكل داخل كل محافظة "لكن مش موجودة في كل المحافظات لحد الآن"، ومن وظائف تلك اللجان متابعة وجود أطفال داخل أماكن الاحتجاز، والبحث عمن هم موجودون بأقسام الشرطة، ويتم إعادتهم لأماكن الاحتجاز المتخصصة، بإجراء برامج التأهيل والدمج.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل