المحتوى الرئيسى

فؤاد دوارة يستحضر أرواح العظماء في "عشرة أدباء يتحدثون"!

06/04 11:36

طه حسين: تأثري بالمستشرقين شديد جدا لكن بمناهجهم لا بآرائهم

نجيب محفوظ: ثورة يوليو لم تفد الأدب بسبب “أزمة الحرية”

توفيق الحكيم: أكره في المرأة “عقدتها من الرجل” وبخلي “اقتصاد”!

فتحي رضوان: لم أر إنساناً ممن حكموا مصر عشق الثقافة كعبدالناصر

يعد كتاب “عشرة أدباء يتحدثون” الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، بانوراما شاملة لآراء عشرة من أبرز أدباء مصر في القرن العشرين؛ يقول دوارة: لم أعن بمناقشة هذه الآراء وتحليلها لأني أعتقد أن ذلك خارج عن نطاق هذا الكتاب ومهمته. ويبقى أن أقرر أن جهدي في هذا الكتاب أقل بكثير من جهد المتحدثين ..فليس لي فيه سوى فضل التسجيل وتوجيه المناقشة..أما الكتاب نفسه فعبارة عن آرائهم.

يقول عميد الأدب العربي طه حسين في الكتاب: أفدت من الدراسة في الأزهر شيئاً كثيراً جداً، وهو الحرص الشديد على التعمق في فهم التصوص وتجنب السطحية والعلم المحفوظ. ودراسة الأزهر في تلك الأيام كانت تمتاز بتنشئة الملكات التي تتيح الفهم والتعمق والصبر على البحث.

وأهم ما تمتاز به دراستي للأدب هو حرصي على ألا أكون عبداً للتقاليد والأشياء المقررة، وأن أعمل عقلي في كل ما أدرس، وأن أتجه بدراستي للأدب العربي نفس الاتجاه الذي يصطنعه العلماء الأوروبيون في دراسة الآداب القديمة اليونانية واللاتينية.

وعن علاقته بالمستشرقين يقول: تأثري بالمستشرقين شديد جداً ولكن لا بآرائهم بل بمناهجهم في البحث، وهذا يوصلني أحيانا إلى أن استكشف كثيراً من الخطأ في آرائهم لأن علمهم بالعربية وأسرارها ودقائقها أقل من علم المتخصصين العرب.

المرأة ليست قرداً أو ببغاءً!

يصف الكتاب توفيق الحكيم بأنه أحاطت به هالات من الإثارة والغموض، فهو مرة عدو المرأة، ومرة حبيس “البرج العاجي”، وثالثة “راهب الفكر” يتهمونه حيناً بالبخل والشح، ويصورونه حيناً آخر سارحاً شارداً لا يكاد يعي شيئاً مما يدور حوله.

عن حقيقة موقفه من المرأة يقول الحكيم: ربما تدهش إذا قلت لك أن موقفي من المرأة لم يتغير على الإطلاق في أي مرحلة من مراحل العمر، وإن هناك فرقاً كبيراً بين شعوري الخاص نحوها وشعوري العام، فشعوري الخاص نحو المرأة تجده في كل ما كتبت؛ شعور المحبة أو ما هو أكثر من المحبة، أما شعوري العام نحو المرأة باعتبارها تطالب في المجتمع بوظيفة تشابه وظيفة الرجل تماما، فهذا هو ما أخالفها فيه، فأساس الخلاف ما تزعمه المرأة من أنها مساوية للرجل في كل شئ، وما تريده من أن تكون مثله في كل عمل من أعمال الحياة. وقد تضخم عندها هذا الإحساس إلى درجة تكد تكون مرضية، وبصورة يمكن أن نسميها “عقدة الرجل”، وهنا موضع الخلاف بيني وبينها.

والسبب في “عقدة الرجل” عند المرأة ربما كان ما ترسب من أجيال عديدة في كل المجتمعات من تفضيل الذكر على الأنثى، وفرح الأهل حين يسمعون أن المولود ذكر، وحزنهم إذا كان أنثى، ولعل ذلك يعطي المرأة العذر والحق في أن تصاب بهذه العقدة.

موقفي إذاً هو ضد هذه العقدة عند المرأة وليس كراهية في المرأة ذاتها، ولعل كثير من النقاد والقراء يتسائلون عن عن سر مصدر تسميتي “عدو المرأة”، والحقيقة ليست هناك عداوة بل خلاف حول “عقدة الرجل”عند المرأة، ورغبتها في محاكاة الرجل إلى درجة مضحكة في بعض الأحيان، فإذا لبس البنطلون لبست مثله، وإذا احترف عملاً جعلت همها أن تقوم بنفس العمل لا لشئ إلا لتثبت أنا ليست أقل قدرة منه.

وأنا – لتقديري للمرأة – أنزهها دائماً عن أن تكون مجرد ببغاء أو قرد كل مهمته المحاكاة، أريدها أن تكتشف نفسها وتتعرف إلى عناصر أصالتها.

وعن الفرق بين الأدب الحقيقي حين يتعرض موقف جنسي وبين الكتابة الرخيصة التي تصور المواقف الجنسية بقصد الإثارة والرواج، يؤكد الحكيم أن الفارق بينهما هو نية الكاتب وفلسفته، وهذا شئ لا يمكن الحكم عليه إلا بشعور القارئ وما خرج به من القصة أو العمل الفني، فإذا خرجت من مطالعة القصة بإحساس المتعة الجنسية فقط، وكان هذا هو كل ما ترسب في نفسك منها فأنت أمام عمل الغرض منه الإثارة الجنسية، أن هذا هو ما حصلته منه فعلاً.

ولكن عندما تبقى في نفسك مبادئ أخرى تترسب من الموقف الجنسي، بمعنى أنك عندما تطالع عملاً أدبياً موضوعه الجنس ولكنه يؤدي بك إلى التفكير في شئ اجتماعي أو روحي أو فكري، فإنك في هذه الحالة لا تكون أما عمل القصد منه الإثارة الجنسية لا أكثر.

مثال ذلك كتاب د.هـ.لورانس “عشيق الليدي تشاترلي” لقد صور فيه مواقف جنسية لكنها تعبر عمّا تفشى في المجتمع الإنجليزي إذ ذاك من عدم مبالاة بالناحية لجنسية في الحياة الزوجية، فقد حاول أن يحدث هزة في المجتمع بكتاباته، ونجد بعض المفكرين يعتبرونه لذلك كاتباً أخلاقياً رغم ما في رواياته من مواقف جنسية صريحة وواضحة.

لا أريد أن أدافع عن نفسي - يواصل توفيق الحكيم - وأنفي عنها خصلة من الخصال السيئة كالبخل وغيره، لأني لم أعبأ في الدفاع عن نفسي في أي موقف من المواقف، بل كنت دائماً أقرب إلى تأييد التهم التي توجه إليّ من محاولة دحضها، وباستطاعتك أن تسمي البخل اقتصاداً فأنا أحب الاقتصاد فيما لا فائدة فيه من نفقة وغيرها.

وعندما تدخل الفن من باب الاقتصاد فإننا نجد أن أنسب الأشكال الفنية لمن يرغب في الاقتصاد هو بالفعل الشكل المسرحي، فالعدو الأول للمسرحية هو الإسراف، وهنا مسألة تغري حقاً ببحث النقاد ودرسهم، فيما لو أمكنهم متابعة حياة كبار المؤلفين المسرحيين لمعرفة مدى اتصافهم بالبخل من قريب أو بعيد، فنحن نعلم مثلاً أن شكسبير كان مرابياً في آخر أيامه، فهل ترى كان يضن بالمال ويوصف بالبخل؟..وموليير مثلاً ما صلته بالبخل؟. أما أنا فلست مرابياً بعد، ولكني أحب أن أكون كذلك لو صح أن شكسبير كان مرابياً حقاً، فالتشبه بأمثاله فلاح وأي فلاح!.

وعن أسخف مسرحياته التي كتبها يشير إلى” المرأة الجديدة” التي كتبها عام 1923 ومثلتها فرقة عكاشة بالأزبكية عام 1926. يواصل الحكيم: كنت من حسن الحظ كنت في فرنسا فلم أشاهدها، وسخافتها راجعة إلى أنها وهي من وحي معركة السفور والحجاب التي كانت دائرة قد دلت على موقف سخيف، موقف شاب اختار أن ينحاز إلى جانب السخرية من سفور المرأة بدلاً من الموقف إلى جانب محررها قاسم أمين.

وهل هناك أسخف من منظر شاب يلبس في مثل هذا المجال عمامة الوعظ والإرشاد، مع أن الشباب يجب أن يكون دائماً طليعة التقدم في كل شئ.

وبالمقابل لا يوجد مسرحية اعتز بها أو لا، فأعمالي ليست أولادي كما اعتاد المؤلفون أن يقولوا، بل هي صيحاتي التي أعبر بها عن وجودي وعن الوجود كله، وبعد إطلاقها تتوه مني في الفضاء وتصبح شبه موجات أثيرية..ومن يلتقطها ويحدثني عنها يخيل إلي أني أسمعها لأول مرة!.

أما الأديب محمود تيمور، فقد حذرفي لقائه مع دوارة الأدباء الشبان من النقاد ونصحهم ألا يكثروا من قراءتهم وأن يأخذوا آرائهم بحذر، يقول: فقد عرفت من صلاتي بالأدباء الشبان أن الضرر الذي يلحق بالأديب الناشئ حين تدور به تيارات النقد، أكبر من النفع الذي يفيده بما يقرأ من آراء وما يتبين من نظرات.

يتابع تيمور: الأديب الناشئ إذا صدم بالنقد القائم على تنازع الآراء، وتصارع الأفكار لا يلبث أن يصيبه عسر هضم أو عسر تفكير، وأخشى ما أخشاه على ناشئة ادباء تلك الندوات الأدبية التي يتصيد أصحابها الأديب الناشئ المسكين، فيحصرونه في أضيق مجال، ويكتفونه كتفاً، ويجرون عليه عملية دق وعصر، بأسلوب منهجي فلسفي تتعقد فيه المصطلحات حتى يخرج الأديب لا يعرف له وجهة سير. لذلك أنصح بالأديب الناشئ أن يباعد بينه وبين النقد والنقاد حتى يشتد عوده.

ليترك الأديب الناشئ نفسه على سجيتها، حين يكتب لا يستلهم إلا فطرته وملكات فهمه. وليتحرر من كل ما يثقل عليه من التوجيهات.

هو أحد الثائرين قبل الثورة، وواحد ممن مهدوا لها الطريق، أصدرجريدة “االلواء الجديد” التي كانت أحد المعاول الهامة التي اشتركت في تقويض النظام الملكي الفاسد.

قامت ثورة يوليو وهو في المعتقل، فلم يمض عليها يومان إلا وأفرجت عنه، تولى عدد من المناصب الوزارية أهمها وزارة الإرشاد القومي التي نجح في تحويلها إلى وزارة الثقافة.

إنه فتحي رضوان الذي يرى في حواره مع المؤلف، أنه لم يعل قدر أديب إلا وكان له موقف من الدولة التي يعيش فيها، وكان لهذه الدولة موقف منه مهما حاول أن ينأى بنفسه عن عالم السياسة والحكم والحكام.

يقول: تولستوي كان معادياً لحكومة بلده، وديستوفيسكي اتهم في مستهل حياته الأدبية بالتآمر على نظام الحكم وشوقي نفي والأمثلة كثيرة.

وعن توليه وزارة الإرشاد القومي بعد ثورة يوليو يقول: اقترحت وزارة للدعاية للثورة، ووجدت أن تسمية الإرشاد قد تكون أخف، فوافق مجلس قيادة الثورة على أن أصبح وزيرا للإرشاد القومي، ولكني نحيت عها بعد أقل من شهرين، وعهد إلي الإشراف على الإذاعة، وقضت الإذاعة معي أياما كانت تقوم خلالها بالدعاية للثورة بطريقة محترمة جدا، خالية من الصراخ ومن الكلام السوقي.

وكانت وزارة الإرشاد في ذهني وزارة تبسط جناحيها على مجالي الدعاية والثقافة ولا زلت أؤمن بضرورة وجود جهاز واحد يشرف على المجالين معاً، لكي لا يحدث بينهما تضارب يعطل أحد الجناحين أو يعطلهما معاً.

والدعاية المجردة من الفن والثقافة دعاية فاشلة، يجب أن أقدم الفيلم الجميل المتقن سواء للآثار المصرية أو لفكر الثورة، فالثقافة ليست في حرب مع الدعاية هكذا أرى.

ويقول في شهادته عن عبدالناصر: لم أر إنساناً ممن حكموا مصر ممن عرفتهم أو جالستهم، عشق الثقافة وهام بها مثل عبدالناصر، كان يحب الفيلم والكتاب.

مرة أهديت لأعضاء مجلس الوزراء كتاباً أصدرته الوزارة ضمن “مختارات الإذاعة” وكنا نبيعها بخمسة قروش، فأبدى عبدالناصر سروره وإذا بأحد الوزراء غير الراضين عن وزارة الإرشاد يقول: هو حد بيقرا ..ده فتحي عمال بينفخ في قربة مقطوعة.

فرد عليه عبدالناصر: لو قرأ هذا الكتاب قارئ واحد فقط لكان ذلك مكسباً وأريد أن أطمئن الأخ فتحي أن هذا الواحد موجود..أنا ساقرأ الكتاب.

وكان الكتاب هو “تاليران” فجاء عبد الناصر في الجلسة التالية وقال: من منكم قرأ كتاب وزارة الإرشاد..مين بقى بيقول محدش بيقرأ اديني قريت يا سيدي.

وعن وزارة الثقافة يقول رضوان: مهمة وزارة الثقافة كمهمة وزارة الصحة، تقول للناس بمختلف الوسائل: تطعموا ضد الكوليرا ولا تكتفي بذلك، بل ترسل لهم من يطعمهم فعلاً في البيوت والمدارس والمصالح وفي كل مكان يوجودون فيه.

وهذا ما يجب أن تفعله وزارة الثقافة، فتبحث عن القارئ وتحرص على الوصول إليه، وتدرس مدى إقباله على الكتاب وإفادته منه.

يقول نجيب محفوظ أن الرغبة في الكتابة كانت موجودة لديه منذ زمن قديم حتى قبل تبين دوافعها، ففي أيام إدمان القصص البوليسية كنت أعيد كتابة بعضها في كراسة خاصة وأكتب عليها اسمي.

ومع قراءاتي للمنفلوطي كنت أؤلف “نظرات” و”عبرات” وأذكر أنني في هذه الفترة كتبت الشعر..كنت أكتبه في بادئ الأمر موزوناً، ولكن كانت بعض الأبيات تنكسر مني..وحينما وجدت الأبيات المكسورة كثيرة أطلقت الشعر وحررته من الوزن، فكنت رائد المدرسة الحديثة بلا منازع! لأن هذا يرجع إلى سنتي 1925، 1926.

كانت كل قصائدي في بادئ الأمر تدور حول الحب، وربما ذكت في بعض القصائد علاقات معينة وأسماء بطلاتها، ثم بدأت أكتب بجانب هذا اللون قصائد أخرى تتصل بمشاعري الخاصة كفرحتي بالعيد ورمضان ونحو ذلك.

اعتبر محفوظ العامية مرض يعاني منه الشعب، معتبرها من عيوب مجتمعنا كالفقر والمرض والجهل، وهو مرض أساسه عدم الدراسة، والذي وسّع الهوة بين الفصحى والعامية عندنا هو عدم انتشار التعليم في البلاد العربية..ويوم ينتشر سيزول هذا الفارق أو سيقل كثيراً.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل