المحتوى الرئيسى

بعد 5 سنوات من الربيع العربي.. الجزائر صامدة

06/03 17:57

نشرت مجلة "فورين افيرز" مؤخرا دراسة حول الأوضاع في الجزائر بعد مرور خمس سنوات على ثورات لربيع العربي، أعدها الكاتب ومحلل الأسواق الناشئة فرانسيسكو سيرانو، الذي يرى أن النظام الجزائري أظهر مرونة وسط الاضطرابات السياسية التي عمت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2011. ومايزال النظام صامدا رغم علامات الانحطاط التي تعم النظام السياسي في البلاد. 

ويستشهد سيرانو بقول علي يحيى عبد النور، المحامي الجزائري الناشط في حقوق الإنسان: "لقد حررنا الأرض، ولكن ليس الناس"، للتدليل على أن الوضع الراهن في الجزائر لا يبدو قابلا للتغيير، رغم مجموعة  التحديات الداخلية والخارجية التي يمكن أن يغرق البلاد في الفوضى.

فحتى الآن، لا تزال الجزائر يحكمها خليط من أفراد الجيش والأمن والنخب السياسية. وعلى الرغم من  جو السخط  في الشوارع، والحديث عن انخفاض أسعار البترول وتراجع الدينار، وارتفاع معدلات البطالة، ومشاعر الاحباط من الفساد والبيروقراطية الطاغية. اعتاد الجزائريون منذ فترة طويلة مثل هذا الكلام. فتاريخ البلاد الحديث حافل بالتوتر الدائم.

ولكن هذه الضغوط تأتي في وقت سيء للنخبة الحاكمة في الجزائر، التي تسعى للترتيب  لما بعد نهاية حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة  الذي يحكم البلاد منذ عام 1999. ولكن بعد إصابته بسكتة دماغية عام 2013، لم يعد يظهر علنا إلا نادرا، مما دفع كثيرين إلى التساؤل عن الدور الذي يلعبه فعلا في إدارة الشئون اليومية. ويشير الكاتب الى ان بوتفليقة الذي يتنقل على كرسي متحرك، و تجسيد للنظام الذي يمثله: مجموعة من المسنين المنعزلين، د تتراوح أعمارهم حول السبعين عاما، يحكمون بلدا تقل اعمار ما يقرب من 67 في المائة من سكانه عن الثلاثين عاما.

غير أن سيرانو يرى أن بعض التغيير ربما تكون في الطريق، مع استعداد النخبة الحاكمة للانتقال إلى مرحلة ما بعد بوتفليقة. ففي يناير من هذا العام ، اقدم الرئيس على خطوة كبيرة عندما حل دائرة الاستعلام والأمن. وأنشأت الحكومة هيئة جديدة، تحت الإشراف المباشر للرئيس ويرأسها قائد سابق في دائرة الاستعلام والأمن.

وعلى الرغم من أن الأجهزة السرية تحظى دائما بنفوذ هائل في الجزائر، توسع نفوذها كثيرا خلال الحرب الأهلية في التسعينيات  بذريعة محاربة الإرهاب، وامتدت إلى أحزاب سياسية، والشركات في القطاعات الحيوية، والجامعات، ووسائل الإعلام. ولكن في سبتمبر عام 2015، أقالت الحكومة رئيس دائرة الاستعلام والأمن، الجنرال محمد مدين، من منصبه. وكانت هذه لفتة قوية: فعلى الرغم من أن معظم الجزائريين لا يعرفون سوى القليل عن مدين، والمعروف أيضا باسم "توفيق"، إلا ان دوره كان حاسما في تصعيد بوتفليقة إلى السلطة. وساعدت دائرة الاستعلام والأمن ـ تحت قيادته ـ في تحقيق كل انتصارات بوتفليقة الانتخابية. وصور الرئيس ومساعدوه حل دائرة الاستعلام والأمن كخطوة ملحة لتحويل جهاز الأمن من نوع من أنواع البوليس السياسي إلى وكالة لمكافحة الإرهاب.

ولكنها خطوة تزيل ايضا عائقا محتملا أمام خطط الخلافة للنظام، فمن شأن دائرة أمنية قوية  أن ترجح وزن من سيخلف الرئيس الحالي.

ويتناسب تفكيك دائرة الاستعلام والأمن أيضا ف رواية الحكومة عن ان الجزائر صارت "دولة مدنية" وهو من الشعارات المفضلة لدى النخبة الحاكمة. ولكن ليس من المؤكد في نظر الكاتب ما إذا كان النظام الجزائري يعتزم حقا تحقيق هذا الهدف، نظرا لأن أجهزة الأمن الداخلي تعمل دون رادع تماما منذ٢٥ عاما.

لذلك عندما تزعم  الحكومة أن الأجهزة الأمنية تتطلب تفكيكها، يتساءل العديد من الجزائريين، لماذا الآن؟ من مساعدة على التلاعب في الانتخابات إلى مراقبة أنشطة الأحزاب والنشطاء السياسيين، تمارس دائرة الاستعلام والأمن  منذ فترة طويلة السلطة في الجزائر.

وهذا يجعل من غير المرجح أن الحكومة سوف تتجاهلها تماما، ببساطة .  لكن الأكثر احتمالا، انشاء نسخة منقحة من الأجهزة الأمنية، يستطيع الرئيس وحلفاؤه ترويضها بسهولة.

وحتى وقت قريب، شكل الجيش والأجهزة الأمنية، والرئاسة  العمود الفقري الهيكلي للنظام. ولكن، برز المال مصدرا جديدا للنفوذ.

ونشأت الطغمة المالية، وهي شبكة من رجال الأعمال  حول شقيق بوتفليقة ـ سعيد ـ  يستفيدون من تعاقدات الدولة وتعاملاتها مع الشركات العالمية التي تعمل في الجزائر.  وزعزعت هذه ألاموال  استقرار الأسلوب التقليدي الذي كان يعمل به النظام.

حاول النظام أن يعطي انطباعا برغبته في التحديث، عبر إصلاح الأجهزة الأمنية. وعبر اعداد دستور جديد شمل تغييرات من بينها إعادة تحديد فترة الولاية  بفترتين رئاسيتين مدة كل منهما خمس سنوات والاعتراف بالأمازيغية، كلغة رسمية، بالإضافة الى ضرورة اختيار رئيس الوزراء يجب من الأغلبية البرلمانية، بدلا من تعيينه بقرار من الرئيس.

وكانت الحكومة أعلنت عن الإصلاح الدستوري لقمع الاحتجاجات في عام 2011. ولكن كاتب الدراسة يرى في هذه التغييرات  خطوة أخرى  لخلق تصور عن التغيير دون تغيير حقيقي. فبدلا من إجراء مناقشة مفتوحة في البرلمان، طرحت الحكومة نفسها الإصلاحات الدستورية، مما دعا أحزاب المعارضة، إلى تسميتها فرصة ضائعة لانفتاح ديموقراطي حقيقي. ثم قاطعت معظم تيارات المعارضة التصويت.

وعند افتتاح الدورة، أعلن عبد القادر بن صالح، رئيس مجلس الأمة،  أن بوتفليقة بعث بتهنئة لأعضاء البرلمان لموافتهم على  الدستور المعدل.

بعد زايارت  ولا يكاد يكون هناك من يتخيل أن البرلمان يلعب أي دور في حكم البلاد. كما أن الحكومة لم تسع إلى الحصول على موافقة الشعب الجزائري في استفتاء؛ ربما لأنها تعلم أنه لا يحظى بشعبية. ويعرف الجزائريون  كيف تدار بلادهم: يتم اتخاذ القرارات سرا ، ثم تمرر الوزراء أو إلى مجلس الوزراء أو البرلمان حيث تكتسب القشرة القانونية والشرعية السياسية. وهو ما سار عليه الحال منذ الاستقلال.

ففي انتخابات الجمعية التأسيسية عام 1962 سمح للشعب المحرر حديثا بالتصويت، ولكن فقط لقائمة مرشحين من حزب واحد: جبهة التحرير الوطني (ولم يتح لهم إلا اقرار صحة القرارات التي قدمها بالفعل الموالون الحزب في وقت سابق من العام.

حكم الحزب وظلت الجزائر المستقلة تحت حكم جبهة التحرير الوطني حتى أزمة أواخر الثمانينيات، عندما اضطر النظام لفتح المجال امام قوى سياسية جديدة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل