المحتوى الرئيسى

الفانوس المصرى يعود لعرشه من جديد

06/03 16:56

فانوس"الخيامية" بطل"تحت الربع" هذا العام

بائع فوانيس: هذا العام.. الأكل أهم من الفوانيس

ما أن يهل علينا نسائم شهر رمضان، حتى ترى شوارع مصر وقد تزينت وتجملت بألوان ساحرة فينبعث من أرجائها مزيج ساحر من الأضواء، تتنوع فى سحرها ما بين أنوار وشموع ، لتعطيك طابعاً تراثيًا يرجعك إلى فولكلور العصر الفاطمي، وبدأ استخدام الفانوس فى صدر الإسلام فى الإضاءة ليلاً للذهاب إلى المساجد وزيارة الأصدقاء والأقارب.

وذكرت العديد من القصص عن أصل الفانوس، ومن ضمن هذه القصص أن الخليفة الفاطمى كان يخرج إلى الشوارع ليلة الرؤية ليستطلع هلال شهر رمضان، وكان الأطفال يخرجون معه ليضيئوا له الطريق. كان كل طفل يحمل فانوسه ويقوم الأطفال معاً بغناء بعض الأغانى الجميلة تعبيراً عن سعادتهم باستقبال شهر رمضان.

أما كلمة "الفانوس" فهى إغريقية تشير إلى إحدى وسائل الإضاءة، وفى بعض اللغات السامية يقال للفانوس فيها 'فناس'، ويذكر الفيروز أبادى، مؤلف القاموس المحيط، أن المعنى الأصلى للفانوس هو "النمام" ويرجع صاحب القاموس تسميته بهذا الاسم إلى أنه يظهر حامله وسط الظلام والكلمة بهذا المعنى معروفه.

ويعد "فانوس رمضان" أحد المظاهر الشعبية الأصيلة فى مصر

حيث تعد صناعته صناعة رائجة فى المجتمع المصرى، خصوصاً مع اقتراب شهر رمضان المبارك، حيث يعد الفانوس من مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم ويعطى مذاق خاص للبهجة عند الأطفال والكبار، والذى يشارك الصائمين السهر حتى السحور أثناء جلسات السمر بين الأصدقاء فى الشوارع وبهجة الأطفال وهم يمسكون بالفانوس ويتغنون الأغانى الرمضانية الجميلة بعد الإفطار.

ولكن خلال السنوات الأخيرة، أصاب الفانوس المصرى حالة من الركود بعد إقحام الفانوس الصينى فى السوق المصرى مما تسبب فى بطالة العشرات من العمال الذين يعملون فى هذه الصناعة. وتسببت أيضاً الحالة الاقتصادية للدولة  فى أذمة مالية على المواطن المصرى مما دفعه فى بعض الأحيان إلى الاستغناء عن بعض عاداته المقدسة طبقا لما يتطلبه واقع الحاجة و الأولويات، ولكن عادت صناعة الفوانيس تتنفس مرة أخرى بعد منع استيراد الفانوس منذ العام الماضى، وعودة الفانوس المصرى ليحتل مكانته التى كونها عبر العصور ولم يخف المصريين سعادتهم بعودة  الفانوس المحبب لديهم وعودة مكانته مرة أخرى.

وسنستعرض الفانوس فى هذا الموسم من حيث تواجده وأسعاره والأشكال الجديدة لفوانيس رمضان.

الفانوس المصرى يعود ليتربع على كرسى العرش..

وبالتجول فى أحد أروقة مصر الفاطمية فى منطقة "تحت الربع" و"الخيامية" تحديدًا أحد أكبر المنابع لصناعة الفانوس المصري، وجدنا انتعاشة جديدة تعد بمثابة إعادة بعث للفانوس المصرى بشكله البديع المعروف و طرازه الأنيق ذو الألوان الزاهية، و تعود أسباب انتعاشه بعد قرار الحكومة بمنع استيراد الفانوس الصينى وترويجه فى الأسواق المصرية مما حول قبلة المواطنين إلى الفانوس المصرى وجعله يلاقى إقبالاً كبيراً مما أدى إلى إحياء روح الإبداع والتفانى من قبل المصنعين فى استخدام فنون جديدة فى صناعته وإنتاج الكثير من الأشكال الجديدة مختلفة الطراز والأنواع و الأحجام فى مقابل الاختفاء النوعى للفانوس الصينى داخل "شوادر" الفوانيس ومحالات البيع وغياب راغبيها.

مواطنة: أنا سعيدة بعودة الفانوس المصرى

بهذه الكلمات عبرت إحدى السيدات التى فى العقد السادس من عمرها والتى أتت إلى منطقة "تحت الربع" لشراء فانوس لحفيدتها الصغيرة، وأفصحت عن سعادتها بعودة الفانوس المصرى الأصلى بطرازه التقليدى "أبو شمعة" وأن هذا النوع من الفوانيس هو ما يمثل حقاً الفلكلور الأصلى للفانوس، وأن الشكل التقليدى هذا يجعلها تشعر أكثر بمظاهر البهجة والسعادة وأن الفانوس الصينى منذ أن رأته وهى لا تعترف به كرمز من رموز شهر رمضان

واختتمت حديثها بأنها سعيدة بعودة الفانوس المصرى حتى وإن اشترته بضعف ثمنه.

"الحكومة منعت الفوانيس الصينى وده اللى خلينا شمينا نفسنا شوية"

أثناء التجول فى شوارع منطقة "تحت الربع" ودخول شوادر بيع الفوانيس استطلعنا آراء بعض الباعة وتجار الفوانيس فقالوا، إن قرار الحكومة بمنع استيراد الفانوس الصينى أدى إلى زيادة مكاسبهم عن طريق زيادة الإقبال على الفانوس المصرى الذى يتم صناعته بخامات محلية تجعله أقل تكلفة فى صناعته وأكثر ربحاً فى بيعه مما يجعلهم يتحصلون على نفقات عرضه والعمالة التى  تقوم بالترويج وبيع الفانوس، مما يجعلهم أكثر رضاءً من ذى قبل حيث إن ربحهم كان يتوقف على هامش ربح رمزى يتمثل فى فرق سعر الاستيراد من السعر الذى يطرح به فى السوق.

ارتفاع أسعار الفوانيس عن الأعوام الماضية

و قال بائع آخر، إنه بالرغم أن الفانوس هذا العام أصبح معتمداً اعتمادًا كليًا على الخامات المحلية مما جعلنا نتلاشى الرسوم الجمركية على استيراد الخامات وبالتالى من المفترض أن يكون سعره أقل وفى متناول الجميع، إلا أن زيادة الأسعار التى تشهدها كافة السلع أدت إلى ارتفاع سعر خامات تصنيع الفانوس أيضاً، وبالتالى يزيد سعر تكلفته على المصانع مما يضطر التاجر إلى رفع سعره على المواطنين عند شرائه مما أوصله إلى سعر شبه مضاعف عن الأعوام الماضية.

"مضطرين نقلل الربح بتاعنا عشان الناس تشترى"

وأعرب أحد التجار، أنه فى ظل زيادة الأسعار التى يشهدها سوق الفوانيس أنهم كتجار مضطرون إلى تقليل نسبة ربحهم المعتادة على أصل تكلفة الفانوس حتى يتمكنوا من الترويج للفوانيس وبيعها فى ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة والضيق المعيشى الذى يتعرض له غالبية الشعب المصرى إن لم يكن جميعه والزيادة الكبيرة فى أسعار السلع الاستهلاكية خصوصاً مع حلول شهر رمضان المبارك.

وأضاف أن الإقبال على شراء الفوانيس هذا العام يقل كثيراً عن الأعوام الماضية وأن حركة البيع تشهد ركودًا ملحوظًا تجعلهم فى حالة توتر من الأيام المقبلة التى سوف يلتفت الناس فيها أكثر إلى شراء المواد الغذائية وقد لا يلتفتوا إلى شراء الفوانيس، وينسوها عن غير عمد أو يتناسوها عن عمد نتيجة لثقل الحمل.

"فى رمضان هذا العام الأكل أهم من الفانوس"

وبسؤال أحد تجار الفوانيس، فى منطقة الخيامية القريبة من باب زويلة، أحد أعرق بوابات مصر فى عهد الدولة الفاطمية.

بدأ كلامه بعبارات صغيرة الحجم لكنها كبيرة فى مضمونها وتحوى مشاعر الأسى وتنم عن ضيق الرزق والمعيشة التى يسيطر فى مضمونه على أكبر شريحة داخل المجتمع المصرى وقال حسب وصفه "الأسعار السنة دى غير أى سنة وفوق قدرات أى مواطن من الشريحة المتوسطة وأنا كأب لو معايا فلوس هروح اشترى بيها أكل لعيالى أولى من إنى اشتريلهم فانوس".

هكذا لخص لنا عم "حمدي"، ما يخفيه فى داخله حفاظاً على مهنته التى يقتات منها العيش و ينفق منها على أولاده.

"لو كان الزمن رجع بينا شوية كنا اشتغلنا فى المجارى"

بهذه الجملة صدمنا أحد جهابزة صناعة الفوانيس بمنطقة "تحت الربع" ويدعى عم حسن، والذى رفض أن يفصح لنا بأى جملة إضافية، لتكون هذا المخلص الشافى الوافى بالنسبة له إذا لم يخوننا التعبير، ولكن إذا نظرت فى عينيه جيداً و تأملت تجاعيد العمر التى تنعكس على ملامحه المسنة، لن تكون محتاج بعدها إلى سماع المزيد من التفاصيل من شخص مثله، لأن ملامحه تبوح عن أسرار احتوتها سنين طويلة من الشقاء والتعب والكد فى مهنة نظن أنه قد امتهنها منذ نعومة أظافره.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل