المحتوى الرئيسى

#في_اليورو - أيسلندا.. بيورك تفسح المجال لمنتخب كرة القدم

06/03 11:48

دقائق معدودة مرت على بداية الشوط الثانى، اللقاء الودي الرتيب يسير بلا مفاجآت إثر تفوق أيسلندا على إستونيا بثلاثة أهداف مقابل لا شيء، إلا أن تلك الظهيرة الربيعية كانت على وشك أن تشهد حدث جلل ينتظره سكان تلك الجزيرة القابعة فى أقاصي شمال الكوكب بينما بقية العالم الكروي منشغل برزنامة لقاءات دولية و محلية أكثر أهمية مما يجرى في تالين. يشير الحكم الرابع إلى تغيير أحد لاعبي المنتخب الأيسلندي، المهاجم رقم 13 صاحب السبعة عشر عاما و المدعو إيدور جوديونسين سيلعب بقميص بلده لأول مرة.

اللاعب المستبدل هو والده أرنور صاحب السبعة وثلاثون عاما. ريكيافيك تكاد تقفز فرحا من شدة الحماسة، فالحدث غير المسبوق يعكس إمكانات تلك الجزيرة ذات الموارد المحدودة. تماما كحفنة ممن خرجوا إلى العالم منها: إمكانات نادرة لكن استثنائية وقتما وجدت.

لعقود طويلة عاشت أيسلندا فى ظل ممالك النرويج و الدنمارك، ثم توارت عن العالم لعقود أطول قبل أن تعيد اكتشاف ذاتها عبر موهبة فنية فذة و بركان و أزمة بنكية طاحنة. ففي تسعينيات القرن الماضي بدأ العديد حول العالم من الانتباه إلى أن أيسلندا هي الجزيرة الأوروبية التي تنحدر منها المطربة و المؤلفة و الملحنة و الممثلة بيورك جودموندسدوتير والمعروفة عالميا باسمها الأول كعادة الأيسلنديين في استخدام أسمائهم الأولى عوضا التقليد الغربي فى استخدام أسماء العوائل. المطربة صاحبة المبيعات التي تتراوح بين الـ20 و الـ40 مليون نسخة حول العالم حازت على أربعة عشر ترشح لجوائز الإيمى و ترشح واحد لجائزة أوسكار أفضل أغنية دون الفوز بأى منهم، لكنها عوضت عن سوء حظها ذلك بحصدها لجائزة أفضل ممثلة بمهرجان كان السينمائي عن دور البطولة في فيلم "راقصة في الظلام" مطلع الألفية الجديدة.

مرت بضع سنوات ظلت خلالها بيورك هي الممثلة الأشهر إن لم تكن الوحيدة لأيسلندا على المستوى الدولي قبل أن يظهر جوديونسين كأحد المواهب الكروية على مستوى القارة الأوروبية خلال تسعة سنوات لعبها بتشيلسي الإنجليزى وبرشلونة الإسباني أحرز خلالهم أكثر من ستين هدفا متوجا مجهوداته بالفوز بكأس أوروبا مع الفريق الكتالونى عام 2009. إلا أن شهرة اللاعب دائما ما اقترنت بأسماء الأندية التي لعب لها عوضا عن اشتهار دولته الأم. العديد من محبي اللاعب عبر العالم لم يعرفوا غير أن جنسيته تنتمى لإحدى تلك الدول الاسكندنافية دون تحديد أيسلندا.

تخلل تألق جوديونسين الانهيار الكامل للنظام البنكى الأيسلندى إثر الازمة الاقتصادية العالمية أعوام 2007 و2008 مما لفت انتباه القليل من خبراء الاقتصاد لتلك الجزيرة قبل أن تتجه الأنظار مرغمة إلى أيسلندا فى 2010 عقب ثوران بركان إييافيالايوكول الذى أدى انتشار أدخنته عبر القارة الأوروبية إلى إلغاء أكثر من مئة ألف رحلة جوية في الفترة من منتصف إبريل إلى منتصف مايو من نفس العام ثم فضيحة استقالة رئيس وزرائها إثر الكشف عن إخفائه امتلاك شركة معفاة من الضرائب ببنما منذ أقل من شهرين.

أما عن اللحظة الكروية التي جذبت الأنظار لأيسلندا، فقد جاءت في أواخر العام الماضي حين تمكن منتخبها من الصعود لأول بطولة رئيسية دولية في تاريخه عبر حجز بطاقة التأهل لكأس الأمم الأوروبية والتي ستقام بفرنسا الصيف المقبل. عدة منتخبات استفادت من النظام الجديد للبطولة لتشمل 32 منتخبا، مما وفر العديد من فرص الصعود إلى البطولة حتى لفرق أنهت جولة التصفيات في المركز الثالث بمجموعاتها. لكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لأيسلندا التي احتلت المركز الثاني في مجموعة ضمت منتخبات هولندا وجمهورية التشيك وتركيا. حققت أيسلندا ستة انتصارات منها اثنان ذهابا و إيابا ضد بطل أوروبا السابق وثالث العالم حاليا بالإضافة إلى فوزين على كل من تركيا و بطلة المجموعة جمهورية التشيك.

المتابعون عن قرب، و هم قليلون جدا، فطنوا إلى أن التأهل التاريخي لم يكن محض الصدفة أو نتاج لسلسلة من النتائج الجيدة في فترة قصيرة، فأيسلندا وصلت لأقرب مرحلة من الصعود لكأس العالم في تاريخها حينما تأهلت لملحق التصفيات قبل أن تخسر من كرواتيا 2-0 إيابا بعد التعادل السلبى بريكيافيك. فتطور أيسلندا الكروي ما هو إلا نتاج لسياسة طويلة الأمد بدأت منذ عدة سنوات من أجل تحقيق الاستفادة الأمثل من الموارد المحدودة لتلك الدولة التي لا يتعدى تعدادها السكنى 330 ألف نسمة الأغلبية العظمى منهم شغوفين بكرة القدم على عكس ما يعتقده الكثيرون من تفضيل الأيسلنديين لكرة اليد أو السلة أو إحدى الرياضات الشتوية، حيث وصل عدد المتقدمين لشراء تذاكر مباريات المنتخب باليورو إلى 8% من السكان و هب نسبة كبيرة حتى إذا ما أخذنا في الاعتبار التعداد القليل.

الخطة بدأت منذ نهاية التسعينيات. أهم شيء كان الاستفادة القصوى من الموارد المحدودة عن طريق الاهتمام بالمدربين و خلق شبكة من الكشافين المؤهلين للتنقيب عن أى موهبة تظهر فى أيسلندا. هنالك 20 ألف لاعبا مقيدين بسجلات الاتحاد الأيسلندي لكرة القدم على الرغم من الحفاظ على نظام الهواة للدوري، حيث يتقاضى لاعبو الأندية أموالا نظير مشاركاتهم إلا أنها ليست بالمبالغ أو العقود الكبيرة فيحتفظ معظم اللاعبين بمهن أو دراسات أخرى يقومون بها إلى جانب كرة القدم.

تمتلك أيسلندا أطول فترة راحة ما بين المواسم الكروية في العالم، تمتد من سبتمبر إلى مايو في ظل برد قارس في أغلب شهور السنة، بالإضافة لتضاريس جبلية تجعل التنافس على ملاعب مفتوحة أمرا مستحيلا طوال الشتاء. لذلك كان الاهتمام الأكبر بالتدريبات عوضا عن اللقاءات التنافسية و من هنا أصبح تأهيل المدربين و الكشافين أولوية قصوى. "جميع المدربين الأيسلنديين يملكون ترخيص الاتحاد الأوروبي المعتمد لممارسة المهنة. جميعهم يحصلون على رواتب مجزية حتى يتفرغوا لعملية التدريب التي تبدأ بالصغار من سن أربع أو خمس سنوات في الكثير من الأحيان" هكذا يقول إرنار جونارسون، مدير التعليم بالاتحاد الأيسلندي للعبة.

الشق الثاني للخطة كان إنشاء العديد من الملاعب المغلقة التي تمكن الفرق من إقامة تدريباتها على مدار العام عوضا عن انتظار موسم الصيف. "أصبح لدينا سبع صالات لملاعب مغلقة، ما بين 20 و 25 ملعبا بأرضيات حشائش صناعية و150 ملعبا مصغرا. لقد أصبحنا نلعب كرة القدم طوال العام" هكذا يكمل جونارسون حديثه. كان جونارسون لاعبا منذ عشرين سنة مضت. حينذاك كان يتدرب مرة واحدة كل أسبوع أثناء الشتاء، أما الآن فاللاعبون يحصلون على ثلاث أو أربع حصص تدريبية بالأسبوع مما زاد من قدراتهم الفنية والبدنية بشكل ملحوظ.

تتبنى معظم الفرق الأيسلندية و منتخبها أسلوب اللعب 2-4-4 مع التركيز على السرعة و اللياقة البدنية مع خلق عقلية صلبة تسعى إلى الفوز والتكيف مع كافة المتغيرات التي يمكن أن يواجهها لاعبو كرة القدم. أسلوب اللعب هو أهم شيء، يجب على كل لاعب أن يبذل أقصى ما في وسعه من خلال امتلاك أعلى معدل للياقة البدنية. من لا يمكنه الركض لمدة 90 دقيقة لا يمكنه اللعب لأيسلندا، طبقا لجونارسون. الحصاد الأول لتلك الخطة كان تأهل منتخب الشباب لبطولة أوروبا تحت 21 سنة عام 2011 لأول مرة في تاريخه. فريق الشباب الحالي أيضا تأهل للبطولة التي ستقام عام 2017، حيث تقام البطولة كل عامين.

أهم أخبار الرياضة

Comments

عاجل