المحتوى الرئيسى

قطارات السكة الحديد: عربات مُظلمة نوافذ مُحطمة.. وروائح كريهة | المصري اليوم

06/02 22:11

فى الساعة الثالثة وخمس وأربعين دقيقة، وقبل مغادرة القطار بدقائق معدودة لرصيف المحطة متجهاً إلى مدينة الزقازيق، تسابق مجموعة من الركاب لحجز مكان لا يتعدى مساحة أقدامهم أعلى الحاجز الذى يفصل بين الجرار وعربة الوابور بالقطار، لتهربهم من شراء التذكرة و«التزويغ» من الكمسارى رغم تعرضهم لخطورة السقوط أسفل عجلات القطار طوال رحلتهم.

أمام لوحة تشغيل القطارات الخاصة بمسير القطارات على شريط السكة الحديد، جلس محمود متولى الرجل الخمسينى، وأذناه معلقتان برنين يصدر من تليفون بدائى يتابع منه سير خط القطارات، أما يداه فتسجلان أرقام القطارات المارة أمامه فى دفتر ورقى، و«سويتش» عبارة عن تليفون يصله بمراقب البرج فى المحطتين السابقة عليه واللاحقة، وجهاز لاسلكى يصل بينه وبين المراقبة المركزية، إلى جانب أريكة خشبية تآكلت الطبقة الإسفنجية بها، وكرسى مكسور وجردل متسخ ممتلئ بالمياه يشرب منه، هى الأدوات المتاحة لعامل برج المراقبة المسؤول عن سير حركة القطارات.

وفاء طالبة فى طب جامعة عين شمس، وهى واحدة من مستخدمى القطار بصفة شبه يومية حيث تذهب من مسكنها بمدينة بنها إلى الجامعة، غياب الإضاءة عن عربات القطارات المميزة دفعها إلى استخدام الكشافات التى لا تستغنى عنها لحظة واحدة، خاصة فى فصل الشتاء حيث يحل الظلام باكرا، وقالت: «غالبا تنتهى محاضراتى فى السادسة مساء، والقطارات المميزة عادة ما تغيب بها الإضاءة فلا أستطيع رؤية الجالس بجوارى أو خلفى، مما دفعنى إلى شراء كشاف لإضاءة ما حولى وأشغله طوال رحلتى خوفا من تحرش أحد من الركاب بى وهو ما حدث أكثر من مرة سابقا دون تدخل أحد من الركاب لمنع المتحرش».

كلما أسرع القطار فى رحلته احتضنت ثناء طفلتها فى حضنها بقوة، فى محاولة منها لمنع دخول هواء البرد القارس إلى جسدها الهزيل، فشبابيك القطار بدون نوافذ زجاجية، بينما افترش زوجها أرضية القطار بدلا من الوقوف فى طرقة القطار المزدحمة، وللهروب من ملاحقة الباعة الجائلين المنتشرين فى عربات القطار، وقالت السيدة الثلاثينية: «طفلتى الرضيعة مصابة بالسرطان وأحضر إلى القاهرة كل أسبوع، لعلاج ابنتى فى معهد الأورام والقطار يعتبر الوسيلة الوحيدة الآمنة والأرخص فى رحلتى، خاصة أننى قد استعطف الكمسارى فى بعض الأحيان لعدم قطع تذكرة بسبب ظروفى المادية الصعبة، إلا أن الظلام والازدحام وشبابيك القطار المحطمة من أكثر الصعوبات التى تواجهنا طوال رحلتنا».

حقائب الحاجة فاطمة كانت الوسيلة الوحيدة التى وجدتها لوضعها كحاجز بين الركاب وبناتها الأربع خشية أن يمسهن سوء من شدة الزحام، مع صراخ طفل بين الواقفين يريد أن يقضى حاجته ظل مدوياً طوال الرحلة، حيث رفضت أمه إدخاله دورات المياه الخاصة بالقطار لافتقادها المياه ووعدته بإدخاله دورة المياه بأقرب محطة قادمة.

نهى صالح، طالبة بجامعة الأزهر، تضطر إلى الذهاب إلى مخزن القطارات لحجز كرسى تجلس عليه خلال رحلتها من القاهرة إلى مدينتها بنها رغم المضايقات التى تتعرض لها من الركاب والعاملين بالمخازن، وتحكى نهى قائلة: «ثلاث سنوات قضيتها أستقل القطار فى سفرى، ورغم أنه الأسوأ إلا أننى لا أستطيع استقلال غيره لأنه الأرخص، فأنا أدفع الاشتراك السنوى، وأضطر إلى الذهاب مبكراً إلى المحطة للذهاب إلى مخزن القطارات لحجز كرسى فى القطار، رغم المخاطر التى أتعرض لها بسبب انتشار الكلاب الضالة والمتسولين بالمخزن لكننى لم أجد غيرها وسيلة، وأقوم باستقلال القطار كغيرى من الركاب، لذلك يصل القطار إلى المحطة متكدساً بالركاب».

نافذة القطار المنفذ الوحيد لدخول الهواء إلى الركاب لكنها فى ظل تكدس الركاب بالقطار لم يعد لها تأثير فى ظل تكدس العربة الواحدة بعشرات الركاب رغم محاولات الركاب فتح جميع النوافذ بالعربة، إلى جانب رائحة الشياط المنبعثة من القطار والرائحة الكريهة المنتشرة فى كل مكان التى تساعد على الاختناق.

قال الدكتور سعدالدين العشماوى، أستاذ إدارة واقتصاديات النقل: مشكلة منظومة النقل لا تفى باحتياجات جميع المواطنين، وأرجع ذلك إلى أن المشروعات الجديدة التى يقدمها المسؤولون لا تقوم على الدراسات الفعالة وإنما تعتمد على التكلفة الباهظة، ومن ثم فقد النقل وظيفته وهو يؤثر سلبيا على المواطن محدود الدخل، إضافة إلى دفعه إلى استخدام أكثر من وسيلة مواصلات فى رحلته الواحدة.

وتابع العشماوى: «إن الخلل الحالى لمنظومة النقل فى مصر يرجع لاتباع سياسات خاطئة وعشوائية، ففى الوقت الذى أعلن فيه وزير النقل عن إعداده دراسة لعمل مشروع سكة حديد يربط فيه بين القاهرة والعاشر من رمضان من خلال القطار الطلقة والذى تبلغ تكلفته ملايين الجنيهات، نجد تصريحاته فى وسائل الإعلام أن نصف القطارات مُعطلة لعدم وجود قطع غيار لها، فيجب على الحكومة عمل دراسات لمشروعات أقل تكلفة وأعلى كفاءة فى ذات الوقت».

وانتقد العشماوى استخدام المنقول لوسيلة النقل الأعلى تكلفة والأدنى فى مستوى الخدمة؛ وهو ما يحدث فى مصر حاليًّا ومنذ فترة. حتى وصل الأمر إلى أن أصبح أكثر من 94% من حجم المنقول ينقل على الطرق، 5% فقط بالسكة الحديد، 1% بالنقل النهرى، بخلاف الدول المتقدمة التى تستخدم وسيلتى السكة الحديد والنقل النهرى فى منقولاتهما، وهما الأقل تكلفة مقارنة بالطرق.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل