المحتوى الرئيسى

«المحبوبة الأميركية» للبريطانية أندريا أرنولد .. العبور التطهري إلى الشباب

06/02 08:00

مُتوقّد ومُربِك وتأثيمي. ثلاث صفات فخّمت وقائع الشريط الرابع للبريطانية أندريا أرنولد «المحبوبة الأميركية»، الحائز «جائزة لجنة التحكيم في الدورة 69» لمهرجان «كانّ» السينمائي، نالتها للمرّة الثالثة على التوالي، وجعلت من جيلين شخصيات شبابية، تعيش هامشاً طبقياً عصّياً في أميركا (الرئيس باراك) أوباما، هجاء مسيّساً وبزمن عرض ماراثوني (162 د) لحيل رأسمالية تقنص مواطنين عاديين، يتورطون بغفلة مع «لصوص» ذوي حجج ملفقة، يبيعونهم أوهام الاشتراك في حزمة مجلات متنوعة لن تصل بيوتهم أبداً. فيلم أرنولد لا «يُبضع» هذه المهنة الغريبة والبائدة في زمن الإنترنت، وإنما يحاجج حول «بيع» هؤلاء الشبيبة ضمائرهم وأخلاقياتهم الى خديعة جماعية تستهدف أحياء متواضعة، ومواقع عمل، وشوارع وضيعة، وبيوت فقراء، ومقاصف رذيلة. وتحاصر بشرها بحرائق فظاظات تصل الى حد الجنون والتهديد واليأس.

هؤلاء ليسوا عصابة قطاع طرق، بل أرواح «هيبية» تسعى الى غنائم باردة. استفسارهم الوحيد هو «كم سلبت؟». الباقي من حيواتهم عبارة عن جلسات مخدرات ونشوات وجنس وعنف ومناكفات وسرقة. لا مكان فيها للتبرّم أو الجدية. هم سيرورات تبدو خاسرة مستقبلها، بيد أن «الصفاقات» الفردية تؤدي ـ حسب أرنولد ونصّها ـ الى حسن البخت. هذا الأخير، يقود البطلة المراهقة «ستار» (ساشا لاين) الى مغامرة لقاء شرس ومهين مع الشاب «جيك» (شيا لابوف)، والانضمام الى عصابة مندوبي مبيعات ينشطون في «إكلاهوما» تحت سطوة الشابة كريستل (الممثلة رايلي كيو، حفيدة المغني الشهير ألفيس بريسلي) وغلوها وازدرائها. تبرر أندريا أرنولد محنة بطلتها بمشاهد افتتاحية سوداوية، تضعنا أمام كينونة متفجّرة، تعيش يوميات أفق مسدود ومُستلَب في بلدة مملّة. صبية محاصرة بأم أنانية، ترغمها على رعاية أشقّاء صغار، وتأمين قُوت تسرقه لهم من متاجر أو تبحث عنه في قمامات، أكثر مشاهدها جزعاً ما وثّقه مدير التصوير الإيرلندي روبي ريان (أنجز الشريط الأخير لكين لوتش «أنا، دانيال بليك»، حائز السعفة الذهب لهذا العام) لشقيقها الصغير، ومحاولاته نزع غلاف عبوة تحوي على دجاجة فاسدة. إنها القسوة ذاتها التي صوّرتها في عملها القصير «دبور» (2003)، جائزتا أفضل فيلم قصير في مهرجان «ساندانص» والـ «أوسكار» الأميركيين، وأرخت فيه، على مدى 26 دقيقة، جزءاً من مهانة اجتماعية حدثت لأمها المراهقة مع أربعة أطفال يأكلون من مخلفات حانات مقاطعة «كنت»، مسقط رأس مخرجة «مرتفعات ويذرنج»(2011).

لم تخذل أرنولد عنادها السينمائي وتفرّسها في تحوّلات «غيتو» بريطاني وضَنْكه وعدوانيته واستلاباته وعنصريته التي تجلت في نصّها القاتم «رَدْ رود» (2006) حول مسؤولة منظومة كاميرات مراقبة، ترصد عالماً صغيراً لقاطني أعلى مبنى في أوروبا، ويرتفع في مدينة غلاسكو الاسكوتلندية، قبل أن يظهر فجأة على شاشتها رجل أحبته في السابق، وعاد لترهيبها. فيما جعلت من فيلمها الثاني «حوض الأسماك» (2009) رؤية قاتمة لدناءة بشرية تواجهها مراهقة، تعيش في مجمع سكني حكومي وضيع، يُغويها صديق والدتها المدمنة. ينهار عالمها حينما تكتشف أنه معيل عائلة صغيرة، لم تمنعه أبوته من ارتكاب نذالات زناه. في «المحبوبة..» وسّعت أرنولد من جغرافية هذا الـ «غيتو»، ليصبح رقعة أرض شاسعة في منطقة «المدويست»(الوسط الغربي) الأميركي، وشاراتها التجارية الذائعة الصيّت كمطاعم «كنتاكي فرايد تشكن» ومتاجر «وولمارت»، حيث يتشارك قاطنوها في ضنك عيش (مشهد تعرّف «ستار» على عائلة شديدة الفقر، تقودها حالتها المزريّة الى متجر كي تتبضّع لهم ما يمكن عدّه بـ «كَفَالة مؤجّلة»)، واقتصاد مهدّد (مشهد سعي «ستار» وصويحباتها الى بيع اشتراكات لعمال في بئر نفط، ينتهي بصفقة جنسية للأولى، بعد اعتراف أحدهم: «ظننا أنكن عاهرات!»)، وحروب طبقية تجلّت في مشهديْ عصبة أمهات يسوعيات ينظّرن للتوبات، وعصابة «كابوي» سعى أفرادها الى تحويل المراهقة لرحم جماعيّ لهم. نفّذت أرنولد فيلمها بمزاج الـ «ديكو ـ دراما»، وبكاميرا محمولة ومحمومة تابعت كل شيء، بكمّ متدفق من المشاهد، رصدت عبرها وجوهاً ومواقعات إيروتيكية وحشية عقّدت علاقة الصبابة بين البطلة والوغد «جيك»، وحوّلتها الى استحقار لئيم وتعاسة حمقاء، ما يتماشى مع سلوك نزق وعنيف ومأزوم وسليط.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل