المحتوى الرئيسى

أحمد الباهى يكتب: الإخوان ومذبحة الفلوجة | ساسة بوست

06/02 07:51

منذ 7 ساعات، 2 يونيو,2016

لا مانع عندي من تصديق أي خبر يشين جماعة الإخوان المسلمين بشرط صحة الواقعة والثقة في المصدر، ولكن من نكد الدهر أن يخرج خبر لا يتقبله العقل عن جماعة كجماعة الإخوان فينتشر انتشار النار في الهشيم ويتصدر المجادلات في مواقع التواصل الاجتماعي، ألا وهو خبر الإخوان المتحالفين مع الشيعة لذبح مسلمي السنة بالفلوجة.

وتخرج علينا جريدة الفتح، الذراع الإعلامي لحزب النور السلفي المشارك في الانقلاب العسكري الدموي في مصر بمانشيت:

«حزب «الإخوان» بالعراق يتحالف مع «الشيعة» ضد السنة بالفلوجة»

وفي صدر الخبر أن ضابطـًا بالجيش العراقي يفجر مفاجأة من العيار الثقيل!!! وهو أن الحزب الإسلامي التابع للإخوان بالعراق هو الذي تكفل بإقناع الأمريكان «نعم هكذا ذكر في الجريدة» بإعطاء الضوء الأخضر للزحف على الفلوجة، وكما هي العادة في الأخبار المخابراتية الخزعبلية؛ فإن الضابط رفض ذكر اسمه وأصبح مصدر هذه المعلومات مجهول الاسم.

ربما أتفهم أن تنشر جريدة تابعة لحزب النور خبرًا يطعن في الإخوان بمصر؛ فهذا هو دور الحزب الوظيفي والذي أُنشأ من أجله، ولكن الذي لا اتفهمه هو المشاركة العابرة للحدود في الطعن في الإخوان.

وليس دفاعًا عن الإخوان فهم أولى بالدفاع عن أنفسهم، بل دفاعًا عن الحقيقة؛ ولذا سأقوم بسرد بعض الوقائع التاريخية التي توضح كثيرًا من الملتبسات في هذا الشأن.

النقطة الأولى: الإخوان المسلمون بالعراق تاريخ قديم

يرجع تاريخ جماعة الإخوان بالعراق إلى الأربعينيات من القرن العشرين؛ حيث تأسست على يد الشيخ محمد محمود الصواف في صورة جمعية تسمى جمعية الأخوة الإسلامية، وكانت خاضعة لقانون الجمعيات العراقي واستمرت حتى عام 1954 بشكل رسمي، ولكن تم حلها ولم يتوقف الإخوان عن عملهم الدعوي والتربوي المتواصل.

وبعد ثورة 1958 بقيادة عبد الكريم قاسم حدث تناوش بين الإخوان وقيادة الثورة مما اضطر الصواف إلى المغادرة إلى تركيا.

وفي العام 1960 أسس الإخوان «الحزب الإسلامي العراقي» الذي رفضت الترخيص له وزارة الداخلية العراقية إلا أنه حصل على حكم قضائي بمزاولة العمل السياسي، وأصبح حزبًا رسميًّا، ولكن سرعان ما قامت السلطات العراقية بقيادة عبد الكريم قاسم بحله عام 1961 لمعارضته سن قوانين تصطدم بالشريعة الإسلامية، وحدثت اعتقالات ومداهمات لمقار الحزب وتم تجميد نشاطه، إلا أن نشاط الإخوان الدعوي استمر، ولكن بدون غطاء رسمي حتى عام 1968.

النقطة الثانية: حزب البعث وتجميد نشاط الإخوان

حظر حزب البعث العربي الاشتراكي أي نشاط سياسي خارج إطاره الحزبي، وقام باعتقال العديد من رموز الإخوان وملاحقة كثير من شبابهم، مما اضطر الإخوان إلى تجميد نشاطهم التنظيمي تمامًا في العام 1970 ولكن اكتفوا بالعمل الفردي الدعوي، والتأثير في المحيط العائلي والمهني لكل فرد.

وكانت أبرز الشخصيات الإخوانية التي لم ترحل عن العراق هو العلامة الأصولي الدكتور عبد الكريم زيدان، والذي كان ينظر له على أنه المراقب العام لإخوان العراق بالداخل، وكانت كتبه ومؤلفاته يتم تدارسها في مناهج الإخوان التربوية حول العالم.

النقطة الثالثة: عدم الاستقرار التنظيمي كان سيد الموقف

على الرغم من حل الحزب رسميًا وتجميد نشاط الجماعة، إلا أنه كانت هناك محاولات عديدة لإحياء التنظيم، لعل أولها وأبرزها محاولة المهندس إياد السامرائي في منتصف السبعينات، وكانت في صفوف طلبة الجامعات والمحافل الشبابية ببغداد، إلا أن المحاولة تم رصدها وواجه السامرائي شبح الملاحقة مما اضطره إلى السفر هاربًا إلى الأردن.

وكانت كل محافظة عراقية لها قصة في إحياء التنظيم، ولكن بشكل منفرد في المقدادية والموصل والفلوجة على سبيل المثال، وانتشرت الدعوة بين كل مكونات الشعب العراقي «العرب والتركمان والأكراد»، ولكن بدون رابط تنظيمي واسع يجمع بينهم.

النقطة الرابعة: أهم محطات إحياء تنظيم الإخوان بالعراق

طوال فترة السبعينيات وأوائل الثمانينات اكتشفت أجهزة الأمن العراقية محاولات عديدة في عدة محافظات لإحياء تنظيم الإخوان ودعوتهم ، وواجه أصحابها أحكامًا بالإعدام، وتم تنفيذ الحكم بالفعل في عديد من الرموز والقادة مثل سرمد الدوري.

وكانت أول محاولة جادة في أواخر الثمانينات، وقد تميزت بالانتشار الجغرافي والمركزية، وتمت فيها إعادة الهيكلة وانتخاب مجلس شورى ومكاتب محافظات ومراقب عام ولكن بشكل سري جدًا.

وبعد احتلال العراق للكويت والحرب التي شنها التحالف الغربي على العراق دخلت العراق كشعب وكدولة في أتون الحصار والمعاناة والتي أثرت بالطبع على نمو التنظيم والتعاطي العام له مع الشأن العراقي، وازدادت القبضة الأمنية قسوة على الشعب العراقى وخاصة، بعد قمع انتفاضة البصرة على يد قوات صدام حسين.

النقطة الخامسة: إخوان الداخل وإخوان الخارج

كانت أغلب رموز الفكر والسياسة العراقية المنتمية للإخوان تقيم في الخارج بل شارك عديد منهم في وضع لائحة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان.

تم إنشاء الحزب الإسلامي العراقي بالخارج «لندن» وأول من ترأسه إياد السامرائي، ولم يكن هناك رابط تنظيمي وتنسيق قوي بين إخوان العراق بالخارج وإخوان العراق بالداخل.

وكان أستاذي وشيخي ومعلمي الذي تتلمذت على كتبه كأغلب أبناء الحركة الإسلامية وهو الدكتور عبد المنعم صالح العلي العزي المعروف باسم «محمد أحمد الراشد» من أبرز الرموز الفكرية العراقية بالخارج، وصاحب تأثير فكري واسع على الإخوان وغيرهم من أبناء الحركة الإسلامية.

إذن نحن أمام حالة من عدم الاستقرار التنظيمي الهيكلي، والتي أدت بالتبعية إلى عدم رسوخ وحدة الصف المعهودة بصفوف جماعة الإخوان في الأقطار المختلفة مما جعل المنتمين لجماعة الإخوان العراقية «داخليًا وخارجيًا» ليسوا نسيجًا واحدًا.

النقطة السادسة: بعد الغزو الأمريكي تعددت واجهات الإخوان واختلفت توجهاتهم

بعد الغزو الأمريكي للعراق وزوال النظام عادت القيادات والرموز التي كانت مطاردة إلى العراق والتأمت لأول مرة لحمة الخارج والداخل بعد انقطاع دام لأكثر من ثلاثين عامًا، ونتيجة للعوامل السابقة تعددت وجهات النظر في كيفية التعامل مع الوضع القائم من احتلال وانهيار للدولة العراقية وتمزق طائفي يعصف بالمجتمع.

ونتيجة لما ذكرناه سابقـًا من غياب للنسيج الواحد للإخوان العراقيين تعددت وجهاتهم وربما «لا توجد معلومة موثقة» اتفقوا فيما بينهم أن يعملوا في عدة مسارات متوازية.

تم إنشاء «الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية» التي رأت مقاومة الاحتلال بقوة السلاح؛ حيث شكلت جناحًا عسكريًّا باسم «كتائب صلاح الدين الأيوبي» التي كتبت في ديباجة تأسيسها:

«أما عن جناحنا العسكري فهو «كتائب صلاح الدين» وهي كتائب آثرت على نفسها أن تأخذ بالعزيمة، وتترك الترخص إلى أهلها؛ فالجماعة حين يداهما الخطر لا بد لها أن تأخذ بالعزائم وتترك الرخص للأفراد، فموقف الكتائب واضح من البداية وهو الإثخان في القتل وشعارهم أن الجنة تحت ظلال السيوف».

تأسس «الحزب الإسلامي العراقي» الذي رأى المشاركة السياسة في ظل الاحتلال، وأن يصبح الغطاء السياسي للمقاومة وألا يترك الساحة السياسية للآخرين، وخاصة أن الدولة العراقية في مرحلة إعادة تأسيس في ظل الاحتلال الأمريكي، بل شارك في مجلس الحكم ممثلًا عن أهل السنة وشارك العديد في مناصب مهمة.

وقد أوضح المرحوم المستشار مأمون الهضيبي المرشد العام لجماعة الإخوان وقتها في «حوار له على قناة الجزيرة» أنه لا يبارك هذه المشاركة في ظل الاحتلال، وذكر أيضًا أن هذه المشاركة من الحزب الإسلامي لم تتم بموافقة إخوان العراق وأن هذا اجتهاد شخصي.

ورد عليه الدكتور محسن عبد الحميد عضو مجلس الحكم العراقي ورئيس الحزب في «حوار على قناة الجزيرة» أن الحزب غير تابع لجماعة الإخوان، وأنهم أدرى بظروف العراق من أي طرف خارجي.

وذكر أيضًا في الحوار نفسه ما يعبر عن منهج ومسار الحزب ما نصه:

«نحن اخترنا طريقنا، وهو طريق المقاومة السلمية لأنا نرى في الحزب وبقية الأطياف معنا في المجلس أنه مازالت هنالك، بل هنالك فرص كبيرة عن طريق المقاومة السلمية والمعارضة السلمية والحوار السلمي والمناقشة السلمية أن نصل إلى أهدافنا».

ومن المناصب المهمة التي تقلدها أعضاء الحزب الإسلامي عضوية مجلس الحكم الانتقالي ونائب الرئيس العراقي وعدة وزارات، وله العديد من البيانات في القضايا المختلفة يمكن الاطلاع عليها ومعرفة سياسة الحزب وتوجهه منها.

وقد اتجهت إلى المجتمع فكان لها أنشطة ثقافية وفكرية وإعلامية وكان من أكبر رموزها الأستاذ «محمد أحمد الراشد» فتم تكوين قناة فضائية وإذاعة «دار السلام» وعدة دوريات فكرية وتثقيفية.

النقطة السابعة: صعود المريب وإزاحة الأريب

إبان معركة الفلوجة الأولى والتي شنت فيها القوات الأمريكية حربًا شرسة دمرت فيها المدينة، إلا أن المقاومة لم تنقطع وقام الحزب الإسلامي بالمشاركة مع بعض شيوخ العشائر وهيئة علماء المسلمين بالتوسط لإجراء هدنة وانسحاب القوات الأمريكية من الفلوجة، ولكن اللافت للنظر في هذه الأثناء هو تصريح الراشد في «حوار له على قناة الجزيرة»، والتي تمت استضافته على أنه كبير مستشاري رئيس الحزب الإسلامي حيث قال ما نصه:

«إن الحزب الإسلامي قرر تجميد عضويته في مجلس الحكم والتهيئة للخروج من المؤسسات المنبثقة عنه».

إلا أن ذلك لم يحدث، بل زادت مشاركة الحزب بالعملية السياسية وإجراءتها مما يعكس تباين الرؤى بين قيادات الحزب،

وتطور الأمر بعد ذلك وتم اغتيال كثير من الشخصيات في الحزب، والتي كانت ترى ضرورة التوازن بين المقاومة المسلحة والعمل السياسي، وتم نسبة الاغتيال لجماعة التوحيد والجهاد بقيادة أبو مصعب الزرقاوي مما أفسح المجال لارتقاء كثير من الشخصيات التي تري أن العمل السياسي وحده كفيل بتحقيق الأهداف.

النقطة الثامنة: هذا فراق بيني وبينك

وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير في العام 2008 هي موافقة الحزب على ما يعرف بـ «الاتفاقية الأمنية العراقية» بين حكومة المالكي والقوات الأمريكية والتي قننت وضع الأمريكان في العراق ومنحتهم حصانة وسلطات استثنائية.

وقد تبرأت هيئة علماء المسلمين ممن وافق على الاتفاقية وأفتت بتاريخ «14/10/2008» بحرمة الموافقة عليها.

كما أفتى الدكتور عبد الكريم زيدان «مراقب الإخوان السابق بالعراق» بتاريخ «23-10- 2008» بحرمة التوقيع عليها، وقال إن إخراج الأمريكان من العراق واجب شرعي وأن هذه الاتفاقية تقنن وضعهم.

وكان أكبر رد على موقف الحزب الإسلامي من جماعة الإخوان بالعراق هو رسالة الأستاذ محمد أحمد الراشد، والتي كانت بعنوان «نقض المنطق السلمي« والذي ذكر فيه من الدرر الواضحات للرد على هذا الموقف المخزي للحزب حيث قال:

 إن العمل السياسي الصحيح، وفق قواعد

الفقه وثوابت الإسلام: هو تكميل للجهاد الواعي الشجاع، وهو الوجه الثاني له، والمستثمر لعطاياه.

ومصدر الخلل: أن المجموعة السياسية «يعني الحزب» أوهمت نفسها في «قياس مع الفارق، فقاسوا أمورهم على بلاد أخرى ولم يلحظوا فارق وجود الاستعمار الأمريكي في العراق وسلطته المباشرة وسوء النية المفترض في كل أعماله وتدبيراته وتوجيهاته.

ومن خطورة العملية السياسية الحاضرة: أن أصحابها أخذوها بنوع حماسةٍ زائدة، وصل إلى حد زعمهم أنه الأفضل والأولى والأنفد، وأنه هو وحده الذي يتكفل بتحصيل نتائج ملموسة ذات أثر.

وكان المفروض في العملية السياسية الإسلامية الحالية في العراق أن تكون هي الوكيلة، وأن تتعامل بالحسنى مع الكتلة الجهادية، وألا تزعم احتكار العمل، بل تفتح بابًا يوحد عملها مع المكاتب السياسية للمنظمات الجهادية.

والجهاد العراقي الواعي يعيش بين دوامتين تعصفان عن يمينه ويساره: دوامة الخوارجية التكفيرية التنطعية التي استكبرت فزعمت احتكار الإمارة الشرعية وأسرفت في اغتيال المجاهدين ودعاة الإسلام الذين لا يوالونها ولا يقرون بولايتها، ودوامة المبالغة في الأنماط السلمية عند رجال العملية السياسية الإسلامية.

ومن مطالعة سريعة لمتن الاتفاقية ندرك أن جوهرها الرئيس هو تقنين الاستعمار والموافقة عليه وإكسابه عنصر قوة، وبموجب ذلك تتحول حالة الاحتلال إلى حالة وجودٍ حلال.

من هنا تتبين خطورة وخطأ وإثم وضع بصمة إبهام يد متوضئة عليها، ومن هنا حصلت القناعة بوجوب براءة العملية السلمية الإسلامية من هذه الورطة والبيع المجاني للعراق.

فوا خزياه من سياسي مسلم يضع توقيعه عليها من دون أن يدري آفاقها القانونية!!

كان ذلك بمثابة الفراق التام بين الإخوان كجماعة والحزب كمؤسسة سياسية، وتطورت الأحداث وصدق حدس الراشد وإخوانه فأصبح الحزب لا يملك من أمره شيئًا في وسط تغول الحكومات الطائفية الشيعية التي أصبحت تتخذه كغطاء شعبي سني تتستر به عن طائفيتها البغيضة، بل تطور الأمر إلى مداهمة بعض مقرات الحزب وسلب محتوياته في بعض المحافظات العراقية إلى ملاحقة نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي والمنتمي للحزب الإسلامي والذي اضطر إلى الفرار لأربيل «كردستان» ومنها إلى تركيا.

النقطة التاسعة: ليسوا إخوان وليسوا صالحين

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل