المحتوى الرئيسى

ملفات التحرير│«الفساد» كلمة السر في الصراع الدائر بالعراق

06/01 15:48

"العراقيون يقتحمون برلمانهم بالعشرات ويعتدون على نوابه"، لم يكن هذا مشهد البداية في الأزمة التي تشهدها بلاد الرافدين في أيامنا هذه، والتي تدور حول خلافات صنَّاع القرار هناك على شكل الحكومة، فالبعض يريد تشكيلة وزارية تقوم على التقسيم الطائفي والبعض الآخر يرفض الأمر ويطالب بحكومة تكنوقراط، والشعب غاضب من تردي الفساد وفشل الحكومات المتعاقبة منذ سنوات وسنوات في حل هذه المشكلة المُستفحلة ما يجعل معاناته مستمرة دون تحقق أي إصلاحات تذكر، رغم وعد المسؤولون.

ووفقًا للإحصائيات الدولية، ومن بينها إحصار باروميتر، فإن العراق هي من أعلى الدول في معدلات الفساد الإداري والمالي، والذي ينتشر بشكل ملحوظ في عدة مرافق إدارية من بينها المنظومات القضائية والأمنية والخدمية، بل وتحاصر السياسيين تهم من هذا النوع، ما يجعل البلاد مع عدة دول مثل أفغانستان و الصومال و اليمن و السودان و ليبيا من أكثر الدول في معدلات الفساد، لدرجة أن صحيفة مثل "الجارديان" البريطانية رأت عدم وجود أي فرصة في القضاء على هذه الظاهرة، وعنونت تقرير مطول لها بـ"لا أمل بإصلاح الفساد في العراق".

13 عامًا من نهب المال العام.. ورئيس مكافحة الفساد: كلنا فاسدون

"الطبقة السياسية استمرت في نهبها للمال العام 13عامًا بحثًا عن النفوذ، وعندما بدأت أسعار النفط تنخفض مؤخرًا وتؤثر هي الأخرى على موارد الدولة، تلاشت كل الآمال في تحسن الحكم.. بدأت الصحيفة تقريرها بما سبق، مُقتبسة تصريحات لمشعان الجبوري - رئيس إدارة مكافحة الفساد، الذي قال فيها: "الجميع فاسدون من قمة الهرم إلى قاعدته، نعم جميعهم بمن فيهم أنا ولا يوجد حل"، مضيفًا "لقد عرض عليّ أحدهم 5 ملايين دولار لوقف التحقيق معه، أخذت المبلغ وظللنا مستمرين في مقاضاته".

شهادة أخرى عن استشراء الفساد أدلى بها إياد علاوي - نائب الرئيس العراقي الأسبق مؤخرًا، حيث قال: إن "هناك كيانات منظمة للفساد تدير البلاد، وبغض النظر عن الميليشيات أقول لك بصراحة، لا توجد سلطة في العراق قادرة على اتخاذ أي خطة ضد الفساد".

في الوقت نفسه تبدو وعود وجهود حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي لمحاربة الفساد بلا أي نتيجة وفقًا للمراقبين، والذين يشيرون إلى أنه "على مدار شهور حاول بعض كبار المسؤولين العراقيين بقيادة العبادي وبتشجيع من رجل الدين آية الله علي السيستاني شن حملة ضد الفساد، لكنهم فشلوا".

وكالة الشفافية الدولية تكشف لنا جانب آخر من اللوحة المرعبة للفساد في العراق، ووفقًا لها فإن هناك 29 % من العراقيين اعترفوا بتقديم رشاوى لمسؤولين أمنيين وقضاة وإداريين كبار، كما تتفشى هذه الظاهرة في دوائر تسجيل العقارات والصحة والضرائب والخدمات كالماء والكهرباء وغيرها.

الفساد سلم الموصل ليد داعش

ولا يتوقف استفحال الفساد في نتائجه على زيادة معاناة المواطنين، بل يتسبب في خسائر عسكرية تُعرِّض أمن البلاد للخطر، ففي عام 2014 سقطت مدينة الموصل - أحد أكبر مدن العراق في الأهمية الاستراتيجية، بيد تنظيم داعش الإرهابي، وكان السبب وراء ذلك هو أن عدد الجنود بالمواقع العسكرية للدفاع عن المدينة كان في الواقع أقل من الموجود على دفاتر الخدمة والحضور، حيث تشهد العراق ما يسمى بجريمة "الجنود الوهميين" والتي تعتمد على تسجيل أسماء مقاتلين غير موجودين للحصول على مرتبات شهرية تدخل جيوب الفاسدين، وتقدرها بعض الدراسات التي عنيت بهذا الأمر بأنها تتراوح بين 500 و600 مليون دولار، كما قُدِّر عدد الجنود الوهميين بـ300 ألف جندي.

ولا تتوقف لعبة "الأفراد الوهميين" على المؤسسة العسكرية، ففي أكبر فضيحة مدوية شهدتها بغداد مؤخرًا، تم الكشف عن 200 مستشار وهمي في الرئاسات الثلاث بالدولة، أي البرلمان ورئاسة الوزراء والرئاسة، وفقًا لبيانات اللجنة المالية بالبرلمان، التي تطالب مرارًا وتكرارًا بإغلاق منافذ الفساد وإيقاف الهدر في المال العام.

وتقول ماجدة التميمي، برلمانية عراقية وعضوة باللجنة: إن "كل رئيس جاء بـ70 مستشارًا لا وجود له من حملة شهادة البكالوريوس، وهذا يُعد هدرًا للمال العام، فالوضع الحالي يمكن تشبيهه بوعاء مثقوب، كلما وضعنا فيه الأموال تضيع بسبب الفساد".

أزمة السنوات تترجم لأعمال عنف واقتحامات

المواطنون يئنون بسبب انبعاث روائح الفساد الكريهة في كل مكتب ومؤسسة وهيئة ووزارة .. الرجل الأول في العراق، العبادي شخَّص المرض الذي ينخر في بلاد ما بين النهرين، ووجد الحل في تشكيل حكومة جديدة تحارب الفساد، وفور توليه السلطة وعلى مدار السنوات الماضية وعد بمحاربة وحش الفساد، مُطالبًا في الوقت ذاته - البرلمان بمساعدته في تحديد من يرتأيه صالحًا لإغاثة العراق مما هو فيه.

لكن عجلة الزمن دارت أكثر من دورة والرجل رقم 1 في بغداد يخفق في تكوين حكومته تلك، أسابيع مرت والعبادي يسعى لتشكيل حكومة تكنوقراط تحل محل الوزراء المحسوبين على الكتل السياسية بهدف تطبيق الإصلاحات، لكنه يلاقي تعنتًا من قبل البرلمانيين والأحزاب التي ترى في حكومة من هذا النوع، أمرًا يفقدها ويسلبها حصتها في السلطة والمكاسب المادية والسياسية التي تتمتع بها.

"مقتدى الصدر" زعيم التيار الصدري هو الطرف الثالث في المعادلة السياسية، يمسك في يده ساعة إيقاف "ستوب ووتش" للنظام، فإما المسارعة في الإصلاح واجتثاث جذور الفساد المُعشش بكل زاوية وركن، وإما اقتحام أهم مؤسسات الدولة، مُقرنًا تحذيراته بتجميع أنصاره وخيمهم استعدادًا للانقضاض، الأمر الذي كان أحد نتائجه المتوقعة مشهد اقتحام المحتجين الغاضبين للبرلمان ضاغطين من أجل الإصلاح.

ماذا يريد المقتحمون؟ يريدون حكومة بلا تقسيم طائفي.. يرغبون في وقف توزيع الحقائب الوزارية بناءًا على ما يسمى المحاصصة، ويتفقون مع العبادي في الهدف ألا وهو القضاء على الفساد الذي بات غولًا لا يتوقف عن ابتلاع كل شئ في البلاد.

هيئة مكافحة الفساد وداء "عدم الاستقلالية"

ليس رئيس الوزراء وحده الذي يحاول إصلاح العطب الذي أصاب هيكل البلاد والعباد، فهيئات مكافحة الفساد تحاول القضاء على الظاهرة، إلا أنها تفتقر إلى الاستقلالية كي تستطيع إخضاع المسئولين الحكوميين للمحاسبة، الأمر الذي لخصه الباحث والأكاديمي بجامعة برينتسون، زيد العلي في عبارة واحدة "بدون دماء جديدة، لن يكون لتلك الإصلاحات الحيوية فرصة للنجاح، وبدون ثقافة محاسبة جديدة لمسئولي الحكومة، لن يكون لدى العراق أي أمل"، وذلك في كتابة "الصراع على مستقبل العراق: كيف قُوِّض الفساد وعدم الكفاءة والطائفية الديمقراطية".

متى بدأت الحكومات تُشكل على أساس الطائفة؟

"أس الفساد والمشاكل التي تضرب المجتمع العراقي يقف ورائها الاحتلال الأمريكي"، فبعد الغزو عام 2001، فرضت الولايات المتحدة تحت قيادة الرئيس السابق جورج بوش نظام المحاصصات الطائفية والعرقية وتكريسها عمليًا منذ نهاية عام 2005 عندما رفع نائب رئيس الجمهورية الكردي جلال طالباني لرئاسة الجمهورية، وعين زعيم حزب الدعوة الشيعي إبراهيم الجعفري رئيسًا للحكومة، واختير التركماني السني حاجم الحسني رئيسًا للبرلمان الذي حمل اسم "الجمعية الـوطنية" قبـل أن يتحول إلى مجلس النواب.

ورغم أن تلك الفترة سميت بـ"الانتقالية"، ولم تستمر غير بضعة أشهر، إلا أنها فرضت نظام المحاصصات الطائفية رسميًا، وثبتته كصيغة دائمة في المشهـد السيـاسي مع إجراء تغييرات بسيطة عليه لتجميل صورته عندما تم استبدال التركماني السني الحسني القيـادي في الحزب الإسلامي وقتئذ بالصوفي السني محمود المشهداني، وتصعيد عضو المكتب السياسي لحزب الدعوة نوري المالكي إلى رئاسة الحكومة، بدلًا من الجعفري في حين استمر طالباني مُتخندقًا برئاسة الجمهورية رمزيًا.

ولم تشهد الرئاسات الثلاث تغييرًا خلال السنوات (2006 – 2010) غير استبدال موقع رئيس مجلس النواب المُخصص للسنة العرب، عندما تمكن النواب الشيعة، يتقدمهم همام حمودي وبهاء الأعرجي وهادي العامري من إجبار المشهداني على تقديم استقالته، وفي انتخابات 2010 التي هزم فيها حزبا الدعوة والإسلامي وباتت الفرصة سانحة لإقصائهما عن رئاستي مجلسي الوزراء والنواب، عملت كل من واشنطن و طهران على حشد القيادات الشيعية بما فيها التيار الصدري وراء زعيم الدعوة نوري المالكي ليعود رئيسًا للحكومة في ولاية ثانية، قبل أن يرحل عنها ويتولى العبادي مكانه.

إلى أين تقود الأزمة العراق؟ أطراف المشهد تتحدث

استمرار سياسة شد الحبل والنفس الطويل بين البرلمان من ناحية والعبادي من ناحية أخرى وضغط الشارع تلوح في الأفق - عدد من السيناريوهات والحلول التي يقدمها أطراف وأصوات بالمنظومة السياسة هناك، إياد علاوي رئيس الوزراء العراقي الأسبق، والذي يرى في إجراء انتخابات مبكرة نزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، مخرجًا للأزمة التي تعانيها بلاده، مؤكدًا في تصريحاته المتكررة أنه "بعد أن وصلت العملية السياسية إلى طريق مسدود بسبب تمسك السياسيين بالكراسي والمحاصصة وعدم الالتفات لمطالب الشعب، فعلى رئاسة الجمهورية العبور من الأزمة السياسية من خلال جملة خيارات من بينها تشكيل حكومة إنقاذ وطني جديدة لمدة عام".

صالح المطلق - رئيس إئتلاف العربية بالبرلمان، يتوافق مع ما قاله علاوي، فهو يطالب منذ فترة رئيس الجمهورية فؤاد معصوم بإرسال كتاب سحب الثقة عن رئيس الوزراء حيدر العبادي، من أجل تشكيل حكومة إنقاذ وطني.

أكراد العراق يقدمون هم أيضًا حلًا للمسألة باعتبارهم جزءًا من النسيج البرلماني، فبعد التعدي على نواب تابعين لهم من قبل مقتحمي مجلس النواب، رفض الأكراد بشكل واضح وصريح عودة وزرائهم ونوابهم إلى بغداد، ولم يفلح رئيس مجلس النواب سليم الجبوري خلال زيارته الأخيرة للإقليم في إقناعهم بالعدول عن موقفهم، وهم يريدون اعتذارًا رسميًا من التيار الصدري، باعتبار أن المتظاهرين الذين اعتدوا عليهم ينتمون إلى ذلك التيار، وكذلك يريدون ضمانات أمنية بعدم تكرار ما حصل، كما يطالبون الحكومة بدفع المخصصات المالية لقوات البشمركة، باعتبارها تشكيلات عسكرية رسمية، إضافة إلى تسديد ولو جزء من الرواتب المتأخرة 9 أشهر لموظفي الإقليم، وعدم اختيار شخصيات كردية لتولي مناصب وزارية في أية تشكيلة حكومية جديدة دون التشاور والتنسيق المسبق مع الإقليم.

أما التيار الصدري فيطالب، كما أسلفنا، بتصويت الأخير على حكومة التكنوقراط التي قدمها العبادي، ويعتبر التيار أن ذلك من مطالب الجماهير الداعية للإصلاح والتغيير.

حزب سياسي آخر تأسس في إيران - هو المجلس الأعلى الإسلامي، والذي أعلن تأسيسه السيد محمد باقر الحكيم، هذا الحزب يرفضه تجاوز الشرعية الدستورية وانتهاك حرمة المؤسسة التشريعية ممثلة في البرلمان، مشددًا على أهمية التفريق بين الإصلاح الحقيقي، والإصلاح الذي يريد من ورائه البعض تحقيق مكاسب سياسية خاصة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل