المحتوى الرئيسى

«الأميات».. نجيب سرور يصرخ بين نكستين

06/01 15:32

ليست القصيدة الوحيدة في تاريخ الأدب العربي التي استخدمت ألفاظًا إباحية صريحة، سبقت نجيب سرور و"أمياته" قصائد جريئة لشعراء قدامى مثل المتنبي وامرؤ القيس، وآخرون في العصر الحديث أيضًا مثل الشاعر العراقي مظفر النواب، لكن تبقى قصيدة سرور الأشهر والأكثر جرأة.

لكن ونحن نطالع قصيدة "الأميات" -الاسم المهذَب للقصيدة- في يوم ميلاد الشاعر الراحل (1 يونيو 1932)، يظهر أمامنا سؤال: ما الذي دفع قارئًا نهمًا ومثقفًا موسوعيًّا وشاعرًا متمكنًا وناقدًا أدبيًّا كبيرًا مثل نجيب سرور، لكتابة قصيدة كتلك؟

مر سرور خلال حقبتي الستينيات والسبعينيات بمراحل انهزام شخصي ووطني عديدة، لم يكن أقساها اعتقاله، ولم يكن أبشعها الزج به في مستشفى الأمراض العقلية، وهو ما سجله في قصيدته الأشهر، والتي كتبها بين عامي 1969 و1974.

تأثر نجيب سرور كثيرًا –كأبناء جيله- بنكسة يونيو، لكنه مع التحولات السياسية والاقتصادية للرئيس محمد أنور السادات في النصف الأول من السبعينيات، رأى أن مصر تتجه من سيء لأسوأ، فكتب في "الأميات":

"وقُلنا ننضف بقى قالوا بلا وكسـة

واللـه لتحصل بدال النكسة ميت نكسة"

"يا إما تسْـكر وتسْـكر زيي ليل ونهار

ونهار وليل وإنت شايف نكسة ع العتبة

اسقيني واعميني لو حتى بميّة نار

علشان ما أحسش بإن السيف على الرقبة"

ويعلق سرور على تلك الأبيات في هوامش القصيدة، قائلًا "كتبت هذا بعد نكسـة 1967 وقبل نكسـة كسينجر 1974!! أي بين النكستين!!".

وكان مما أثر في نجيب سرور أيضًا، زيجته الفاشلة من الممثلة "س. محسن"، التي هاجمها بأبشع الألفاظ في القصيدة، هي وعمها منير محسن، مدير مكتب مكافحة الشيوعية في أمن الدولة في الستينيات، بل اتهمها بأنها كانت مدسوسة عليه من قِبل أمن الدولة لمراقبته! يقول في القصيدة:

"بلاش أقول أمها.. طب شوفوا عمّها مين

تلاقوه يا عالم رئيس المكتب المخصوص

يعني داسـسْها عليّة يا ليل يا(.....) يا عين

وأنا واخدها (....) ولابس الـ(.....)".

سرور يؤرّخ أيضًا في القصيدة لتعذيبه في سجون الستينيات، حين يقول:

"يشرب ويشرب عشان ينسى ولا بينسي

الصَلب والشَنق والهول اللي ماله علاج

يا اللي نسيتوا قولولي إزاي قتيل ينسي

ولاَّ إنتوا برضو اللي قالوا: إصلبوا الحلاَّج".

لذلك ظل سرور إلى آخر حياته يدافع عن شهدي عطية الشافعي، المناضل الشيوعي الذي قتل في السجن عام 1960، بل أطلق نجيب على ابنه من زوجته الروسية اسم "شهدي"، ربما لأنه ذاق من التعذيب ما ذاقه "عطية" حتى الموت، فكتب حين تحدث عن عم زوجته، مدير مكتب مكافحة الشيوعية:

"طب اسألوا عن تاريخه هو قاتل كام؟

ياما يا جيلنا قتل يا شُـهدى يا عطـيّة

يا دم ساح في السجون والشهر شهر حرام

ولا حد قال يا ضحايا للقتيل ديّة".

لكن الغريب –جدًا- أن انحيازه امتد كذلك للإخواني سيد قطب، الذي أُعدِم عام 1966 على خلفية اتهامه بالإعداد لنشاط إرهابي، فكتب:

"الوعد ع الكل لا شيوعي ولا إخوان

واللي قتل شهدي جلادك يا سيد قطب

الموت خانات والخانات من خبثهم ألوان

جزارة.. وإحنا غنم متعلقين م الكعب".

بل علق سرور على تلك الكلمات في هوامش القصيدة، قائلًا "شهدي عطية الشافعي قتل في المعتقل لا لأنه شيوعي فقط، ولكن لأنه مصري وطني أساسًا، ولذلك لم يُقـتل جميع الشيوعيين، كما لم يُقتل جميع الإخوان المسلمين وإنما قُتل الوطنيون المصريون، ومنهم سـيد قطب"!

أما أكثر ما هزمه نفسيًّا، فكان إيداعه مستشفى الأمراض النفسية بالعباسية أكثر من مرة، بل قيل إنه توفي فيها عام 1978، وعن ذلك كتب:

"صبرت صبر الإبل ودوني ع اللومان

وقالوا خانكة.. وخانكة يعنى فين يوجع

يعني عدوّك بقى ع الضرب في المليان

عامللي يابن الفطـْس بين العلوق مجدع؟"

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل