المحتوى الرئيسى

خالد باظه يكتب: هل أنا غبي؟ (مغالطات منطقية 2) | ساسة بوست

05/31 13:24

منذ 21 دقيقة، 31 مايو,2016

عام 1888 قطع (فان جوخ) الجزء الأسفل من أذنه، وأعطاها إلى امرأة بغي. ما سبب هذا التصرف؟

قال البعض إنه كان محبطًا لأن أخاه قد تزوج حبيبته، ونتيجة لحزنه انتقم من نفسه. لكن بعد بحث أكثر وجدنا أن (فان جوخ) قد كتب قبل هذا الحادث أن المرأة البغي تُعامل كقطعة اللحم! لذا قام بهذا الفعل ليظهر تعاطفه معهن. وبحث آخر قال إنه قد مرّ بهلوسة كان حينها يسمع أصواتًا مخيفة، فقطع أذنه ليخرسها. وباستمرار البحث وُجد أنه كان يعاني من آلام في أذنه الوسطى، فقطع جزءًا منها ليخفف الألم. ([1])

لو اكتفينا بالسبب الأول، لاعتقدنا أنه سبب وجيه كافٍ لا يقتضي مزيدًا من البحث، لكن بمزيدٍ من البحث نكتشف أسبابًا أخرى أكثر وجاهة. إن وجود تفسير للأحداث سهل، لكن المشكلة الحقيقية: هل يصمد التفسير أمام الانتقادات؟ هل يوجد تفسيرات أخرى أفضل؟ السؤال الأخير لا يمكن البت فيه، وإنما يظل البحث دائمًا.

2- سبب واحد أم عدة أسباب؟

قام أحد المواطنين بعمل فرح في الطريق، مما ضيق عرض الطريق المسموح للسيارات، فازدحم الطريق، مما اضطر بعض السائقين إلى السير في الطريق المخالف، ولأن لمبة الطريق كانت مكسورة فصدمت سيارتين.. السؤال: من المسؤول؟

إن قلت: صاحب الفرح، أو السائق المخالف، أو عامل الكهرباء، فالمغالطة هنا في تحديد مسؤول واحد كبش فداء. صحيح كلهم مخطؤون، لكن كلًّا منهم وحده لم يسبب النتيجة، والحقيقة أن كلًّا منهم ساهم في النتيجة بنسب متفاوتة، وبذلك يتحول السؤال من: من المسبِب؟ إلى: من المتسببون؟ وما مسؤولية كلٍّ منهم؟

تمسنا هذه المغالطة حين نحاول تفسير كل شيء بنظرية واحدة، مثل: كل مشكلاتنا بسبب بعدنا عن الدين/ مؤامرات أعدائنا/ الحاكم/ الشعب فقط! لكن الحقيقة أن الأسباب قد تكون متعددة بنسب متفاوتة.

«هذا الرجل شؤم، بمجرد مدحه لشيء يفسد».

«هذه التركيبة العشبية مفيدة، أعرف شخصًا تناولها فشُفي».

إذا جمعنا مجموعة من الأطفال، ثم حددنا عدد الذين يرتدون قمصانًا، ثم تابعنا نجاحاتهم لنجد أن 70% ممن كانوا يرتدون قمصانًا قد نجحوا، هل عندئذ يمكننا القول إن ارتداء القميص يساعد على النجاح؟

بالطبع لا، الدراسة أثبتت أن ارتداء القميص والنجاح تواجدا معًا، لكن لم تثبت أن القميص أدى إلى النجاح!

يقول مايكل ميكالكو: «العقل البشري بارع في ربط أي حدثين، فإن لم نميز العلاقة بينهما بدقة سيستنتج العقل علاقات غير منطقية بلا حصر. اختر ثماني كلمات عشوائية مثل (كوب – طفل – سمكة – وردة – صندوق…)، وأعط القائمة لشخص ما واطلب منه تقسيمها إلى مجموعتين دون تقديم مبرر منطقي للتقسيم. ستكتشف أنه توصل لأفكار إبداعية، مثلًا يقسمها حسب الكلمات المحتوية على حرف واو، أشياء مصنوعة… إلخ. المهم أنه لا أحد يقول لا يوجد رابط، إنما يخترعه. إن عقولنا عبارة عن آلات مذهلة لصنع الروابط والتعرف عليها».([2])

بصفة عامة الرابط بين حدثين تواجدا معًا ينحصر في هذه الاحتمالات:

أحدهما سبب للآخر. وجود سبب ثالث أدى إليهما. الصدفة البحتة؛ أي سبب أدى للحدث الأول، وسبب آخر أدى للحدث الثاني، ولا يوجد أي علاقة بين السببين والحدثين.([3])

لكن يستسهل كثيرون ليجعلوا أحد الحادثين سببًا للآخر، إلا أن احتمال السببية يقتضي توفر شرط: أن كل مرة يحدث (أ) يحدث بعدها (ب)، عندئذ –وعندئذ فقط– نقول إن (أ) سبب (ب).

حين تُوفي إبراهيم، ابن النبي، خسفت الشمس، فتناقل الناس أنه خسفت لموت إبراهيم! فصعد النبي المنبر وقال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته»([4])، وبذلك أعلن النبي أن موت إبراهيم لم يسبب خسوف الشمس، وإنما هما حدثان لا رابط بينهما.

وأكثر الأوقات احتياجًا لترقب هذه المغالطة حين نقيِّم حاكمًا؛ فوجود نهضة/كارثة في فترته الرئاسية لا تعني تكريمه/ ذمه، وإنما المطلوب تحديد ما إذا كانت حدثت نتيجة قرارات الحكام السابقين/ ظروف عالمية/ كوارث طبيعية لا يستطيع منعها، أو هو السبب فيها. أي: هل حدثت معه أم بسببه؟

إن قلت: «أنا أؤمن بنظرية الانتخاب الطبيعي، حيث تتغير الصفات الوراثية عبر الأجيال المتلاحقة». يلزم عن ذلك: أن الكائنات الحية تتطور من الأبسط إلى الأعقد.

إذن يجب عليك الالتزام بهذه النتيجة، وتُحاسب النظرية على هذه النتيجة كجزءٍ منها، لأن لازم المذهب مذهب.

لكن إن قلت: «لا يحرم الله الفن»، هل يلزم عن ذلك أن الله لا يحرم الرقص، والعري، والإباحية!

لا، لأن هذه النتائج ليست حتمية ولازمة للرأي، فليس شرطًا أن يحوي كلُّ فن عريًا ورقصًا، هنا لا يجب عليك الالتزام بهذه النتائج.

صحيح التفاحة الفاسدة تفسد ما حولها، لكن تطبيق هذه القاعدة على الفكر يوقعنا في مغالطات مضحكة، فيكفي لذم قضية أن تضعها وسط خطأين!

أصبحنا نحاسب كل فكرة بما يتبعها، وبما يُثار حولها، حتى حوكمت نظريات وأفكار بكثيرٍ من تبعيات وفرعيات، واختنقت بما ليس منها، مثلًا يُحاسب الإسلام على تاريخ الخلافة، رغم أنها ليست لازمه له! ويُنظر إلى الجنس باعتباره إباحية، لأنه يُستغل كوسيلة للإباحية، لكن يظل الجنس احتياجًا إنسانيًّا طبيعيًّا عفيفًا مهذبًا حين يُوضع في مساره الشرعي، وحين يُرفض أحد من الالتحاق بالكلية الحربية لأن أحد أقاربه إرهابي، فقد تحمل جرمًا بالتبعية لمجرد القرابة!

يقول جوليان: «المشكلة في الجرم بالتبعية أنه يفشل في إثبات الخطأ الحقيقي في الشيء المنتقَد. كون بعض الناس السيئين يحبونه أو يفعلونه لا يعتبر انتقادًا ضده. هل يصبح الحب جريمة إذا أحب الشيطان؟ لا شيء سيئ أو خطأ لمجرد أن يد الشر قد لمسته، إذا كان خطأ، يجب أن يظهر لماذا هو خطأ، بدلًا من اللجوء إلى اللمز لإظهار أنه خطأ بالتبعية».([5])

إذا اعترف هو أمامك أنه فعل صائب، ومع ذلك طالب بمنعه، أي مغالطة أفجع من هذه؟!

لكن الموضوع ليس بهذه السهولة، أحيانًا نتوقف عن أفعال ليست مضرة، فقط لأن توابعها مضرة، مثلًا يحرم الإسلام الخلوة بأجنبية، ولا يرضى ذو نفس سوية أن يرتاد كبارية يوميًّا، كلا الفعلين مجردين ليسا خطأ، وإنما المشكلة في توابعهما، لذا يأخذا حكم التوابع. بعض الأفعال تجعلنا على بداية منحدر منزلق، لا يمكننا التوقف بعد البدأ، مثلًا تناول سيجارة غالبًا ما يجعلنا ننحدر للثانية والعاشرة والمائة، لذا وضع علماء الفقه مصدرًا للتشريع: سد الذرائع، أي منع وسيلة ليست خاطئة في ذاتها، لكن خاطئة لما يتبعها من أضرار.

لكن يجب التبين أولًا أن الفعل سينقلنا فعلًا لمنحدر منزلق لا يمكننا التوقف فيه، وتكمن المغالطة في التساهل، مثلًا حين يتشبث أحد بفرضية النقاب، معللًا ذلك بأن التخلي عن النقاب سيجرنا إلى التخلي عن الحجاب! وآخر يقنعنا: إذا سمحنا للحكومة أن تتدخل في حريتنا الشخصية وتجرِّم المخدرات والخمر لضررهما، فما يضمن أنها لن تتدخل وتمنع المياه الغاذية أو سلوكًا شخصيًّا لاعتقادها أنه مضر؟! وآخر يقول: يجب أن تمتنع عن طاعة زوجتك في بعض الأمور، لأن طاعتك الدائمة لها، ستمنعك من مخالفتها إذا أخطأت!

كل هذه التخوفات ليس لها أي مبرر، لأن أول الفعل لا ينقلنا في الحقيقة إلى منحدر منزلق، وإنما نتمكن من الوقوف في اللحظة التي نريدها، ولو تساهلنا في الأمر لقُطعت الألسن تخوفًا من أن تكذب، وحُرِّم العنب تخوفًا من تحوله لخمر!

لا نجد مجالًا ترتاع فيه المغالطات أكثر من اللغة، فليست مبالغة إن قلنا أن اللغة استُخدِمت للتضليل أكثر من استخدامها لإيصال الحقيقة، فكثيرة ومتشعبة وذكية هذه المغالطات المستترة خلف الألفاظ والتركيبات، فنشير لأنواع مختلفة منها:

يحكي محسن لطفي السيد أنه في دائرة انتخابية بالسنبلاوين ترشح سيد باشا أبو علي، وكانت النتيجة شبه محسومة لصالحه، فقد كان وزيرًا ومديرًا للجامعة وصاحب جريدة، لكن محاميًا أخبر أهل قريته أن الباشا يدعوكم لما يسمى بالديمقراطية، أتعرفون ما هي الديمقراطية؟ أي سلفني مراتك وأسلفك مراتي والعياذ بالله! فإن لم تصدقوني فاسألوه، سأل أحد الفلاحين الباشا: أنت فعلًا ديمقراطي؟ فرد الباشا: طبعًا ديمقراطي. ولم يفهم سبب انصراف الفلاحين إلا عندما خسر الانتخابات!

أحد أساتذة الأزهر: «النبي من أكثر الشخصيات العلمانية التي شهدها التاريخ»، فقامت مظاهرات غاضبة بسبب هذا التصريح.([6])

س: «3/7 انقلاب مكتمل الأركان».

ص: «هو فعلًا انقلاب، لكنه لصالح الوطن، مثل 23 يوليو».

س: «هذا الرجل صوفي، كيف تسمع له؟!».

ص: «هو فعلًا صوفي، وهذا سبب إعجابي به».

يتعامل العقل مع الجُمل على مرحلتين: التصور، ثم التصديق. أي تصور معاني الكلمات أولًا؛ فقولك: النبي علماني. يجعل الذهن يراجع ما المقصود بالنبي؟ وما معنى العلمانية؟ ثم يقوم بتركيب الجملة: النبي علماني. وبناءً على التعريفين السابقين يصدق أو يكذب الجملة. إذن فالحكم على الشيء جزء من تصوره؛ فإن كان تصورك عن العلمانية أنها العلم والعقل وتجد ذلك موافقًا للنبي، ستصدق الجملة، وإن كان تصورك أنها تقزيم الدين والبعد عنه، ستكذب الجملة.([7])

ومن هنا نتبين حتمية تحرير المصطلحات أولًا، يقول الإمام ابن حزم: «سينتهي ثلاثة أرباع اختلاف أهل الأرض إذا اتُفق على المصطلحات». واتفق علماء الفقه على أنه لا اختلاف على الاصطلاح، فلا تهم الأسماء، المهم –والمهم فقط– المسميات. مثلًا إن لم نتفق على تعريف واحد للصوفية، فيمكننا ترك هذا اللفظ للحديث عن الزهد/الورع/الرقائق… إلخ.

قال توني بلير: «إن صدَّام يمتلك أسلحة بيولوجية وكيميائية يمكن تنشيطها خلال 45 دقيقة لاستخدامها ضد شعبه»، وبعد دخول العراق وعدم العثور على أسلحة نووية، قامت المخابرات البريطانية بالتحقيق في تصريحاته فوجدت أن بلير لم يكذب، لكنه لم يقل الحقيقة كاملة؛ فقد ركَّز على مدة تنشيط الأجهزة، في حين أن هذا لا يهم، المهم: هل هي أسلحة دمار شامل؟ هل هي نووية؟ فقالت اللجنة المحقِقة: «كان ينبغي الإشارة إلى ذخائر المعركة ودورها في الميدان وليس على شيء آخر». قول نصف الحقيقة من أذكى المغالطات، لأن صاحبها لا يمكن اتهامه، لأنه لم يكذب، هو فقط أخفى جزءًا من الحقيقة، وللأسف تهمة الإخفاء لا يعتبرها الناس نوعًا من الكذب!([8])

س: «أنا مع حرية الاعتقاد».

ص: «إذن أنت مع حرية الإلحاد»!

المذيع: هل تعتبر ما حدث ثورة؟

الفريق أحمد شفيق: هي فورة وليست ثورة.

لفظة (فورة) لا يختلف كثيرًا عن (ثورة) من حيث المعاجم العربية، إلا أنه يختلف كثيرًا إعلاميًّا، فكلمة ثورة يصاحبها إثارة الذهن إلى ثورات التاريخ، وانتصارات الشعوب، والحرية، أما فورة، فلا تثير شيئًا في الذهن. كذلك (حرية الاعتقاد) و(حرية الإلحاد) متساويان في المعنى مختلفان في التأثير!

يقول عادل مصطفى: «لكل لفظ من ألفاظ اللغة ضربان من المعنى أو الدلالة: المعنى الحقيقي (المباشر/ الإشاري/ المعجمي/ الأوَّلي)، والمعنى الضمني (الإضافي/ الإيحائي/ الثانوي). أما الحقيقي فهو المعنى الذي يعبر عن العلاق الموضوعية بين اللفظ والواقع الذي يشير إليه. فمعنى كلمة (زهرة) هو ذلك الجزء من النبات الذي يختص بإنتاج البذور، أما المعنى الضمني فهو الانفعالات التي يستحضرها المعنى في الذهن، والتي تعبر عن الجانب الشخصي من المعنى، وربما تختلف من شخص لآخر ومن جماعة لأخرى.

حين تكون اللفظة محمَّلة بمتضمنات انفعالية وتقويمية زائدة، بالإضافة إلى معناها المباشر، يقال لها: لفظة ملقمة أو مشحونة، فهي كالبندقية الملقمة بالذخيرة. والمعنى الانفعالي هو الرصاصة؛ حين أستعمل لفظة (بهيمة) بدلًا من (حيوان)، و(رشوة) بدلًا من (حافز)… إلخ، فأنا أستخدم ألفاظًا مشحونة تفعل فعلًا آخر غير مجرد رصد الحالة الموضوعية: إنها تحكِّم وتقوِّم وتحرِّض».([9])

«أثبتت دراسة أن نسبة المسلمين في بريطانيا الذين يشعرون بالاضطهاد قد زادت إلى 70%».

هذه الدراسة تلمح إلى زيادة اضطهاد المسلمين، في حين أن جوهرها بدقة يشير إلى زيادة (شعور) المسلمين بالاضطهاد وليس الاضطهاد نفسه! كذلك يمكن بصياغات محرفة قليلًا تمرير إيحاءات كاذبة دون أن تستطيع اتهام المتحدث.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل