المحتوى الرئيسى

إلغاء التعليم المفتوح.. وإشكاليات تطوير التعليم الجامعى!!

05/30 22:44

تضارَبت الأنباء حول إلغاء نظام التعليم المفتوح فى الجامعات المصرية، لكن المؤكد هو الاتجاه إلى الإلغاء وأن تُستبدل به برامج مهنية لا تؤهل الحاصلين عليها على درجات علمية! ويمثل الصراع حول إلغاء التعليم المفتوح أو بقائه دليلاً على افتقاد الرؤية حول تطوير منظومة التعليم الجامعى وغياب التوافق بين القيادات الجامعية حول توجّهات التطوير المنشود وأبعاده، وانحصار تفكير تلك القيادات فى مقترحات تقليدية لا تعد بانطلاق الجامعات المصرية للحاق بالمستويات التى بلغتها جامعات العالم المتقدم فى عصر المعرفة والعولمة، وتكتفى بالحل السهل، وهو الإلغاء دون الحل الأصعب، وهو التطوير والتحديث ومواكبة الجديد فى تقنيات التعليم الجامعى، مما يجعل الأمل محدوداً فى إمكانية وصول جامعات مصر إلى مراكز متقدّمة فى التصنيفات العالمية تُحاكى ما وصلت إليه جامعات فى الهند وماليزيا وسنغافورة وبعض البلاد العربية، مثل السعودية والإمارات، ناهيك عن جامعات أمريكا وأوروبا!!

وتتمثل مشكلات التعليم الجامعى فى تباعُده عن استخدام تقنيات المعلومات فى جميع المجالات، وتجمّد التنظيمات الجامعية، والانحصار فى تطبيق تقنيات تعليمية تقليدية تقوم على التلقين لا تُنمّى المشاركة الفاعلة من الدارسين، والبُعد عن أسواق العمل ومجالات النشاط التى يُفترض أن يعمل بها الخريجون، والتقييد الحكـومى لنظم وآليات التعليم الجامعى حتى فى الجامعات الخاصة. ومن ثم ضعفت قدرة الجامعات المصرية على مواجهة المنافسة المقبلة من الجامعات الأجنبية ذات الحركة الأسرع والمرونة الأقدر على التكيّف مع تطورات العلم وتقنيات التعليم الحديثة. من جانب آخر، فإن ثمة مشكلة هى انحصار الجامعات فى الحيّز المحلى وعدم انطلاقها إلى التعامل مع المصادر العالمية (الخارجية)، سواء فى استقطاب الطلاب أو أعضاء هيئات التدريس أو مصادر المعرفة العلمية والتقنية، أو مصادر التمويل إلا بعض الجامعات الخاصة التى تحاول الاقتراب من جامعات متقدّمة فى دول أجنبية بهدف الاستفادة من خبراتها وتقنياتها.

وتعانى الجامعات المصرية من البطء الشديد فى الاستجابة إلى مطالب التغيير والتطوير، نظراً إلى قصورها الذاتى وتعقّد التنظيمات البيروقراطية واستطالة سلسلة المستويات ذات الصلاحية فى اتخاذ القرارات التعليمية. وينتج عن ذلك الميل الواضح إلى التنميط فى النظم والمناهج والأساليب بين المؤسسات التعليمية من المستوى نفسه، بدعوى كفالة فرص العدالة بين طلابها، مما يُفقد تلك المؤسسات فرص التميّز والتنافس والتطوير المبدع باستخدام الطاقات الفكرية والعلمية المتاحة لأىٍّ منها.

ورغم نمطية التنظيمات ووحدة القواعد الحاكمة لعمل الجامعات والمتمثّلة فى قوانين تنظم شئونها وتسرى عليها كافة، فإن حالات التعاون والتكامل والترابط بينها غير واضحة، بل تسود تلك المؤسسات حالة من الانعزالية والتباعُد، بحيث أصبحت مجموعة من الجُزر المنعزلة لا يتحقّق بينها أى استثمار لموارد مشتركة، أو مشاريع بحثية أو تطويرية، ومن ثم يندُر وجود حالات إبداع أو ابتكار مشترك فى ما بينها. كذلك فإن غياب النظم والآليات الفعّالة لتقييم أداء الجامعات يؤدى إلى عدم قياس تأثير عوامل السوق وأحكام مستخدمى خريجى تلك الجامعات على مستويات كفاءتهم. ومن زاوية أخرى فإن تدنى جهود الجامعات فى مجالات البحث العلمى والتطوير التقنى يؤدى إلى انحصار مواردها المالية واقتصارها على ما تتيحه لها الدولة بغضّ النظر عن قيمة أو جدوى مخرجاتها من الخريجين أو البحوث العلمية والإضافات المعرفية!

وبالأساس تعانى الجامعات المصرية من التجمُّد فى تنظيماتها، وتضخُّم أعداد الطلاب والتوسُّع فى إنشاء الكليات دون إعداد أو استعداد، واستمرار نظام القبول المركزى المعتمد على معيار درجات النجاح فى شهادة الثانوية العامة فقط دون اعتبار قدرات ورغبات الطلاب، وتقادم التقنيات التعليمية وضعف الموارد المساندة من مكتبات ومختبرات ومصادر للمعلومات وعدم اندماجها فى صُلب العملية التعليمية. كل ذلك فضلاً عن تضخّم الهياكل الوظيفية لأعضاء هيئات التدريس، والانحصار فى إعدادهم داخل الجامعات ذاتها، التى حصلوا منها على الدرجة الجامعية الأولى، مما يُضعف المستوى العام لقدراتهم ويحجبهم عن الاتصال بمدارس علمية وفكرية مختلفة، ويُحد من فرص التطوير والتجديد فى قدراتهم ومصادرهم المعرفية، وعدم تفرُّغ النسبة الغالبة من أعضاء هيئات التدريس للعمل الجامعى، وانصراف أغلبهم عن العمل البحثى إلا لأغراض الترقية، وتقليدية أعمال اختبار وتقييم الطلاب وإثقالهم بالأعداد المتزايدة منهم.

نعود إلى قضية إلغاء التعليم المفتوح وكيف تعبّر عن مشكلات التعليم الجامعى، فقد بدأ نظام التعليم المفتوح بجامعة القاهرة عام 1990 بعد شهور قليلة من كلية التجارة بجامعة الإسكندرية، ثم توالت موافقات المجلس الأعلى للجامعات على إنشاء برامج للتعليم المفتوح فى جامعات متعدّدة. وعلى خلاف جامعة الإسكندرية التى حصرت «وحدة التعليم المفتوح» فى نطاق كلية التجارة بها وجعلتها تابعة لها، فإن جامعة القاهرة اتجهت إلى إنشاء وحدة ذات طابع خاص يُشرف عليها نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب باسم «مركز التعليم المفتوح» لتُقدم برامج متنوعة فى مجالات تخصص مختلفة كانت البداية فيها برامج «المعاملات المالية والتجارية»، و«استصلاح واستزراع الأراضى البور والصحراوية»، ثم تلتهما برامج فى الآثار، والدراسات القانونية، والترجمة والإعلام.

وقد استمرت هيكلية نظام التعليم المفتوح وأساليبه ومعطياته الأساسية دون تغيير أو تطوير يُذكر حتى الآن، وذلك رغم التطورات الهائلة فيه وتعاظم الاهتمام به فى العالم كله وانتشار برامجه وتطور تقنياته، بحيث أصبح التطور الأحدث لنظم التعليم على جميع المستويات التعليمية، باعتباره وسيلة متطورة لتوفير فرص التعليم لكل من يرغب ولم يتمكن -أو لا يتمكن- من الانتظام فى مؤسسات التعليم النظامية. كذلك لم يصل التطور التقنى فى مجال الحاسبات الآلية وتقنيات المعلومات والاتصالات والوسائط المتعدّدة إلى برامج التعليم المفتوح فى مختلف جامعات مصر، ولم ينجح فى التخلص من سمات نظم التعليم التقليدية، بينما ظهرت بدايات منافسة مؤسسات تعليمية عربية وأجنبية فى السوق التعليمية المصرية والعربية من خلال إنشاء الجامعة العربية المفتوحة، وكذلك توافر فرص الدراسة عن بُعد للدارسين المصريين من خلال مئات الجامعات الأوروبية والأمريكية والأسترالية وغيرها، التى تطرح برامجها عن بُعد عبر شبكة الإنترنت.

إن علاج ما قد يكون هناك من عيوب فى التطبيق الحالى للتعليم المفتوح لا يكون بإلغائه، لكن بالاجتهاد فى تطويره وتحديثه ضمن تطوير شامل لمنظومة التعليم الجامعى وتفعيل جاد للهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد وتأكيد استقلالها واعتمادها على خبراء متخصصين مستقلين عن هيئات التدريس بالجامعات.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل