المحتوى الرئيسى

«حاسوب كمي» واحد قدرته أكبر من جميع حواسيب الأرض.. فما هو؟ - ساسة بوست

05/30 15:50

منذ 12 دقيقة، 30 مايو,2016

منذ فترة الثلاثينيات من القرن التاسع عشر، عندما قدم العالم تشارلز باباج فكرته الخيالية عن المحرك التحليلي، وعلم الحاسوب يحاول بكل قوة أن يتطور ويتقدم ويسابق الزمن الذي يوجد به.

على مدار الـ75 عامًا الماضية، كانت هناك العديد من التطورات المذهلة، مثل أول حاسوب ذاتي البرمجة الإلكترونية، وأول حاسوب يتم دمجه في دوائر متكاملة، وأول معالج ميكروبروسيسور. وعلى الرغم من هذه النقلات النوعية الكبيرة، إلا أن الخطوة القادمة ستكون هي الأكثر ثورية على الإطلاق في علم الحاسوب.

الحوسبة الكمية هي التكنولوجيا التي يتوقع الكثير من العلماء ورجال الأعمال والشركات الكبيرة، أن تقدم وتمدنا بنقلة نوعية كبيرة في المستقبل. الحوسبة الكمية هذه هي التي تحدث عنها رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، في أحد الفيديوهات التي شهدت انتشارًا واسعًا يوم 16 أبريل (نيسان) 2016، والذي أوضح فيه المفهوم بشكل بسيط.

في ذلك الوقت كان ترودو في زيارة لمعهد بيريميتر (Perimeter) للفيزياء النظرية في مقاطعة أونتاريو، وهو واحد من المراكز الرائدة حول العالم التي تعنى بدراسة الحوسبة الكمية وتطويرها. ترودو ذكر أن النظام الرقمي المستخدم حاليًا في جميع الإلكترونيات يعتمد على النظام الثنائي المكون من الرقمين (صفر وواحد) فقط، بينما في النظام الكمي، فإننا سنعتمد على الدمج بين مفهوم الجزيئات ومفهوم الموجات فيما يعرف بمبدأ عدم التأكد لهايزنبرغ الذي تعتمد عليه ميكانيكا الكم، وهو ما سيساعدنا على إنتاج حواسيب صغيرة بشكل ملحوظ.

مفهوم الحوسبة الكمية هو أمر جديد نسبيًا، إذ يعود تاريخ طرحها إلى عدد من الأفكار خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي، وذلك من قبل العالم ريتشارد فاينمان، عالم الفيزياء النظرية الأمريكية المميز والحائز على جائزة نوبل. فقد تصور فاينمان أن هذا المفهوم يمكن أن يؤدي إلى زيادة في سرعة الحواسيب الكمية بشكل ملحوظ وكبير. لكن هذا المفهوم كان في نطاق الفيزياء النظرية، والذي كان يحتاج إلى جهد عقلي كبير لتحويله إلى تطبيق عملي.

مع أجهزة الكمبيوتر العادية، أو أجهزة الكمبيوتر التقليدية كما يطلق عليها الآن، لا يوجد لدينا سوى خيارين، عمل وإطفاء (on and off) لمعالجة المعلومات. وبالتالي فإن أصغر وحدة يمكن إضافة المعلومات والبيانات إليها، والتي يطلق عليها اسم «بيت- bit»، إما أن تكون «1» أو «0». وتعتمد القوة الحسابية للكمبيوتر العادي هنا على عدد الترانزستورات الثنائية – مفاتيح التشغيل الصغيرة – التي تأتي ضمن المعالج (prosessor).

شركة إنتل الشهيرة قدمت أول معالج عام 1971، وكان يتكون من 2300 ترانزيستور، لكن في أيامنا هذه فإن إنتل تقوم بإنتاج معالجات ميكرو تحتوي على حوالي خمسة مليارات ترانزيستور. وعلى الرغم من هذا العدد الهائل، إلا أنها لا تزال محدودة ومقيدة بالنظام الثنائي. بينما في الحواسيب الكمية المفترضة، فإنها ستحمل خيارات أكبر بكثير، نظرًا لحالة عدم التيقن الخاصة بحالتها المادية.

وتمثل ميكانيكا الكم المنطقة الحدسية غير المفهومة للعلم، وهي التي حيرت عقول بعض من خيرة العلماء، ولأن ميكانيكا الكم تحمل مفهومًا أساسيًا يتمثل في مبدأ عدم التأكد ومبدأ الاحتمالات، علّق عالم الفيزياء الأشهر، ألبرت أينشتاين، قائلًا: «الله لا يلعب النرد مع الكون»، في إشارة لفكرة الاحتمالات هذه. هذا الأمر أيضًا هو ما جعلنا نلاحظ أن السياسيين ربما لن يتحدثوا كثيرًا عن هذا الأمر، ويبدو أن ترودو كان استثناءً ملحوظًا لهذه القاعدة.

في عالم ما تحت الذرة الغامض، الخاص بميكانيكا الكم، يمكن للجسيمات أن تتصرف مثل الموجات، إذ إنها يمكن أن تتواجد في صورة جسيمات أو موجة أو جسيم وموجة معًا. وهذا هو ما يعرف في ميكانيكا الكم باسم التراكب. ونتيجة لهذا التراكب يمكن أن يكون البايت (سنسميه كيوبايت في حالة الحواسيب الكمية) إما 0 أو 1 أو 0 و1 معًا. وهذا يعني أنه يمكن أن يكوّن معادلتين في نفس الوقت. ويمكن بالتالي لاثنين من كيوبايت تكوين أربع معادلات. ويمكن لثلاثة كيوبايت تكوين ثماني معادلات، وهكذا يحدث التوسع بشكل متسارع. هذا الأمر سيؤدي إلى بعض الأعداد الكبيرة بشكل لا يصدق، ناهيك عن بعض المفاهيم العلمية التي تفوق استيعاب عقولنا.

في هذه اللحظة، وفي وقتنا الحالي، فإن هذه المفاهيم المذهلة أصبحت على وشك التحول إلى واقع، وذلك في مختبر كبير في منطقة برنابي بضواحي مدينة فانكوفر الكندية. هذا المختبر بدأ بالفعل في الدراسات ومحاولة إنشاء أول حاسوب كمي. هناك في هذه المنشأة، وتحديدًا في أحد الأجهزة الكمية التي تشبه الثلاجة السوداء، يعتقد أنه يتواجد صورة الكون المتعدد.

هذا المختبر ينتمي لشركة صغيرة تدعى «D-wave»، ويضم 140 من الموظفين ذوي المهارات العالية، التي تعلن فخرها للعالم بأنها قامت ببناء أول حاسوب كمي على الإطلاق، وهو هذا الجهاز المذهل الشبيه بالثلاجة. هذا الحاسوب لا يشبه الثلاجة في الشكل فقط، لكنه أيضًا أكثر أجهزة التبريد تبريدًا على الإطلاق، إذ إنّه يُمكّن رقاقات النيوبيوم الكمبيوترية على العمل في بيئة ذات درجة حرارة أقل بقليل من سالب 273 درجة مئوية، وهي درجة تقل قليلًا عن قيمة الصفر المطلق المعروفة في الفيزياء.

هذه البيئة فائقة التبريد ضرورية للحفاظ على نشاط كم متناسق في التراكب والتشابك، وهي الحالة التي تبدأ فيها الجسيمات في التفاعل – في ظروف غامضة – بشكل تشاركي مستقل، مما يساعد على ربط الكيوبايت بميكانيكا الكم بغض النظر عن مكانها في الفضاء. أي تسرب للحرارة أو للضوء من شأنه إفساد العملية، وبالتالي توقف فعالية جهاز الكمبيوتر.

في الحقيقة، فإن الكيفية والسبب وراء التصاق فيزياء الكم بمثل هذا الغموض والخيال العلمي المثير هي لا تزال مسألة تكهنات، لكن النظرية الأكثر شيوعًا تتمثل في أن الحالات والصور الكمية المختلفة تتواجد في أكوان مختلفة.

ويطلق عليها أيضًا فرضية الأكوان المتوازية، وهي فرضية تشير لوجود أكوان متعددة من بينها كوننا الذي نعيش به، وأن هذه الأكوان مجتمعة هي التي تشكل الوجود بأكمله. هذه الفرضية تنشأ نتيجة محاولة تفسير الرياضيات الأساسية في ميكانيكا الكم الخاصة بعلم الكونيات.

البداية كانت عام 1954م، عندما جاء المرشح لجائزة نوبل العالم هيو إيفيرت بفكرة جديدة كليًّا، تقول إنه توجد أكوان متوازية تشبه كوننا بالضبط متفرعة من كوننا وكوننا متفرع منها. خلال هذه الأكوان المتوازية فإن حروبنا لها نهاية مختلفة عما نعرفه، والكائنات التي انقرضت في كوننا لا تزال موجودة في أحد الأكوان الموازية.

هذه الفرضية المذهلة جاء بها هذا العالم الشاب في محاولة للإجابة عن سؤال صعب يتعلق بفيزياء الكم، وهو لماذا الأجسام الكمية تتصرف بشكل غير منضبط؟ وميكانيكا الكم هي إحدى أهم نظريات الفيزياء الحديثة، وأصغر ما اكتشفه علم الفيزياء حتى الآن، بعد أن نظر العالم الشهير ماكس بلانك لهذا المفهوم عام 1900. الفكرة هنا أن بلانك درس الإشعاع، ليقود العلماء نحو اكتشافات تتعارض مع قوانين الفيزياء التقليدية، ليقترح البعض وجود قوانين مختلفة في هذا الكون، تعمل على المستويات العميقة غير تلك القوانين التي نعرفها.

المثال الأبرز في عدم انضباط بعض المواد الكمية، في الفوتونات المكونة لشعاع الضوء. العلماء لاحظوا أن الفوتونات تتصرف بوصفها جسيمات وأمواجًا في نفس الوقت، حتى الفوتون المفرد يقوم بهذا التناوب بين الجسيم والموجة، كما لو أنك تنظر لنفسك في المرآة فتشاهد نفسك كما أنت في ثانية وفي الثانية التالية تتحول إلى غاز مثلًا.

العالم إيفيرت أوضح أنه عند قياس الجسيم الكمي الذي يتغير بين حالتين موجية وجسمية، فإن الكون يتفرع إلى كونين لتلبية كلا الاحتمالين، وبالتالي فإن العالم الفيزيائي في أحد الكونين وجد أن الشيء تم قياسه على أنه موجة، أما العالم الفيزيائي المشابه في الكون الآخر فقد قاس الشيء على أنه جسيم.

تريليونات التريليونات من الأكوان المتوازية

نعود مرة أخرى للحواسيب الكمية. يقول الرئيس التنفيذي لشركة «D-Wave»، فيرن براونيل، إن الحاسوب الكمي المكون من ألف كيوبايت، يمكن أن يوجد فيما بين حالتين، وألف حالة في نفس اللحظة، وهو ما يمنحنا احتمالات تقدر بالرقم عشرة مرفوعًا للأس 300، مُضيفًا أن الكون نفسه يوجد به عدد من الذرات، مكون من الرقم عشرة مرفوعًا للأس 80، وبالتالي هل هذا يعني أننا نملك عددًا من الأكوان مساويًا للرقم 10 مرفوعًا للأس 300؟

أهم أخبار تكنولوجيا

Comments

عاجل