المحتوى الرئيسى

قصة حياة جنيه مصري | "2" (عنتر ولبلب)

05/30 10:18

هذه التدوينة تحتوي على كلمات بالعامية المصرية

اتكلمنا في التدوينة السابقة عن إزاي الجنيه المصري اتولد وفي بوقه ملعقة دهب وزنها 7.5 جرام، وإن الورقة المتداولة قبل الحرب العالمية الأولى كانت عبارة عن سند بيتيح لحامله استبدالها بجنيه من الذهب، وإن الجهة المسؤولة عن طباعة الجنيه كانت البنك الأهلي المصري، وحكينا ليه اتسمى جنيه وتطور فئاته الأصغر، وأخيرا اتكلمنا عن قوته الشرائية.

وصلنا بالحكاية للحرب العالمية الأولى، اللي كانت مرحلة فارقة في حياة الجنيه المصري، ابن العز.

والحقيقة إن المرحلة دي من الحكاية فكرتني بحكاية فيلم "عنتر ولبلب" للفنانين "شكوكو" و"سراج منير" واللي اتراهن فيها "لبلب" الضعيف إنه يضرب "عنتر" القوي 7 أقلام على وشه على مدار 7 أيام.

ومع اختلاف إن "عنتر" هنا أو الجنيه المصري لم يكن بلطجياً على الإطلاق، بل كان شخصاً نزيهاً مجتهداً، يحاول أن يشق طريقه في دنيا المال والأعمال بدراعه ومجهوده، سواء تصنيع أو خدمات أو تسويق وتجارة، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.

زي ما قلنا إن النظام النقدي (قبل الحرب العالمية الأولى) كان عبارة عن غطاء ذهبي بيغطي العملة وبيعطيها قيمتها، وبيحدد سعرها، بمعنى إن كل بنك مسؤول عن إصدار العملة في أي بلد بيضع في خزنته رصيد من السبائك الذهبية، وبحسب ما تمتلكه الدولة من ذهب تتحدد قوة عملتها، نظام عادل جداً ونزيه، وعلى سبيل المثال:

الجنيه الإسترليني كانت قيمته 7.988 جرام ذهب، والفرنك الفرنسي قيمته 322.58 مللي جرام ذهب، بينما الدولار الأميركي كان بيساوي 1.5 جرام من الذهب، أما الجنيه الوطني المصري الهمام فكان بيساوي زي ما قلنا 7.4375 جرام ذهب.

ده كان حمادة اللي قبل الحرب العالمية الأولى، لكن اللي حصل مع الحرب كان حمادة تاني خالص؛ لأن الحرب عصفت باقتصاد أوروبا، أما بريطانيا واللي مش بس كانت مغروسة لشوشتها في الحرب بكل مصاريفها الباهظة، لأ دي كمان على هامش الحرب دي كانت حربها بالإنابة ضد الدولة العثمانلية في شبه الجزيرة العربية واللي كان بيقودها "الشريف حسين" عام 1916، وطبعاً بريطانيا كانت محتاجة فلوس عشان تمول الثورة ضد الجيش التركي في المنطقة وتقضي بالتالي على نفوذ الدولة التركية في المنطقة، تجيب بقى فلوس منين، تجيب فلوس منين؟

راحت للبنك الأهلي المصري، وسحبت جزء من سبايك الدهب اللي بتغطي الجنيه ووضعت بدلاً عنها " كمبيالات" قصدي سندات، وقالت للبنك: عيب عليك.. إنت مش مستأمنني؟ شهرين تلاتة كده بس يا معلم، أفك زنقتي وأرجعلك دهبك.

والشهرين تلاتة بقوا سنتين تلاتة، أربعة، عشرة، عشرتاشر، هو اللي بيدخل جيب الأسد بيخرج؟!

وهكذا استمر سحب الإنجليز للذهب ووضع ورق بداله يعترف بالدين، وحيث إن البنك كان مضطراً لإصدار العملة المحلية، فطبيعي كان بيصدرها بضمان السندات، يعني بيصدر ورق بضمان ورق، ووصل الدين لـ150 مليون جنيه حتى نهاية الحرب العالمية الأولى.

وده كان القلم الأول من "لبلب" لـ"عنتر".

مصر حاولت تسترد الدهب من بريطانيا، اللي اتقمصت دور "عبلة كامل" في فيلم "الليمبي" وهو بيطلب منها فلوس، وطلعت منديلها، ومسحت دمعتين مانزلوش أصلاً، وقالت:

- كان على عيني يا ليمبي، أجيب منين؟ ده أنا ساحبة دهب من الهند كمان وسالفة فلوس من أميركا، ودي ولية قوية ومفترية، إن رجعتلك فلوسك ممكن تعلن إفلاسي، أترضاها لأمك؟

المهم إن بعد مفاوضات طويلة ومريرة لسنوات، استطاعت الحكومة الوفدية الوصول لاتفاقات هزيلة بخصوص الدين، واستردت منه القليل، لدفع التزاماتها لخطوط السكك الحديد وغيره.

وفضل الدين مش بس متعلق، لأ دي سحبت عليه ديون جديدة إلى أن وصل لـ280 مليون جنية بقيمة وقتها، يعني بريطانيا ما زالت إلى الآن تدين لنا بمئات المليارات. وده كان القلم التاني يا معلم.

المهم إن الحرب العالمية الأولى عصفت باقتصاد أوروبا، وحيث إن بريطانيا جيوشها منتشرة حول العالم ومستعمراتها لا تغيب عنه الشمس، فبريطانيا كانت بتسيطر على 60% من اقتصاد العالم، ومع سحبها الدهب من بنوك دول مهمة زي مصر والهند، وسيطرتها على التجارة العالمية، ارتبطت عملات العالم بالجنيه الإسترليني، وصدرت العملات مربوطة بالجنيه الإسترليني اللي بيحدد قيمتها السوقية، وأصبحت "لندن" مركز عالمي للمال والأعمال وبتدير اللعبة الاقتصادية. واستمر الوضع العالمي مستقر على هذا المنوال لحد الحرب العالمية التانية.

في الوقت ده كان الاقتصاد الأميركي بيتصاعد بوتيرة غير مسبوقة، فأميركا اللي كانت بعيدة عن الحروب اللي كانت يتاكل في الاقتصاد الأوروبي، أصبحت قبلة المستثمرين والمغامرين والباحثين عن الثراء، ده في الوقت اللي البنوك الأوروبية عشان تحمي مخزونها من سبايك الدهب من النهب والسلب، كانت بتبعته لأميركا بلد الأمن والأمان. وطبعاً أميركا بتمثل دور الأمهات في العيد لما بياخدوا العيدية من ولادهم، قال إيه؟ هيحوشوها لهم، وطبعاً إبقى قابلني لو طالوها تاني.

بريطانيا غلطت الغلطة التي لا تغتفر، مع تزايد احتياجاتها من السلاح والسلع فكرت تستهبل وتطبع شوية فلوس زيادة بدون غطا، ورق يعني، هو معقول حد هيدور ورا الكبير؟

وكانت النتيجة زيادة التضخم وانهيار مستر "إسترليني" وانهيار العملات المرتبطة بيه، وده كان قلم "لبلب" الإنجليزي على قفا "عنتر" بتاع الاقتصاد العالمي.

وهنا بقية الدول قالت لها: إنتي هتستعبطي.

وهنا انتفضت أميركا وقالت : هتعمليهم عليا؟؟ ده أنا ماما.

ودي كانت بداية "ماما أميركا"؛ لأن أميركا اللي عندها كتير من مخزون الذهب الأوروبي دعت لمؤتمر اسمه "بريتون وودز" على اسم البلد اللي اتعمل فيه المؤتمر، وهناك وبحضور 730 خبيراً من دول 44 دولة، قدرت أميركا إنها تخلع أسنان الأسد الإنجليزي العجوز، وتفرض سيطرتها على العالم وده كان قلم من لبلب الأميركي على قفا "عنتر" الإنجليزي، ولا يفل "لبلب" إلا "اللبلب".

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل