المحتوى الرئيسى

فيلم «المجهول» المصرى..! | المصري اليوم

05/30 01:13

دَرَّبت السيدةُ العجوز مالكةُ الفندق النائى خادمَها «محدود العقل.. طيب القلب»- وهو كهلٌ بعقل طفل، أصم، أبكم- على أن يقتلَ نزلاء الفندق الذى تملكه..!

كان يقتلهم غرقاً فى البحيرة- بعد أن تُخَدِّرَهم تلك الأم الناقمة وتسرق ممتلكاتهم..!

كان الخادمُ سعيداً فى كل مرة يقتل.. فقد كان ذلك يعنى مكافأته.. لم يكن يعرف- بطفولة وعيه- أنه يفعل سوءاً أو أنه يؤذى نفسه أو غيره.. كان يعرف فقط أنه يُرضى مخدومته.. ويتقى عقابها وشرها..!

صارت تلك الأم متوحدة مع جريمة ثأر مع العالم كله.. ترى أنها تنتزع حقاً تراه لها.. من كل إنسان يتقاطع مساره مع مسارها.. فكأنها تعاقب العالم كله على حرمان تكابده يوم حُرمت ابنها بعد أن طُلِّقت من أبيه وطُرِدت..!

استمرت تفعل ذلك حتى أتى لفندقها نزيل شاب يافع.. كان فى الحقيقة هو ابنها الذى حُرِمَ منها وحُرِمت منه.. جاء متخفياً باسم آخر ليفاجئها.. فما كان منها إلا أن فعلت ما تحسنه.. وهو المخادعة بإظهار الطيبة.. ثم الغلظة النفسية.. والقتل بدم بارد..!

خَدَّرت الشاب وهى لا تعرفه.. ليحمله ذلك الخادم الأصم الأبكم «الرجل ذو عقل الطفل» ويقتله غرقاً فى البحيرة.. تجرى الأم الناقمة- والثكلى فى ذات الوقت- لتمنع خادمها عما تَعَلَّمَه وعما أفسدت به هى فطرتَه.. فلا تستطيع..! فقد فات الأوان.. وقتل ربيبُها ابنَها وحُلمَها وشفاءَ حرمانِها..!!

استثمرت تلك السيدة فى «طفولة وعى» الخادم و«براءته» ليكون أداة قتل.. ليكون هو «القاتل غير النادم وغير الواعى» لمَن تراهم يستحقون القتل.. فإذا به يقتل مستقبلها وجموح طموحها.. من حيث لا تدرى ولا تحتسب..!!

كان ذلك هو فيلم «المجهول» بطولة الراحلة الرائعة سناء جميل.. والمأخوذ عن مسرحية «سوء تفاهم» للكاتب العبثى «ألبير كامو»..!

قد يرى البعض أن هذا «حديث سينما» فرض نفسه علينا فى أيام مهرجان «كان» العالمى.. ولكن ليست هذه هى الحقيقة.. الحقيقة أن عبثية الواقع العربى برمته والمصرى بالطبع، والتى تفوق عبثية «كامو».. هى ما فرضت تلك الرواية فرضاً..!

كم من شعوب حولنا وبيننا.. تحيا بفطرتها أو تحاول.. ولا تملك من الوعى إلا طفولته..!

وكم من شعوب حولنا وبيننا تحيا بحرمانها وعَوَزِها وضيق أحوالها وذات يدها.. وليس فى ذلك من عيب.. مادام هو واقع نُقِرُّ به ولكن نحلم بتغييره ونعمل لذلك..!

ولكن المفزع- أكثر من كونه معيباً أو عبثياً- هم مَن يستثمرون فى بساطة العقول وضيق الأحوال.. ليدفعوا بالبسطاء إلى أن يصبحوا أدوات قتل.. تقتل مستقبلها ذاته.. قبل أن تقتل طموح مَن يستخدمونهم.. أو تروى ظمأ جموحهم!

رأينا هذا فى سيدات ورجال استؤجِروا- مقابل قوت اليوم وبعض من فتات مال- ليقتلوا إخوة لهم فى الوطن قتلاً معنوياً.. قتلاً بالذم والبذاءة والتحرش الجسدى واللفظى..!

رأينا هذا فى أطفال حُمِّلوا الأكفان فى اعتصام مسلح.. ليساوم بهم التنظيم على مستقبل سلطته.. بل على بقائه.. ولم يأبه بقتل براءتهم..!

ورأيناه فى أطفال حُمِّلوا أحذية عسكرية فوق رؤوسهم فى مظاهرات تأييد.. لتكتمل بهم مكايدة سياسية.. ولصرع الخصوم..!

طفلٌ دُنِّسَت براءته أو رآها تباع ليشترى قوت يومه أو ليشترى فرصة حياته.. لن يكون فى المستقبل القريب إلا مُرتزق يبيع لمَن يشترى.. سيبيع وطناً ويبيع شرفاً.. سيغتال مستقبله ومستقبل وطنه.. وهو غير آبه وغير نادم.. شأنه شأن القاتل البرىء فى فيلم «المجهول».. المصرى..!

كُتب كثير من هذه السطور فى نوفمبر 2012.. كُتِبَت ونحن فى حال «وَجَلٍ» يقطع بـ«الأمل»..

«وَجَلٌ» ودهشة من إصرار البعض حينها أن يُبقينا على حال الاستنزاف والعنت بغير نتيجة تُرجى إلا «الرَّهق» وأحلام استبداد بسلطة تزيدهم رَهَقاً.. و«أمل» لم ولن يغادرنى، أن بلادى لا تقبل الدنية، حتى وإن حَمَلها عليها بعضٌ من أبنائها.. وهم يتغنون باسمها..!

كانت سطور كمثلها ترصد- دون ادعاء تكهن بغيب- كيف طُويت صفحة من تاريخنا كان صراع السلطة فيها حاضراً ومشروع الحكم فيها مراوغاً غائباً..!

وألحت علىَّ مرة أخرى فى يوليو 2013 فزدت عليها سطوراً أخرى.. لكى أقرأ فيها كيف وَعَت بلادى أن ما أفسد كثيرا من ماضيها وبعضا من حاضرها لن يُصلِحَ مستقبلها أو يَصلُح له..!

وصارت أكثر إلحاحاً فى مايو 2016.. لكى نقرأ فيها ما انتفض المصريون ليحموا مستقبلهم وبلادهم منه.. ولنرى ما عَلَّه أن يكون باقيا منه.. بقصد أو بغير قصد..!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل