المحتوى الرئيسى

في فتنة أبو قرقاص .. الصراحة ضرورة وإن أغضبت الجميع

05/29 17:16

اقرأ أيضا: المستقبل السياسي للإخوان والجماعات الإسلامية الإسلاميون والدين والسياسية .. جذور المشكلة دروس حادثة أبو قرقاص الطائفية شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان والرسالة الأهم هل انتحر قائد طائرة مصر للطيران ؟!

المشكلة التي وقعت في أبو قرقاص بالمنيا بين أسرتين ، مسيحية ومسلمة ، وتطوراتها التي شهدت اشتباكات واعتداءات على أفراد لم نتبين حتى هذه اللحظة طبيعتها بشكل يقيني ودقيق ، رغم الصخب الإعلامي والتشنج الكبير الذي تبديه نخب سياسية وإعلامية ، هذه الواقعة ليست جديدة بالطبع ، وقد تكررت مرارا من قبل ، لارتباطها بمعضلات ثقافية واجتماعية راسخة في الصعيد تتعلق بقضايا الشرف ، إضافة إلى بعض الحساسيات الطائفية إذا ارتبطت بتلك الأحداث ، والغريب أن ردود الفعل ذاتها تتكرر ، سواء من النخب الثقافية أو الإعلامية أو من الدولة وأجهزتها أو من بعض رجال الدين ، ومعها تتكرر نفس الأخطاء ، من الجميع .

يسرب أحدهم خبرا عن واقعة معينة ، فتهيج الدنيا ، ويتراشق الجميع بالاتهامات ، ويستحضر الجميع وثائق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان !!، ويتطوع كثيرون بإعطاء الشعب دروسا في التحضر والاستنارة ، ولا بأس من وصف الشعب المصري بأخس الأوصاف وقد وصل الحال لاتهام الشعب المصري بأنه داعشي المزاج والتكوين ، ثم تسأل أحدا من هؤلاء "المحترمين" عن مصدره الموثوق للواقعة وتفاصيلها ، لا تجد سوى أنه تابع صفحات التواصل الاجتماعي ، تقول له المحافظ نفى ، يقول لك المحافظ كذاب ، تقول له عمدة القرية نفى ، يقول لك العمدة يخفي الحقيقة ، تقول له أن شهود عيان هناك قالوا بغير تلك الرواية بمن فيهم أقباط يقول لك لا تدفن رأسك في الرمال ، تقول له : طب اعطني دليلا قطعيا على الواقعة التي أهاجت شعورك ، يختفي وراء السباب والاتهامات المتنوعة .

حتى هذه اللحظة لا نعرف بوجه القطع ، في الواقعة الأكثر إثارة وهي تعرية السيدة المسيحية والدة الشاب المتهم بالاعتداء الجنسي على سيدة مسلمة ، هل حدثت تعرية فعلا لها ؟ ، هل الواقعة تتلخص في نزع طرحتها من على رأسها كما حكى البعض ؟ ، هل الذي حدث تمزق في بعض ثيابها ؟ ، هل تم زفها في الشوارع عارية كما تم تصوير المشهد المسرحي ؟، طيب هل هناك أي صورة أو فيديو توثق ما حدث إن كان فعلا حدث ، سواء من مواطن مسلم أو مسيحي ، هل اختفت الموبايلات من البلد بكاملها في تلك اللحظة ، طيب هل تم الحصول على رواية متكاملة من صاحبة الأزمة نفسها ، طيب هل استمع أحد إلى الروايات الأخرى من أهالي القرية التي توضح صورة ما جرى حتى تتكامل الصورة ، لا شيء من تلك البديهيات نعرفه ، ومع ذلك قرر الجميع الهجوم والنقد والإهانة للشعب المصري واتهامه بأحط الأوصاف ، والطريف أن نفس هؤلاء جميعا كانوا يعطوننا دروسا في ضرورة أن يكون للقانون والدستور كلمة ، وأن المجالس العرفية تهريج ، في حين أن كل سلوكياتهم تجاه المسألة لا تتصل بقانون ولا دستور ولا أخلاق ، وإنما بتهريج إعلامي ودعوات "عرفية" للثأر والتحريض على أهالي القرية لأنهم جميعا أصبحوا في وجه المدفع ، لدرجة أن قدم الأهالي استغاثة تطالب بوقف الحملة ضدهم والبحث عن المتورطين في الأحداث لمحاسبتهم .

الأنبا مكاريوس ، أسقف المنيا ، كان على خط "التهييج" منذ اليوم الأول ، وتحدث بوصفه ممثل رئيس الجمهورية في المحافظة ، صاحب الولاية على "المواطنين" ، أو هو رئيس الجمهورية الفعلي ، لدرجة أن البرلمان يطلب مقابلة السيدة "المواطنة" المعتدى عليها فيرفض الأنبا مكاريوس طلب البرلمان ، ويوجه خطابا عنيفا للبرلمان قائلا : لن نسمح لكم بالمقابلة حتى يأخذ القانون مجراه ويتم ضبط المعتدين ، والبرلمان ـ وفقا للدستور والقانون ـ هو مؤسسة الدولة الرقابية والتشريعية ، ويبسط ولايته على كل أنحاء الوطن ، لكن الأنبا مكاريوس فوق القانون وفوق الدستور وفوق البرلمان ، وهو ـ وحده ـ صاحب الولاية والقرار على "المواطنة" المسيحية ، وكلمته نافذة ، ولم يجرؤ البرلمان ولا رئيسه على أن يقول له : عيب ، على الأقل : عيب ، كما وجه مكاريوس تهديدا لما يسمى "بيت العائلة" وهو مؤسسة أهلية يرأسها شيخ الأزهر والبابا تواضروس للتعامل مع الأزمات الطائفية بحلول اجتماعية عاجلة تمنع توسع العنف وتحاسب المخطئ وترضي النفوس ، وقال الرجل بلهجة حاسمة ومستعلية : (نحن نرفض رفضا تاما أن يظهر في المشهد الآن ما يسمى "ببيت العائلة" لإنهاء الأزمة بالتصالح بين الطرفين) ، ولا أعرف الضمير في "نحن" يعود على من بالضبط ، وما هي صفته ، وانتشر الأنبا مكاريوس في وسائل الإعلام متحدثا باسم الأقباط ، ومذكرا بأن حقوق الأقباط منتهكة وأنه حتى الآن لم يصعد الأمر دوليا وأن حق أقباط المنيا لا بد أن يعود ، ولم يجد الرجل أي "مستنير" من الذين أعطونا دروسا عن سيادة دولة القانون والدستور على مواطنيها ، لكي يقول له : ما هي صفتك القانونية والدستورية لكي تقول ذلك وتتحدث باسم "المواطنين" ، سواء كانوا أقباطا أو مسلمين ، الكل اعتبر أن هذا الكلام "العرفي" الذي يغتصب القانون والدستور يجوز في تلك الظروف ، لأن لغة "المصاطب" هي التي تسود الآن مع الأسف .

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل