المحتوى الرئيسى

اقتصاديون: التضخم يواصل الصعود فى الأشهر المقبلة ونعانى خللًا هيكليًّا

05/29 10:14

■ أبو باشا: تحقيق معدل نمو مرتفع من شأنه تحجيم التأثير على المواطنين

■ حسنين: الحكومة تعالج الأثر دون النظر للسبب.. والتصنيف الائتمانى قد ينخفض إذا لم تتحسن الأوضاع

■ خالد: لا توجد حلول بالأجل القصير.. والأسعار لن تنخفض مرة أخرى

■ الحماقى: رفع دخل المواطن الحل الأكثر فاعلية.. وتحقيقه بتحفيز الإنتاج

يستقبل المصريون شهر رمضان الكريم خلال أيام، بشوق مصحوب بخوف وترقُّب من غول الأسعار الذى توحَّش مؤخرًا، حيث شهدت الفترة الأخيرة موجة غلاء شديدة اجتاحت الأسواق، تأثرًا بالصدمة التضخمية التى لحقت بخفض قيمة العملة المحلية، وامتدت لتطال جميع السلع، سواء استهلاكية أو كمالية.

وبدأت الحكومة تهدئة المخاوف بمجموعة إجراءات يهدف أغلبها لتوفير سلع بأسعار رخيصة، وافتتح المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، نهاية الأسبوع الماضى، معرض «أهلًا رمضان»، وذلك فى إطار حرص الدولة على توفير جميع السلع للمواطنين بالكميات والأسعار المناسبة؛ استعدادًا لاستقبال شهر رمضان المعظم، وذلك وفقًا لبيان حكومى.

ويشارك فى المعرض كلٌّ من الشركة القابضة للصناعات الغذائية والشركات التابعة لها، بالإضافة إلى بعض المنتجين والمورِّدين من القطاع الخاص، كما أنه يتزامن مع انطلاق هذا المعرض افتتاحُ عدد من المعارض بمختلف المحافظات على مستوى الجمهورية؛ للوصول إلى جميع المواطنين لإتاحة وتلبية متطلباتهم من جميع السلع ذات الجودة العالية وبالأسعار المناسبة.

كان خالد حنفى، وزير التموين، قد صرّح بأنه سيتم زيادة دعم المواطنين على بطاقات التموين ليصبح 18 جنيهًا بدلًا من 15 جنيهًا للفرد، بداية من أول رمضان المقبل.

 جدير بالذكر أن العام المالى المقبل سيشهد تطبيق ضربية القيمة المضافة.

وضريبة القيمة المضافة هى البديلة عن «ضريبة المبيعات»، وتعتبر ضريبة غير مباشرة تفرض على السلع والخدمات، وتزعم الحكومة أن تطبيق القيمة المضافة سيتسبب فى ارتفاع معدلات التضخم بنسبة 2.5% لمرة واحدة فقط، لكن معظم المحللين يرون أن عدم استقرار الأسواق المصرية أو انضباطها وعدم خضوعها للرقابة، سيؤدى لحدوث عدة موجات تضخمية سترفع الأسعار إلى معدلات غير مسبوقة.

واستطلعت «المال» آراء عدد من الخبراء ومحللى الاقتصاد الكلى، حول مدى فاعلية الإجراءات الأخيرة فى التخفيف عن كاهل المواطن، وفرص اتخاذ إجراءات جديدة أو غير تقليدية لمجابهة أزمة التضخم، فضلًا عن احتمالية انخفاض الأسعار مرة أخرى فى الفترة المقبلة.

وخفَّض البنك المركزى خلال مارس الماضى قيمة الجنيه بنحو 112 قرشًا، قبل أن يعقبه ارتفاع بـ7 قروش، ليصل سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار إلى 8.95 جنيه.

وأظهرت بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفاع معدل التضخم الشهرى لأسعار المستهلكين بنسبة %1.5 فى أبريل الماضى، مقارنة بشهر مارس، وهو أمر يرجع لزيادة أسعار الخضراوات والأرز والحبوب والدواجن والفاكهة والملابس، وارتفع التضخم السنوى لأسعار المستهلكين خلال أبريل إلى %10.9، مقارنة بنحو %9.2 فى مارس.

وأعلن البنك المركزى المصرى من جهته، ارتفاع معدل التضخم الأساسى السنوى وفقًا لمؤشراته خلال أبريل الماضى، إلى %9.51، مقابل %8.41 فى مارس، بزيادة شهرية %1.24.

بدايةً قال محمد أبو باشا، محلل الاقتصاد الكلى بشركة المجموعة المالية هيرميس، أن تفعيل الأودات التى تتملكها الدولة حالياً من خلال توفير منتجات أساسية بأسعار أرخص، وزيادة الحصص التموينية، يمكنها من حماية محدود الدخل بشكل كبير من الموجة التضخمية الحالية.

وأوضح أن الحلول الأخرى التى يمكن الإقدام عليها، تتمثل فى التوسع بالدعم النقدى، وتابع: تقوم الدولة بتقديم دعم نقدى عبر برامج تطلقها وزارة التضامن الاجتماعى، مثل تكافل وكرامة، ستمتد هذ الشبكة ويتعاظم تأثيرها مع اتساع النطاق الجغرافى للبرنامج الذى مازال فى مراحله الأولى.

وأطلقت وزارة التضامن الاجتماعى منذ أكثر من عام، برنامجىْ تكافل وكرامة؛ بهدف تطوير نظم الحماية الاجتماعية، والحصول على الحقوق الأساسية للأُسَر الفقيرة، مثل الصحة والتعليم والتغذية السليمة، والمساهمة فى الحصول على فرص عمل، وحماية المواطنين، مثل المُسِنِّين وذوى الإعاقة، ويستهدف البرنامجان- وفقًا لوزيرة التضامن غادة والى - مليون ونصف المليون أسرة فقيرة، بها من 7 إلى 7.5 مليون مواطن، بالإضافة إلى المستفيدين الحاليين من معاش الضمان والمساعدات المالية الأخرى، والذين وصلوا إلى 2.6 مليون مواطن.

يُشار إلى أن موازنة العام المالى 2016/ 2017 التى أعلنها وزير المالية عمرو الجارحى مؤخرًا، تتضمن تمويل نظم معاشات الضمان الاجتماعى وبرامجى تكافل وكرامة للدعم النقدى، بنحو 11.2 مليار جنيه.

فى السياق نفسه أكمل أبو باشا أن مصر تنفق مبالغ ضخمة على الدعم، خاصة للمواد الغذائية، لكن الفكرة كلها تكمن فى تطوير المنظومة وزيادة كفاءتها، وقد تم بالفعل إنجاز شوط كبير فيما يتعلق بالخبز ونقاط التموين، فضلًا عن أنه تمت زيادة المنتجات المدرجة ببطاقات التموين، وكذلك رفع المخصصات الموجهة لها مؤخرًا، ويتبقى اتخاذ خطوات مماثلة بالدعم النقدى.

وأشار إلى أن التضخم فى مصر طبيعته هيكلية، بمعنى أنه مرتبط بمشاكل مثل تراجع قيمة العملة الأجنبية واتساع عجز الموازنة، وهو ما يتطلب حلولًا هيكلية أيضًا، أهمُّها تحقيق مستوى عال من النمو الاقتصادى، فهذا الأمر من شأنه تحجيم الأثر على المواطنين.

وعن مدى استمرارية أزمة الدولار لفترة أطول، خاصة أن وكالة التصنيف الائتمانى «ستاندرد آند بورز» رجّحت أن تظل قائمة حتى عام 2019، قال محلل الاقتصاد الكلى بـ«هيرميس»، إنه لا يمكن توقُّع موعد انفراج مشكلة وفرة النقد الأجنبى؛ لأنها ترتبط بالأساس بعوامل مختلفة وليست مقتصرة على تطورات الوضع المحلى.

وأكد أننا لن ننتقل بين ليلة وضحاها من حالة الأزمة إلى اللا أزمة؛ لأن جزءًا من المشكلة له علاقة بمتغيرات الاقتصاد العالمى، فضلًا عن مصاعب السياحة والأمن على مستوى الشرق الأوسط كله أيضًا، وليس مصر فقط. واستكمل: توجد تحديات بالخارج، وتجاوزها يعتبر جزءًا رئيسيًّا من دوافع التحسن محليًّا.

ولفت إلى أن الخروج من مأزق نقص العملة الأجنبية بمصر، مرهون بعوامل كثيرة، تشمل الحصول على قرض صندوق النقد الدولى، وبدء الحصول على نتائج من اكتشافات الغاز الأخيرة بمصر، وتغير أوضاع الاقتصاد العالمى للأفضل، كل هذه العوامل ستدفع نحو تحسناً تدريجياً.

وقال نعمان خالد، المحلل الاقتصادى بشركة سى اى است مانجمنت، إن الحكومة تعتمد فى الوقت الحالى على استراتيجية تتركز فى توفير سلع بأقل من السوق، وهو أمر يفسَّر بطريقتين، أولاهما أن السوق تسعِّر السلع بأعلى من قيمتها، والثانية أن الحكومة توفر سلعًا مدعومة وتتحمل الفرق من الموازنة.

وتابع: التفسير الثانى يتعارض مع سياسات أخرى، مثل تقليص عجز الموازنة، إذ سيؤدى ارتفاع بند الدعم إلى تفاقم العجز، ومن ثم سيبتعد عن مستهدفات الحكومة التى تسعى لتقليصه.

وأضاف خالد: بشكل عام، واهمٌ مَن يتصور أن التضخم لن يزداد بعد خفض العملة بنسبة %14، ففكرة احتواء الأسعار نفسها غير منطقية، فمؤشر التضخم يرتفع كل شهر منذ خفض الجنيه أمام الدولار، علمًا بأن منهجية قياس التضخم غير معبرة حقيقة عن الوضع؛ لأنها تُظهر الأرقام بأقل من الواقع.

وخفَّض البنك المركزى المصرى، خلال مارس الماضى، قيمة العملة المحلية بنسبة %14، وقال إنه سيتبع سياسة أكثر مرونة تجاه سعر الصرف.

وأوضح خالد أنه لا توجد حلول فى المدى القصير، لكن بالأجل المتوسط يمكن القيام بعدة خطوات، أولاها عدم الاعتماد على الاستيراد بشكل كامل، فمصر تستورد جميع احتياجاتها، كما أن أجهزة حماية المستهلك التى تربط عادة بين الحكومة والمواطن ضعيفة، فضلًا عن أن الحكومة لا تمتلك أدوات تمكِّنها من الضغط على القطاع الخاص.

وتَطرَّق المحلل الاقتصادى بشركة سى اى است مانجمنت، إلى أن هناك خللًا يكمن فى توجيه جزء كبير من الصرف الحكومى لأعباء الدين، ورواتب العاملين بالدولة، فضلًا عن الدعم بمختلف أشكاله، بما يقضى على فرص تقديم خدمات للمواطنين توازى ما يدفعونه من رسوم وضرائب، وهو أمر لا يؤدى فى النهاية للهدف الأكبر، وهو تقليل صرف المواطن على خدمات معينة.

ورجّح خالد أن تنتهى أزمة نقص العملة الأجنبية خلال أشهر قليلة، بالتزامن مع المنحة المرتقب الحصول عليها من السعودية بواقع 2.5 مليار دولار، وكذلك الوديعة الإماراتية بقيمة 2 مليار دولار، مع ترقب تمويلات أخرى من دول، مثل الكويت والصين وكوريا، غير أنه استبعد أن تنخفض الأسعار مرة أخرى، وقال إن ذلك قد يحل أزمة الوفرة لا السعر.

بدوره قال عمرو حسنين، رئيس مؤسسة الشرق الأوسط للتصنيف الائتمانى «ميريس»، إن الحكومة تعالج أثر التضخم المتمثل فى ارتفاع الأسعار، ولا تعالج أسبابه الهيكلية، مؤكدًا أن التعامل مع الأثر وحده أمر «غير صحى».

وأوضح أن مجابهة الغلاء تتطلب القيام بعدة خطوات، أولاها تقليل معدلات الاستهلاك المحلى؛ وذلك لتقليص احتياجات مصر التمويلية، لأننا نستورد أغلب السلع من الخارج، مستكملًا أن ذلك الأمر يتطلب توجيهًا من الدولة وحملات توعية، وقال: «إحنا فى أزمة لكننا نتصرف كأن الأمور عادية تمامًا، فنسب الإهدار كبيرة خاصة فى الغذاء».

وأضاف حسنين أن الحل الثانى يكمن فى زيادة الإنتاج، فما زلنا «وطن فى أجازة»- على حد تعبيره، فالتضخم لن يتقهقر إلا بتوفير منتجات وبضاعة جديدة؛ لأن عمليات طباعة النقود مستمرة، فى مقابل منتجات قليلة، وهو أمر يُبقِى معدلات التضخم عند مستويات مرتفعة.

وأشار إلى أن اتخاذ إجراءات من جانب «المركزى» قد تكون ضمن الحلول، مثل رفع معدلات الفائدة مرة أخرى، وخفض قيمة العملة المحلية، كلها أمور واردة، لكنه أكد فى الوقت نفسه أنه لا ينصح بذلك دون وجود خطة متكاملة وعاجلة تعالج الأثر، فمثلًا تقليل قيمة الجنيه أمام الدولار يتطلب فى المقابل زيادة التصدير، وتحسين مناخ الاستثمار، وإلا فلن نتحمل سوى الأثر السلبى لتلك الخطوة دون تحقيق أى استفادة.

وقال: لا بد من علاج هيكلى، تتضمن آلياته توعية وتثقيف المواطنين، بجانب قيام الدولة بدورها فى دفع حركة التنمية؛ لزيادة الإنتاج ومعدلات التوظيف، وجذب الاستثمارات الخارجية.

ولفت إلى أنه لا يمكن القول إن أزمة الدولار ستنتهى قريبًا، أو أن منحنى الأسعار سيهبط مجددًا، فما زال أمامنا بعض الوقت.

فى الوقت نفسه شدَّد رئيس مؤسسة الشرق الأوسط للتصنيف الائتمانى «ميريس»، على ضرورة اتخاذ خطوات جدية للخروج من الأزمة الحالية، مضيفًا أن تخفيض مؤسسة ستاندرد آند بورز نظرتها المستقبلية لمصر، من «مستقرة» إلى «سلبية»، يشير إلى أنها قد تقوم بخفض التصنيف خلال 6 أشهر، إذا لم تتحسن الأوضاع.

وقالت الدكتورة يمن الحماقى، أستاذة الاقتصاد بجامعة عين شمس، إن السؤال عن تحجيم التضخم له شقّان، الأول بشأن الإجراءات الحكومية المطلوب اتخاذها لمجابهة التضخم نفسه، والثانى القرارات التى يتم من خلالها مواجهة آثاره المتمثلة فى ارتفاع الأسعار.

وأجابت يمن عن الشق الثانى، وهو الإجراءات المطلوب اتخاذها لتخفيف حدة ارتفاع الأسعار، قائلة: الحكومة الحالية تقوم بخطوات فى ذلك الصدد، مثل افتتاح رئيس الوزراء نهاية الأسبوع الماضى لمعرض ضخم للمواد الغذائية والسلع الأساسية، بأسعار منخفضة كثيرًا عن سعر السوق.

وأضافت أن وزارة الزراعة والجمعيات التعاونية ومنافذ الجيش تساعد فى ذلك الصدد أيضًا؛ بهدف زيادة العرض على أمل تقليل الأسعار وكسر الاحتكارات بالسوق المحلية.

ولفتت إلى أن الحكومة لا تعطى اهتمامًا كافيًا للإجراءات الأكثر فاعلية لمواجهة التضخم، فكل تركيزها ينصبُّ على تقليل الأسعار، بينما المطلوب هو اتباع خطوات تؤدى لزيادة الدخول، فذلك الأمر فقط هو ما يجعل المواطن أكثر قدرة على الصمود أمام موجة الغلاء الحالية.

وقالت إنه يمكن على سبيل المثال توجيه المواطنين ناحية إطلاق مشروعات متناهية الصغر تحقق ربحية، وهو علاج فعال لارتفاع الأسعار.

أهم أخبار اقتصاد

Comments

عاجل