المحتوى الرئيسى

أحمد الطيب.. أجلسوه كما لو كان مصرياً!

05/29 09:14

لأول مرة في تاريخ العالم يلتقي رأس الكنيسة الكاثوليكية بعضو أمانة السياسات بالحزب الوطني الديمقراطي المنحل، المترجم والمُحاضر وعضو الجمعية الفلسفية المصرية، وعضو مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري الأستاذ "أحمد الطيب".

ربما هذا هو الوصف الأليق بلقاء من يعدونه شيخاً للأزهر وسفيراً للإسلام بأسقف روما "خورخي ماريو" أو "فرنسيس"، وبيد أنهم يسمونه لقاءً إلا أنه يبدو وكأنه استدعاء، ففي الدبلوماسية العالمية قد يستدعي مسؤول دولة سفير دولة أخرى لتوبيخه فيُجلسه على كرسي منخفض في وضعية الاستجواب، كما حدث مع السفير التركي الذي أجلسه نائب وزير الخارجية الإسرائيلي على أريكة منخفضة، وجلس هو ومسؤولان آخران أمامه على كراسي مرتفعة؛ فيما أسفر عن أزمة دبلوماسية بين تركيا والكيان الصهيوني سُمّيت "أزمة الكرسي المنخفض"، عدّتها وقتها تركيا إهانة دبلوماسية ونددت بها كل تنديد.

ومنذ 2010 وحتى اليوم يتحدث باسم أكبر جامع وجامعة إسلامية في العالم شخص أصدر المخلوع مُبارك قراراً جمهورياً بتعيينه "شيخاً للأزهر"، ويومها كان عضواً بأمانة السياسات بالحزب الوطني المنحل! ليأتي يوم 24 مايو/أيار 2016 فيؤرّخ كيوم عار في جبين هذه المؤسسة المنيفة الماجدة "الأزهر الشريف"، ومن خلفها مئات الملايين من المسلمين حول العالم، فإذ ببطريرك الغرب يستقبل أحمد الطيب في مكتبة الفاتيكان فيُجلسه على كرسي منخفض ويجلس هو على كرسي أعلى منه، وكأنه يُريد أن يقول إن الكرسي الرسولي وكرسي البابوية أجل وأعظم، وكرسي البابوية هو كيان سياسي قانوني معترف به دولياً يدير وزير خارجيته علاقات الفاتيكان مع دول العالم.

أجلسوه كما لو كان مصرياً! فقد أجلست أكبر كنيسة مسيحية في العالم أحمد الطيب (في ما سموه أول زيارة في التاريخ من شيخ الأزهر للفاتيكان) على كرسي منخفض بجانب مكتب فرنسيس كبير روما، وليس أمامه كشخصٍ مساوٍ له في المكانة، رغم أنه خلال الشهور والسنوات الماضية كان رأس الكاثوليك في نفس المكان قد استقبل كلاً من (الأنبا تواضروس عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - البطريرك المسكوني رأس الكنيسة الأرثوذكسية بالقسطنطينية - الرئيس الأميركي باراك أوباما - الرئيس الإيراني حسن روحاني - رئيس الكيان الصهيوني شيمون بيريز - والرئيس البوليفي والأرجنتيني والسيرلانكي - بل حتى الفريق السيسي) وجميعهم أجلسهم على كراسي مماثلة ومطابقة تماماً لكرسيه، وجميعهم جلسوا أمامه وجهاً لوجه مساوين له.

فالطيب الذي ذهب يُحدّث المسلمين الأوروبيين عن كونهم مواطنين أصلاء يتمتعون بالمواطنة الكاملة، لم يتمتع بما تمتع به كل هؤلاء السابق ذكرهم! وها نحن أمام منظومة مستمرة من التنازلات والانهيار، فأمس يذهب الأنبا تواضروس إلى القدس بتأشيرة إسرائيلية مروراً بتل أبيب، ثم يتحدث عبدالفتاح السيسي عن السلام الدافئ مع الكيان الصهيوني، واليوم يذهب الأستاذ أحمد الطيب إلى الفاتيكان بروما عاصمة إيطاليا فيُهينونه ويُقلّون منه، وبعدها بساعات يُصرّح بوضوح بالغ مستشاره الرسمي قائلاً : "وجود فضيلة الإمام في الفاتيكان أعتقد أنه يؤدي إلي تلطيف وتهدئة جراح أزمة ريجيني"، ليتتابع مسلسل العار رغبة في تجاوز الكوارث وحل المصائب؛ حفاظاً على نظام الحكم العسكري من دواهيه المتسارعة، فتُحل قضية الطالب الإيطالي جوليو ريجيني الذي قُتل كما لو كان مصرياً؛ نتيجة التعذيب على يد الأجهزة الأمنية في مصر، بمصيبة وكارثة أكبر هي إهانة وإقحام الأزهر بين مافيات مصر وإيطاليا!

ورغم هذا الهوان لا ننسى أن أحمد الطيب قد انسحب من حضور حفل تنصيب الرئيس مرسي بجامعة القاهرة في يونيو/حزيران 2012؛ لأنهم لم يُخصصوا له كرسياً في الصف الأول مع كبار رجال الدولة يومها، فماذا سيفعل بعد إهانة الفاتيكان له؟! أنا أدعوه للانسحاب الكامل من كافة المناصب والأعمال العامة، وأن يستقيل وينتهي دوره عند هذا الحد؛ فكفى استخفافاً بأكثر من مليار ونصف المليار مسلم كان وما زال وسيظل إن شاء الله الأزهر بالنسبة لهم منارة وريادة وكرامة وفخراً وعزاً، وليس ذلاً أو دناءةً أو نفاقاً وتملقاً وممالأة للطغيان والفساد والاستبداد، إن عضو السياسات بالوطني المنحل عليه أن يرحل من الأزهر.

فآلاف القتلى منذ حادثة القديسين (يناير/كانون الثاني 2011) وحتى اليوم، وعشرات الآلاف من المعتقلين، والتصفية الجسدية والإخفاء القسري، وبيع الأرض والعرض، وتبديد الثروات الطبيعية والبشرية، وبيع الحاضر ورهن المستقبل، بعد أن وجد الصمت والتبرير والتمرير والتحليل والسكوت والخضوع من "أحمد الطيب"؛ يجعلنا جميعاً اليوم مسلمين ومسيحيين نقول له: نحن نتبرأ منك ومن أفعالك؛ فبئس الرجل لنعم المؤسسة ومصر تستحق أفضل من ذلك.

سيقول البعض الموضوع يسير وهذا تهويل فهو مجرد كرسي منخفض، وبالفعل ربما تكون هذه الفظيعة يسيرة بالنسبة لفظائع أخرى للرجل، ولكن هذا ليس تهويلًا فنحن نُريد الاحترام والعدل والاستقامة، ولا نقبل ضيماً أو افتئاتاً، خاصة أن لكل موقف رمزية واعتباراً، فمثلًا أمنا أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها قد منعت أباها الكافر (قبل أن يُسلم ويحسُن إسلامه) أن يجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت تعي رمزية الموقف؛ فأبوها حينئذ كبير قريش الذي يحارب الإسلام والرسول، وقد أتى إلى المدينة للقاء سياسي تفاوضي كرأس للحرب؛ فلا يُمكن أن يُعامل معاملة عادية بالرغم من أنه أبوها وسيد قومه.

فمعركة الكراسي التي يُدفع فيها كل شيء وأي شيء معركة خاسرة، فمهما فرّط النظام الآسر لمصر في أموال وثروات وأراضي الشعب، وحرية وكرامة وحقوق الناس، وطموحات وآمال الشباب والأطفال، ومكانة مصر ومنزلة الأزهر ومقام العروبة والإسلام، فلن ينال هذا من قدرٍ يُخبئه الله لهذه الأمة وهذا الشعب، قدر ينزع الكرسي ممن يشاء ويؤتيه من يشاء؛ فتُملأ الدنيا كل الدنيا بما فيها "رومية" قسطاً وعدلاً كما لو كانت القاهرة ودمشق وبغداد وصنعاء و"إسلامبول".

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل