المحتوى الرئيسى

مي الفحام تكتب: اللي يشوف بلوة غيره

05/27 10:23

حدثت أزمة لي على مستوى العمل، وقررت بسببها التفكير في إعادة حساباتي كاملة في مجال عملي ومستقبلي، حتى سيطرت عليّ حالة من اليأس بأني أقل سكان هذا العالم حظا، بعدما أصبحت على شفا ضياع سنين دراستي وعملي هباءً، والبدء من جديد في أي مجال بديل، ولكني بعدما اكتشفت كم المآسي التي يتعرض لها أشخاص من حولي –بعضهم أعرفه معرفة شخصية- أعدت التفكير في حياتي بالكامل، ووجدت أني حقا أعتبر مرفهة أكثر من الوليد بن طلال، إن قارنت حياتي بالآخرين.

هناك 51 شخصا أًلقي القبض عليهم على خلفية مشاركتهم في وقفة احتجاجية تندد بالتنازل عن جزيرتي (تيران وصنافير)، وحكم عليهم بالحبس عامين، يحسدون أنفسهم الآن -رغم كم الحسرة التي يشعرون بها- بعدما علموا أن هناك 79 آخرين أُلقي القبض عليهم لنفس السبب، وبنفس التهمة، ولكن حكمت الدائرة (21 إرهاب بجنايات الجيزة) عليهم بالسجن خمس سنوات، ولكن ربما حتى هؤلاء لا يعلمون أنهم أوفر حظا من صحفي بموقع إلكتروني استمر حبسه للعام الثاني على التوالي من دون إحالته للمحاكمة حتى الآن ولا يعلم ما مصيره، ولكن المؤكد أن هذا الصحفي على درجة كافية من الوعي ليدرك بمفرده أنه أحسن حالا، لأن أهله يعلمون مكانه ويستطيعون زيارته وتوصيل جوابات له داخل محبسه، في الوقت الذي يوجد فيه عشرات آخرون لا يعلم ذويهم أين هم من الأساس.

اعرف محاسبا بإحدى الشركات الخاصة، واجه مشكلة مادية مؤخرا بسبب وجود خصم غير متوقع في مرتبه، لم تفلح التظلمات في رفعه، هو بالتأكيد أفضل حالا من زميل دراسته الذي لم يتقاضَ راتبه بالكامل لمدة شهرين كاملين في شركة منافسة بسبب تحجج إدارتها بوجود أزمة مالية دفعته للاستمرار في العمل للشهر الثالث على التولي على أمل أن يتم حل المشكلة ويعود لتقاضي راتبه، في الوقت الذي يعمل فيه زميلهم الثالث كمندوب مبيعات بأجر شهري أقل من كليهما، وفي ظروف عمل أصعب بكثير، فيكفي تعرضه يوميا لمواقف محرجة من تجار جملة وبائعين يقتنع أحدهم بعرضه ويرفضه 10 آخرون.

وليس من العجيب أن يكون جميع من سبقوا أكثر حظاً من أي شخص آخر يحمل نفس الشهادة الجامعية، ولم يتمكن من إيجاد فرصة عمل مناسبة له رغم مرور سنوات على تخرجه، لا بشهادته الجامعية ولا حتى في مجال بديل، ولو بشكل مؤقت لجمع أي مبلغ مالي، وربما في شدة حسرته ومعاناته من البطالة داخل وطنه، لا يعلم أنه بذلك يعتبر أفضل حالا بكثير من هذا العامل الذي سافر إلى ليبيا منذ سنوات، استطاع خلالها أن يجمع عشرات الآلاف، ضاعت جميعها بين يوم وليلة بعد اندلاع الحرب الأهلية هناك وهو ما اضطره إلى مغادرتها والعودة إلى مصر خلال يومين، لم يتمكن خلالهما من نقل مدخراته ولا تحويلها عبر أي حساب بنكي، ليشعر أن “شقى السنين ضاع في يومين”.

صديقتي ذات الـ28 عاما متخوفة أن تقضي الباقي من عمرها دون أن تشعر بهذا الحب الذي طالما قرأت عنه وتمنته، بعد أن اضطرت للموافقة على خطيب “صالونات” لا تشعر تجاهه بأي عاطفة سوى بأنه “ابن ناس” ولديه شقة، لا تعلم أنها في نعمة مقارنة بتلك التي لم تجد الحب ولا حتى الصالونات، وبدأت تضع لنفسها سيناريوهات لمستقبلها الذي ستعيشه وحيدة بلا شريك في الحياة ولا أمل في إنجاب أطفال.

وربما كلاهما لا تقدر نعمة أن ليس لهما ماضي في علاقة حب فاشلة لم تكتمل بسبب ضيق اليد أو بسبب تحكم الأهالي، فبعض الشباب تستمر علاقتهم لسنوات، يبنوا خلالها أحلاما وردية عن بيتهم المستقبلي الذي لم يشتروا منه طوبة بسبب فشل الشاب في جمع المصاريف المطلوبة حتى للمهر من يوم أن بدأ العمل، مما كان سببا كافيا لأهل الفتاة لرفضه بلا رجعة وترك ابنتهم تتجرع آلام حبها الضائع حتى الآن، ولكن المؤكد أن عدم رضا جميع تلك النماذج عن حياتهم العاطفية وما آلت إليه، يجدونها أفضل 100 مرة من تلك التي أحبت وتزوجت بمن أحبته وفاقت في يوم على بشاعة كابوس الخيانة، لتندب حظها وتتمنى لو لم تكن يوما أحبت أو تزوجت، كي لا تعيش هذه اللحظة.

لدي قريب أصيب بحالة نفسية سيئة بعد إصابته برباط صليبي حرمه من مواصلة تدريباته لكرة القدم في ناديه، ظل قريبي على تلك الحالة فترة طويلة من الحزن وضياع الحلم، لحين قرأ في الصحف عن حادث تعرض له مراهق يدعى (حسين منصور) أثناء تدريبه في مركز غطس الأسكندرية، والذي انتهى بانفجار أنبوبة الغطس، مما تطلب معه تدخل جراحي عاجل ببتر كلتا قدميه، وقتها فقط اكتشف أنه رغم ضياع حلمه الكروي، إلا أنه على أقل تقدير خرج من المستشفى واقفا على قدميه، وعلى استعداد أن يمارس حياته بشكل طبيعي.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل