المحتوى الرئيسى

دروس حادثة أبو قرقاص الطائفية

05/26 18:18

اقرأ أيضا: شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان والرسالة الأهم هل انتحر قائد طائرة مصر للطيران ؟! رجال السيسي يهزمونه بسيف الغباء ! الإعلام "الغبي" يورط السيسي ويضر بموقف مصر توالي الكوارث .. حظ سيء أم لعنة أم سوء إدارة ؟!

كانت حادثة أبو قرقاص الطائفية حديث الشبكة العنكبوتية أمس واليوم ، ومواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الصحفية والإخبارية ، وكان تركيز الجميع على خبر يقول أن بعضا من المتظاهرين الغاضبين في قرية الكرم التي شهدت الأحداث ، جردوا سيدة مسيحية مسنة من ملابسها للتشهير بها على خلفية اتهام ابنها بإقامة علاقة غير شرعية مع سيدة مسلمة ، وتبارى كثيرون في هجاء تلك الواقعة ، وهي تستحق الهجاء قطعا إذا ثبت أن البعض قاموا بها ، كما تستوجب أن يقدموا للعدالة ، لأن هذا الذي نقل لا يمكن أن يصدر عن عقلاء أو أصحاب مروءة ونخوة ، غير أن تلك الواقعة تحديدا ما زالت محيرة ، لأن بعض من غردوا من أبو قرقاص ، ومن الأقباط أنفسهم ، نفوا تلك الواقعة ، وقالوا أن هجمات غاضبة واشتباكات جرت على خلفية اتهام مسيحي بعلاقة شرعية مع مسلمة ، ولكن واقعة تجريد أم المتهم من ملابسها وتجريسها في الطرقات لم تحدث ، وانتشرت ـ بشكل خاص ـ رواية المحامي هاني عوض ، والذي نفى وقوع تلك الواقعة تماما واعتبرها خرافة ، وأنا لا أعرف على أي أساس قامت حملة "مصر تعرت" التي انتشرت على الانترنت ، ومن الذي روجها وسوق لها ، من دون تحقيق ومصادر متطابقة تؤكد لنا وقوع الحادثة من عدمها ، الغضب مشروع بالفعل إذا صحت الواقعة ، ولكن الحكمة تقتضي التحقق قبل الحكم وقبل إدانة المجتمع بكامله والبعض أدان الشعب بكامله وهجا تاريخه كله ، كما أسجل إدانتي الكاملة للتصريحات التي أطلقها الأنبا مكاريوس في مطرانية المنيا ، والتي صبت المزيد من الزيت على نار الغضب ، ولوح باتهام الدولة وأجهزتها بالتواطؤ مع "المسلمين" وهو كلام غير مسئول ويهيج مشاعر المرارة والغضب بين العوام ، ولولا تصريحات البابا تواضروس الحكيمة والعاقلة التي أطفأت نار "مكاريوس" لكان من الممكن أن نشهد المزيد من الحرائق في الوطن .

قضايا الثأر والشرف في صعيد مصر لها وضع استثنائي ، والجميع يعرف ذلك ، وسواء كانت تلك الواقعة بين أقباط وأقباط ، أو بين مسلمين ومسلمين ، كنت سترى غضبا وعنفا مشابها بين الأهالي ، صحيح أن تباين الطائفة أضاف بعدا سلبيا للواقعة الجديدة ، ولكن في الأساس هذه الظواهر ليست مفجرها التباين الطائفي ، وإلا فالعلاقات الإنسانية والاجتماعية تشهد تعايشا بين المسلمين والأقباط في الصعيد وغير الصعيد على مدار مئات السنين ، بل إن الثابت من الروايات أن الأسرتين اللتين وقعت بينهما الأزمة الأخيرة في أبو قرقاص ، كانتا ترتبطان بعلاقات اجتماعية وتبادل الزيارات ، والبعض يقول أن العلاقة العاطفية نشأت أثناء تلك الزيارات ، وأما حوادث العنف الاجتماعي في الصعيد فوقعت بين مسلمين ومسلمين وبين أقباط وأقباط ، وشهيرة هي مذبحة الدابودية والأشراف في أسوان .

البعض تساءل عن غياب دولة القانون ، وندد بما يعرف بالجلسات العرفية لحل المشكلات ، وحال القانون ، بل والدستور نفسه ، في بلادنا كما نعرف جميعا ، وأما التنديد بالجلسات العرفية للتصالح وتخفيف الاحتقانات وحل المشكلات ذات الحساسية فهو جهل بقواعد الاجتماع والسياسة ، لأن الجلسات العرفية هي فرع أصيل من العمل السياسي الأهلي غير المقنن ، لتفكيك المخاطر الاجتماعية المؤهلة للانفجار والخروج عن السيطرة ، فيتم النظر في أفضل الحلول الودية لإنهاء الأزمات من جذرها وحماية المجتمع من خطر كبير ، لأن القانون وحده لا يحل جذر المشكلة الاجتماعية بل يمكن أن يعقدها أكثر ، فأنت يمكنك أن تفرض عقوبة على طرف أو أطراف ، لكنك لن تطفيء النيران التي تشتعل في قلوب وستنفجر حتما غدا أو بعد غد ، ومن هنا كان دور الجلسات العرفية بالتوافق بين الأطراف للبحث في الحل الذي يوفر الأمان للجميع وينهي الأزمة ويفرغ القلوب من نيرانها ، وفكرة التسويات والحلول خارج الصندوق أو خارج الإطار الرسمي ، لا تنفي عمل القانون ، واللافت أن بعض من تحدثوا عن غياب دولة القانون والمواطنة ونددوا بالجلسات العرفية طالبوا بتقديم الاعتذار لأقباط مصر عما حدث ، وتحدثوا مرارا عن "الأقباط" باعتبارهم مجني عليهم في الواقعة ، وبعضهم تطوع بالفعل بتقديم اعتذاره للأقباط والمسيحيين ، رغم أن المنطق الذي يتحدثون به يوجب عليهم حصر الحديث عن "المواطنة" التي وقع عليها الاعتداء ، بغض النظر عن طائفتها ، وأن يكون الحديث عن حقوق هذه المواطنو أو الأسرة المجني عليها وليس عن حقوق الأقباط جميعا في تلك الواقعة ، إلا إذا كنا نتحدث ـ أيضا ـ بلغة عرفية أو لغة "مصاطب" وليس لغة القانون والدستور والمواطنة .

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل