المحتوى الرئيسى

حوار| جمال الجمل: أتمنى بناء مصر بمواصفات «كومباوندات» الإعلانات

05/26 17:13

بدون رؤية عصرية لحالنا سيظل الصراع على الحكم أشبه بصراع الفتوات في الحواري الشعبية

"الثورة" ليست مشروع لنظام الحكم ولكن مفهوم ومرجعية لمحاسبته

السيسي لا يمتلك أي مهارة شخصية ولا حتى معلومات أولية عن الخطاب السياسي.

مجلس النواب «سد خانة» ومصر «شبه دولة» باعتراف السيسي

نريد شوارع كما يقول العلم، نريد أن نشرب كوب ماء نظيف من الصنبور، وسرعة إنترنت قياسية، وشوارع نظيفة، وتطبيق القوانين بلا تلاعب، وتحصيل الضرايب دون تفرقة"، هكذا بدأ حديثنا مع الكاتب الصحفي المخضرم جمال الجمال، المعروف بمقالاته السياسية الجريئة، عن كثير من الأوضاع السياسية التي تمر بها بلادنا خلال الفترة الحالية، كما تحدثنا عن 5 سنوات مضت عقب أحداث ثورة 25 يناير، وفيما يلي من سطور معلومات أكثر وحديث موسع عن رؤيته للماضي والحاضر، وما هو قادم..

حضرتك لم تنتقد السلطة فقط بل انتقدت تشتت المعارضة، ولكن هل لدينا حاليًا معارضة بالفعل؟

- لكي نعارض، لابد أن تكون هناك رؤية واضحة لمسيرة المجتمع، لكي ندعمها أو نعارضها، ومشكلة مصر في غياب الرؤية، وابتعادها عن القواعد والمعايير التي يتيحها العصر لتنظيم المجتمعات، ولحكم الدول، باعتبار أن الدولة هي الشكل السياسي العصري لإدارة المجتمعات، فلا يصح أن نظل في مرحلة القبائل أو التجمعات العشوائية للسكان حول مصادر الرزق وفرص العمل، ولهذا فإن مشكلة السلطة، تتشابه إلى حد كبير مع مشاكل المعارضة، بل ومع مشاكل التفكير لدى بقية السكان إلا قليلا، نحن نعيش أزمة حضارية وثقافية، ومشكلة بصيرة، وبدون رؤية عصرية لحالنا ومشاكلنا، سيظل الصراع على الحكم أشبه بصراع الفتوات في الحواري الشعبية القديمة، يتغير اسم الفتوة دون أن تتغير اسباب الفقر والظلم ومظاهر الحكم.

هل اختلفت المعارضة (إن وجدت) عقب ثورة يناير؟ وهل مشكلتها بالفعل في عدم وجود قائد لها؟

- بالطبع أُتلفت صورة المعارضة، لكنها لا تزال بحاجة لما أوضحته بالحديث عن الرؤية، المعارضة بعد ثورة يناير، خرجت من دوائر العمل السياسي والحزبي بمعناه القديم التقليدي، إلى فضاء أوسع يتلاءم مع نوافذ ثورة الاتصال، ومع بزوغ عصر الجماهير الغفيرة، ليس بمنطق المليونيات السياسية التي ملأت الميادين، ولكن في اتساع حجم المشاركة، واضطرار الرأسمالية للخروج بمنتجاتها من حيز الطبقات الثرية التي تملك المال، إلى المساحات الواسعة من المستهلكين العاديين، بحيث لم تعد حتى منتجات المصانع والأفلام الجديدة، وموديلات الملابس وحتى حفلات الموسيقى قاصرة على طبقة أرستقراطية، بل صارت تستهدف الحشود الغفيرة، وهذا يعني أن ذوق الجمهور وثقافته، وطريقته في استهلاك الأفكار والمنتجات، ومؤشر رضاه على كل شيء من سرعة الإنترنت إلى القرار السياسي عامل مهم لابد من الانتباه إليه عند صناعة القرار، وهذا مالم يفهمه حكامنا بعد، ولا زالوا يتعاملون مع تصورهم المتهالك عن شعب لم يعد موجودا، وهو ما يسميه الإعلام الآن بنموذج "المواطنون الشرفاء" الذين يخدمون السلطة، ويعبرون عن توجهاتها بأساليب تؤكد أن الدولة ترعى التخلف، وتتمسك بفلول الزمن الذي فقد صلاحيته للاستعمال السياسي والاجتماعي أيضا.

تجربة الحكم خلال 5 سنوات أكدت لنا أن كل حاكم يتم اختياره، من أغلبية أو من جماعته، عندما يتصدر الحكم يتحول فجأة إلى ديكتاتور، فهل إن جاء حاكم الثورة من الممكن أن يخذلنا أيضا؟

- في رأيي إن "الثورة" ليست مشروع لنظام الحكم، الثورة مفهوم ومرجعية لمحاسبة نظام الحكم، وأنا ممن يؤمنون أن الثورة الحقيقية في الشارع.. في رأس وعين الناخب، وليست في قصر الحكم، فالسلطة دائما لديها نزوع للفساد والقهر، بحكم الهيمنة على أدوات القوة، لذلك يجب مراقبة السلطة، وتقييدها بكتاب القواعد (الدستور والقوانين) وبمصالح الشعب (دافع الضرائب ومصدر السلطات وصاحب المصلحى التي تجب أي مصلحة سواها)، ولهذا لابد أن نعيد تصحيح المعادلة فلا يصبح الحاكم هو السيد وهو الآمر، وهو المطاع، بل تصبح هذه الصفات للشعب، وما الحكام إلا منفذين يديرون مصلحة الشعب لتحقيق أفضل نتائج ممكنة، لكن للأسف نحن نردد ظاهر الألفاظ والكلمات كثيرا عن الدستور ودولة القانون، لكن ما يحدث على الأرض هو نموذج الدولة الإقطاعية حيث الشعب في حالة العبيد والحاكم هو السيد.

كيف نعالج الفجوة بين المعارضة والشعب بعد أن يئست قطاعات كبيرة من فكرة الثورة، واعتبروها نوعًا من الفوضى؟

- التطور لا يتم بالنصائح الشفوية، والوصفات الجاهزة، يمكنني أن اقول لك وصفة نظرية عظيمة، بينما الدولة وأجنحتها الداعمة من رجال الأعمال تحتكر الإعلام، وتسيطر على الفضائيات، وعلى فرص العمل ونوعيتها، وبالتالي كيف يمكن للمواطن أن يبني وجهة نظره السليمة، بل كيف يمكن أن يعيش في مجتمع لا يتيح لخريج الهندسة إلى فرصة العمل في خدمة العملاء في شركة اتصالات، هذا إذا كانت لديه واسطة ومميزات أخرى، وفيما عدا ذلك، سيكون سعيد الحظ لو عمل "طياراً" لتوصيل البيتزا في محل مشهور!

هل مصر في طريقها لمرحلة عنف مسلح قد تصل لحرب أهلية؟

- أستبعد ذلك تماما، لأن مظاهر العنف السياسي طوال تاريخ مصر، كانت ضد المستعمر الخارجي، مع عنف محدود تجاه السلطات الداخلية الظالمة، لكنني أعتبر العنف بكل أشكاله (السياسي، والاجتماعي، واللغوي أيضا) مؤشر لفساد الحياة، وعدم إمكانية استمرارها بهذا الاختلال، وبالتالي فهذا عنف للفت الأنظار والتنبيه، وللتعبير عن مدى الألم الذي يعانيه الناس، مثل آهات المرض.. الناس تقول "إحنا تعبانين وخايفين.. وما يصحش كده"!

هل مشكلة مصر إنها ليست دولة كفاءات، ولكن دولة تعتمد فقط على أهل الثقة؟

- نعم.. هذه سمة تاريخية، بغيضة، وصلت ذروتها في العصرين المملوكي والعثماني، واصبحت مقدسة مثل عَلَم البلاد.

كيف تفسر القبض على الشباب بكثرة ردًا على مظاهرات الأرض في أبريل الماضي؟

- المشهد واضح بالنسبة لي، وأحب دائما الزاوية التي أرددها دومًا عن الصراع بين القديم المتهالك والمستقبل الذي يطرق الأبواب بشدة تحت هاجس المقارنة بالعالم الذي نراه من حولنا، الشباب هو عنوان التغيير، وأي سلطة لا تدرك ذلك، ولا تنبه بصدق لاحتواء الشباب والتفاعل مع أفكاره العصرية، فهي سلطة متخلفة تستند فى وجودها على مدى قدرتها على القمع ووضع المتاريس في الطرقات بالمعنى الواقعي والمعنى الشعري والرمزي أيضا.

كيف ترى تحول لغة السيسي في خطاباته الأخيرة من "مايصحش كده" إلى "قالولي ماتخافش" وهل لها مبرر مقنع أو منطقي؟

- السيسي لا يمتلك أي مهارة شخصية، ولا حتى معلومات أولية عن الخطاب السياسي، وهذا ليس عيبا، إذا انتبه إليه وحاول تعويضه من خلال المؤسسات المساعدة، لكن المشكلة أن السيسي يتصور أنه كبير الكبراء وعالم العلماء، خبير الخبراء، وهذه آفة الحاكم الفرد في شكلها القديم، الحاكم العصري مؤسسة متكاملة، تمتد من إعداد الخطاب، وحتى لونة الكرافتة التي يرتديها وتسريحة الشعر، وهذا مؤشر على غياب الفكر المؤسسي عندنا حتى في أعلى المستويات.

هل الأزمات الإقليمية مع دول الجوار، والأزمات الدولية المتوالية سبب رئيسي في ارتباكنا الداخلي؟

- هي سبب ونتيجة في نفس الوقت، بمعنى أنها تزيد من الارتباك وتجعل مصر دائما في موقف رد الفعل، والدفاع أمام هجوم كاسح، وبالتالي لا يوجد وقت للتفكير والتقاط الأنفاس، لكن لو بدأنا بنقطة تركيز واضحة في الداخل، وصار لدينا اتجاه محوري لسياستنا ونظرتنا لبناء دولة تجمع مواطنيها ولا تشتتهم، فإن هذا سيكون أبلغ رد على الإقليم وعلى المجتمع الدولي، بل أن أي تحديات خارجية ستزيد من تماسك وتلاحم الشعب، وليس انقسامه تجاه أي حدث، لذلك فإن النقلة المهمة من وجهة نظري هي امتلاك رؤية داخلية مخلصة لمصالح الناس ومعبرة عن إيمان حقيقي بفكرة تحديث مصر حسب أرقي المعايير الدولية التي يمليها العصر.

ماهي رؤية حضرتك لـ "مصرالعصرية" التي كتبت عنها في أكثر من مقال؟

- إذا أردت أن أختصر الإجابة، سأقول أريد أن نبني مصر كما تحدث عنها أي دستور من الدساتير الخمسة التي وافق عليها الناس، نريد شوارع كما يقول العلم، نريد أن نشرب كوب ماء نظيف من الصنبور، وسرعة إنترنت قياسية، وشوارع نظيف، وتطبيق القوانين بلا تلاعب، وتحصيل الضرايب دون تفرقة، وخطة إنتاج تعدل الميزان المختل بين الصادرات والواردات، وشوارع نظيفة... وهي ما أسميه دولة معيارية حسب المواصفات المعروفة للدول، بل ولأي كومباوند أو منتجع من التجمعات الجديدة التي تغرقنا بها الإعلانات، ألا نستطيع أن نبني وطنًا نوفر له من المعايير، ما نوفره لأي فندق أو مول على أرضنا؟!

هل هناك أي احتمال للإطاحة بالسيسي قبل اكتمال فترته الرئاسية؟

- لا يشغلني هذا، ولا أتمناه لأي رئيس منتخب، إلا إذا خرج عن العقد الاجتماعي الشفوي الذي يحكم مصر منذ آلاف السنين (لأننا للأسف لم ننجح في توثيق عقد اجتماعي مكتوب ينتظم تحته الدستور ومنظومة القوانين)، وعلى كل حال فإن تحرك الشارع في أي دولة بالعالم، لايمكن أن يؤدي وحده إلى إسقاط رئيس أو حاكم إلا بعد انحياز آلات القوة في المجتمع للثورة الشعبية، وآلات القوة عندنا تتحرك بتوازنات محسوبة لدعم مصالحها قبل أن تفكر في مصالح الناس، والمقصود بآلات القوة ليست المؤسسات العسكرية والأمنية فقط، لكنها في المقدمة طبعا، ومعها سلطة المال والإعلام والمؤسسات الدينية والقضائية وغيرها.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل