المحتوى الرئيسى

قصص ومعان "12" | جريج مورتنسون.. الكتب والمدارس بدلاً من القنابل

05/26 14:44

وقع كتابه الأشهر "ثلاثة أقداح من الشاي Three Cups of Tea" في يدي منذ فترة، حين عثرت عليه على أحد مناضد بيع الكتب المستعملة قرب مقر عملي في لندن، وظل الكتاب ضيفاً في حقيبتي أينما ذهبت حتى انتهيت منه، كما ظلت قصة الرجل تراود مشاريع الكتابة لديّ شهوراً إلا أنني كنت أؤجلها المرة تلو المرة، حتى ختمت الكتاب وحسمت أمري على الكتابة.

جريج مورتنسون Greg Mortenson شاب أميركي كان يهوى تسلق الجبال داخل وخارج الولايات المتحدة، وحينما بلغ السادسة والثلاثين من عمره ذهب في إحدى المرات ليتسلق قمة جبل كاراكورام شمال شرق باكستان، أعلى ثاني قمة في العالم عام 1993، ورغم فشله في الوصول إلى أعلى قمة الجبل إلا أنه عاد إلى بلاده ليجمع الدولارات من أجل بناء أول مدرسة في إحدى قرى منطقة بالطيستان Baltistan وفاءً لوعد قطعه على نفسه لأهل قرية كورفا Korphe إحدى قرى الإقليم، الذين أنقذوه واعتنوا به حينما ضل طريقه وهو ينزل من أحد مرتفعات الجبل، بعدما تفرق الفريق الذي صعد معه الجبل، ليمضي منذ ذلك الحين حياته ذهاباً وإياباً يبني مئات المدارس والمشاريع الأخرى لأهالي قرى باكستان وعدد آخر من بلدان آسيا الوسطى طوال ما يربو على 20 عاماً.

كان مورتنسون قد وُلد عام 1957 في مينيسوتا بالولايات المتحدة، وما لبث والداه أن اصطحباه إلى تنجانيقا (تنزانيا الآن) بعد عام من ولادته، حيث عمل كلاهما لصالح إرسالية لوثرية، وهنا قضى 14 أخرى عاماً من حياته، أتقن فيها اللغة السواحلية، إلى أن عادت أسرته إلى الولايات المتحدة، وهناك التحق بمدرسة عليا حتى عام 1975، خدم بعدها في القوات المسلحة عامين، ثم عاد ليحصل على منحة رياضية، ثم ليكمل دراسته حتى حصل على بكالوريوس التمريض عام 1983.

ما بين عامي 1993 و1996 ظل مورتنسون يعمل دون مؤسسة رسمية، كان تركيزه الأساسي على بناء مدارس في قرى منطقة بالطيستان، خاصة لتعليم الفتيات، وذلك لانعدام المدارس أو سوء حالتها في تلك المنطقة، أو انعدام وجود معلمين بها؛ نظراً لكونها منطقة نائية، واعتمد في تمويل تلك المدارس على تبرعات المحسنين صغارهم وكبارهم، معتمداً على خبرته القليلة في ذلك، عبر المحاولة والخطأ، إلى أن قام أحد أهم هؤلاء المحسنين، وهو جان هورني Jean Hoerni أحد كبار المستثمرين الرواد في وادي السيليكون، بتأسيس مؤسسة لتمويل مشروعات بناء المدارس المجتمعية في كل من باكستان وأفغانستان وتدريب المعلمين المحليين ودعمهم وهي "معهد آسيا الوسطى Central Asia Institute".

وهو المعهد الذي تولى مورتنسون منصب مديره التنفيذي، ورغم تركز العمل في البداية في باقي قرى بالطيستان، إلا أنه توسع بعد ذلك ليشمل مناطق أخرى حتى وصلت مشروعاته عام 2008 إلى 55 مدرسة في باكستان، و8 مدارس في أفغانستان، وفي عام 2011 انطلق إلى كل من طاجيكستان ومنغوليا وقيرغيزيا.

شملت مشاريع المؤسسة بناء المدارس وصيانتها وتجهيزها ودعم مستلزمات التعليم فيها، كما شملت تقديم منح دراسية لمن يريد استكمال دراسته في المراحل ما بعد الابتدائية، كما شملت دعم المعلمين، وإنشاء مشاريع لتوفير مياه الشرب النظيفة للقرى، ومحو أمية السيدات وإنشاء مراكز مهنية لهن، كما شملت المشاريع أيضاً إنشاء بعض الكباري، ومركز لتدريب أدلة وحمّالي تسلق الجبال، وغير ذلك من المشاريع التي كان مورتنسون فيها هو البطل الرئيسي، يعاونه فريق من أهالي المنطقة، ويشرف عليه مجلس إدارة المؤسسة، فهو في آسيا الوسطى يجوب القرى والبلدات باحثاً عن مواضع مشاريعه الجديدة يتعرض للاختطاف مرة، وينجو من الموت وسط تبادل تجار المخدرات النار مرة، ويصدر ضد مدارسه فتاوى من الملالي الفاسدين مرة، أو في الولايات المتحدة يجوب الولايات عارضاً مشاريع المؤسسة داعياً إلى تمويلها.

وفي كل ذلك يفعل وقضيته الأساسية هي التعليم، وبخاصة تعليم الفتيات، لا يجلب لهم تعليماً أجنبياً من بلاده، ولكنه فقط يوفر الإمكانات لحصول الأطفال خاصة الفتيات في تلك البلاد على فرصة التعليم الحديث المتاح في بلادهم، وظل الرجل يؤمن أن على الولايات المتحدة إن كانت معنية حقاً بالقضاء على الإرهاب أن تسهم في بناء المدارس وتوفير التعليم بدلاً من أن تسهم في زيادة العنف بما تلقيه من قنابل على الأبرياء.

وحول جهوده ومشاريعه في المنطقة دوّن مورتنسون كتابه السابق ذكره الذي صدر عام 2007، وظل يحقق أعلى مبيعات "نيويورك تايمز" على مدى 4 أعوام، وأتبعه بكتابه الثاني عام 2009 "من أحجار إلى مدارس Stones into Schools" الذي يستكمل فيه قصة عمله الذي أشرف فيه بالجملة على بناء 171 مدرسة تقدم خدماتها لما يزيد على 64 ألف تلميذ، من بينهم 54 ألف فتاة.

حقاً إنه لشيء عجيب أن يأتي رجل من أقصى الغرب ليكرّس الجانب الأكبر من حياته كي يبني لأطفالنا كل تلك المدارس والمؤسسات، التي قصرت فيها الحكومات المتعاقبة في تلك البلدان، وفي المقابل ينفق الكثيرون هناك في تلك البلدان وهاهنا في "بلاد العرب أوطاني" الملايين والمليارات على السفه، إنه أمر يدعو للإعجاب بالرجل من جانب، وللأسى على حالنا من جانب آخر.

للمزيد عن جريج طالع ويكيبيديا

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل