المحتوى الرئيسى

الحكومة السعودية تتأقلم مع عصر التواصل الاجتماعي

05/26 09:26

(رويترز) - جاءت مشاركة عشرات الآلاف من الشباب السعودي في نقاش عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول خطط إصلاح اقتصاد المملكة المعتمد على النفط الشهر الماضي لتمثل تحولا في أسلوب تفاعل حكام المملكة مع رعاياهم.

فقد جرى العرف أن يسعى قادة الأسرة الحاكمة الذين يحكمون بالمراسيم، ويقيدون المعارضة العلنية بشدة لكسب الرأي العام من خلال مجالس غير رسمية يحضرها زعماء القبائل وكبار رجال الدين ورجال الأعمال أو مواطنون عاديون يرغبون في عرض مطلب أو تقديم التماس.

والسعوديون من أنشط الشعوب العربية استخداماً لوسائل التواصل الاجتماعي وقد بدأت أسرة آل سعود تحاول تشكيل النقاش العام على الإنترنت بحملات إعلامية تتم إدارتها بكل عناية وأقيل مسؤولون كبار بعد توجيه انتقادات لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال المحلل والمعلق السعودي محمد اليحيى "هذا محور تركيز جديد للحكومة وهي تسعى للتواصل مع الشباب السعودي الذي يرجح أن يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من غيره. وهذه أنجع وسيلة لجذب اهتمامه".

وكان من أبرز الأمثلة على ذلك في الآونة الأخيرة خطط الإصلاح الواردة في رؤية المملكة 2030 التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي ولي العهد (31 عاما). فقد استخدم فيها موقع تويتر إلى جانب وسائل الإعلام التقليدية في رسم التوقعات واستحداث الوسوم التي تصاغ من خلالها العبارات الرئيسية محور النقاش.

وشارك نحو 190 ألف مستخدم لتويتر في السعودية مشاركة نشطة في النقاش الذي دار حول الرؤية 2030 وأطلق ذلك أكثر من 860 ألف رسالة وفقاً لما ذكرته شركة سيميوكاست التي ترصد وسائل التواصل الاجتماعي ومقرها في فرنسا.

وقالت سيميوكاست إن ذلك معناه أن النقاش وصل إلى 46 في المئة من 7.4 مليون مستخدم نشط لتويتر في المملكة ووصفت هذا بأنه مستوى استثنائي للمدى الذي يمكن أن يصل إليه نقاش يدور برعاية دولة.

والأسباب وجيهة لحساسية الموضوع. فمنذ العام 2012، بلغت العواصف على وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة حول سياسات الحكومة أو أفعال مسؤولين كبار ذروتها بعزل خمسة من ذوي المناصب الرفيعة.

وقال ضياء مرة مدير الحسابات بشركة "ذي أونلاين بروجكت" للإعلام الاجتماعي في الرياض إن مستوى المشاركة معناه أن حتى الوزراء الذين ليس لهم حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي يستثمرون الوقت والمال في متابعة ما يقوله الناس عنهم على الإنترنت.

وأضاف "فالناس تحملهم مسؤولية ما يحدث وما لا يحدث".

وتتقاطع خطوط الاستخدام لوسائل الإعلام الاجتماعي للأغراض السياسية والدينية بين المواطنين السعوديين البالغ عددهم 21 مليون نسمة والمقيمين الوافدين من الخارج الذين يقترب عددهم من عشرة ملايين.

ومن بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين يحظون بمتابعة كثيفة بعض رجال الدين الأصوليين ومنهم أيضا من يعتبرون أنفسهم من الليبراليين.

وسمحت وسائل التواصل الاجتماع للشباب السعودي بالتفاعل بأشكال كانت مستحيلة من قبل في بلد جرى العرف أن يتم فيه ضبط النقاش من خلال مراسيم رسمية ومن خلال الموروث الثقافي ويحظر فيه الاختلاط بين الجنسين.

وتقول شركة آي مينا ديجيتال التي تعمل في السعودية إن تويتر أكثر شعبية بين المستخدمين في الفئة العمرية من 18 إلى 24 سنة ويحظى بمتابعة لصيقة من جانب المستخدمين في المرحلة العمرية من أواخر العشرينات إلى أوائل الأربعينيات وينقسم استخدامه بالتساوي تقريبا بين الرجال والنساء.

وقالت الشركة إن موقع إنستجرام لتبادل الصور أصبح القناة الرئيسية بين الشباب السعودي وثلاثة أرباع مستخدميه من النساء.

وتحدث وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في ندوة عن تويتر امتلأت فيها القاعة بالحضور في أحد الفنادق الفاخرة بالعاصمة الرياض، الشهر الماضي، فقال إن تويتر ليس مقياساً دقيقاً للرأي العام على الدوام لكنه يمكن أن يساعد في تتبع الاتجاهات.

وقال للحاضرين الذين كان أغلبهم من الشباب إن تويتر وسيلة مباشرة لا حواجز فيها.

ومع ذلك، فقد قال هو وساسة آخرون كبار من منطقة الخليج في الندوة إنهم يفضلون فرض قيود لمنع نشر رسائل مجهولة المصدر ومعاقبة المستخدمين الذين يخالفون المحظورات من خلال انتقاد الدين أو الدعوة لإنهاء الحكم الملكي.

وقد انتقدت جماعات حقوقية السعودية ودولاً أخرى في المنطقة لأنها سجنت بعض أصحاب الأصوات المعارضة على الإنترنت ومن بينهم المدون السعودي رائف بدوي الذي حكم عليه بالسجن عشر سنوات والجلد ألف جلدة بتهمة الإساءة للإسلام على الإنترنت.

وقد مضى عليه في السجن 18 شهراً منذ صدور الحكم لكن لم ينفذ فيه من حكم الجلد سوى 50 جلدة. وعندما سئل "الجبير" في مؤتمر صحفي هذا الشهر عن "بدوي" قال إن القضية معقدة وتنطوي على دعاوى مدنية ليست الحكومة طرفاً فيها.

وقالت صحيفة "عكاظ" اليومية إن محكمة في الرياض حكمت يوم الاثنين الماضي على رجل بالجلد 80 جلدة بسبب تغريدات انطوت على إساءة للبلاد بالإضافة إلى معاقرة الخمر.

ويقول دبلوماسيون في الرياض إنه رغم أن القضاء أصدر أحكاماً قاسية على المعارضين على الإنترنت الذين أثاروا غضب المتشددين فإن الشرطة تتجاهل في العادة انتقادات لشخصيات رفيعة على وسائل التواصل الاجتماعي تجاوزت كثيراً ما كان مسموحاً به من قبل.

وظهرت السطوة المتزايدة لوسائل التواصل الاجتماعي عام 2012 عندما أقال الملك عبد الله رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعين بدلا منه رئيسا تقدمياً نسبياً وذلك بعد أن انتشر مقطع فيديو يبين مضايقة أعضاء من الهيئة لأسرة في أحد المراكز التجارية.

في أبريل/نيسان عام 2014، عندما انتشر مرض متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (فيروس كورونا) في جدة اشتعل الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي مما رأي فيه المستخدمون تسترا على المرض، وأقال الملك عبد الله وزير الصحة.

ومنذ تولى الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود السلطة في يناير/كانون الثاني 2015، تزايدت هذه الحساسية فيما يبدو. وأعفي وزير ثان للصحة من منصبه وهو أحمد الخطيب الذي اعتبر على نطاق واسع من رجال الملك بعد أن ظهر في لقطات مصورة بهاتف نقال وهو يصيح في أحد المواطنين السعوديين خلال نقاش حاد.

وبعد أسابيع غير الملك سلمان رئيس الديوان الملكي بعد أن ظهر على الكاميرا وهو يصفع مصوراً صحفياً كان يغطي وصول العاهل المغربي إلى الرياض.

وشتان بين هذه التطورات وما كان يحدث قبل انتشار استخدام الإنترنت في السعودية عندما كان النقاش يقتصر على لقاءات غير رسمية أو على الصحف وقنوات التلفزيون التي نادراً ما كانت تحاسب المسؤولين أو توجه الانتقاد للسياسات الحكومية.

ومع ذلك تظل ثقافة التعبير العام عن الاحترام للحكومة قائمة. فقد قالت شركة سيميوكاست إن أكثر من ثلث ردود الفعل للرؤية 2030 على تويتر كان إيجابياً وإن النقاش ولد "شعوراً بالفخر" وتوقعات بتحقيق تقدم.

أهم أخبار تكنولوجيا

Comments

عاجل