المحتوى الرئيسى

حول رسالة تهديد الإخوان لقاضى التخابر | المصري اليوم

05/26 00:54

تهدد «الإخوان المسلمين» المستشار محمد شيرين فهمى، رئيس محكمة جنايات القاهرة، بالويل والثبور وعظائم الأمور فى حالة حكمه فى قضية التخابر المتهم فيها محمد مرسى ومعه قيادات من الإخوان فى الشهر القادم، وهى القضية المعروفة بـ«قضية التخابر مع قطر»، فى رسالة التهديد المعنونة بـ«رسالة اتحاد أساتذة القانون والشريعة الإسلامية»، التى تحمل داخلها الكثير من الأكاذيب والتضليل، لكن أكثر ما استوقفنى فى رسالة التهديد هذا التضليل الذى يمارَس باسم الله، وهو تكفير ولاة الأمر والمسؤولين والقضاة ورجال البرلمان ومَن شرع لهذه الأمة بما يخالف- كما يزعمون- شرع الله، وجاء فى الرسالة: «أى مسؤول أو وزير اشترك فى وضع قانون يخالف ما جاء بالقرآن فهو كافر وفاسق وظالم، ومَن أيَّد القانون الوضعى من القضاة ولم يعترض عليه ونفذه أصبح كافرا وفاسقا وظالما أيضا»، واستشهدوا بما جاء بالقرآن: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ»، والآية: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»، والآية: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ».

ونرد بإيجاز على التضليل بالحقائق التالية، التى أفاض فيها الكثيرون قبلى، أولاً: لا يمكن تفسير آيات القرآن بمعزل عن سبب التنزيل، لأنه الطريق الأصوب فى فهم معانى القرآن وتفسيره فى سياقه الطبيعى، وندلل على هذا الأمر بآيتين فى القرآن يخاطب بهما الله رسوله، الآية الأولى: «وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ»، فلو فسرنا الآية على هوى أصحاب قاعدة عموم اللفظ وليس بخصوص السبب، لكان المعنى أن النبى يخشى الناس ولا يخشى الله. والآية الثانية: «يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِى مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ»، فإذا كان التفسير على نفس قاعدة عمومية اللفظ لكان النبى يحرم الحلال على نفسه لرضا زوجاته، لكن لو رددنا الأمر إلى سبب التنزيل، فالأمر يختلف تماما فى التفسير والمعنى. الآية الأولى سبب نزولها هو إخفاء النبى قرار زواجه من زينب بنت جحش، ابنة عمه، حرجا أن يقول الناس: «تزوج محمد من زوج ابنه بالتبنى!»، فيصبح معنى الآية عتابا من ربه رقيقا، وليس اتهاما، والفارق بينهما كبير. وبالنسبة للآية الثانية فلها روايتان، الأولى: أن الرسول قد حرم العسل على نفسه لواقعة محددة، والرواية الثانية أنه قد حرم على نفسه مارية القبطية، إرضاء لزوجاته، لواقعة تمت فى بيت السيدة حفصة، ابنة عمر، فيصبح معنى الآية: رد ما أحله الله لنبيه، ولا يأخذ النبى نفسه على أمر قد حلله الله له ولغيره. الفارق فى التفسير كبير بين عمومية اللفظ، ورد الآية إلى سبب النزول كما أوردنا. نعود إلى سبب نزول الآية التى يستند إليها هؤلاء فى تكفير مَن لم يحكم بما أنزل الله، الرواية أن يهود المدينة طلبوا من الرسول الحكم فى أمر زنى الغامدية اليهودية، وكان الرجم فى التوراة هو عقوبة الزنى عند اليهود، وخففها اليهود على أنفسهم بالجلد لعدم استطاعتهم تنفيذ حد الرجم، فقصدوا الرسول لسؤاله علهم يجدون عنده المهرب أو يثبت عندهم التخفيف، لكن الرسول أعاد إليهم أمرهم، ونزلت لهم هذه الآية، ومعناها: «ومَن لم يحكم بما أنزل الله كما جاء فى التوراة فهو كافر، أى إنكار الحكم الخاص فقط»، و«كَفَر» تعنى «غَطّى»، فتقول: «كفَرَ الشىءَ أى غطّاه، كفرَ الليلُ بظلامه أى غطى نورَ النهار وحَجَبه»، ومن ثَمَّ يُقال: «ليل كافر، وكَفَر الفلاحُ الحَبَّ»، ومنه قيل للزُّرّاع «الكُفَّار»، «كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ»، فهذه الآية خاصة بواقعة محددة بذاتها ولأناس محددين بذاتهم، ينكرون الحُكم ويغطونه، وهذا هو الخلاف بين عمومية اللفظ وخصوصية السبب، فليست هناك علاقة بين الآية والكفر بالله كما يقصدون.

ثانياً: حول معنى كلمة حكم فى هذه الآية، فليس معناها إدارة شؤون البلاد، وهو المعنى الاصطلاحى الحديث، لكننا نفسر القرآن على معنى لغة زمانه وعصره، والحكم جاء فى القرآن على معنيين، الأول: الفصل فى النزاع والخصومة: «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ»، «ألَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ»، «وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ»، «اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل