المحتوى الرئيسى

قصة حياة جنيه مصري - الجزء الأول (ابن عز)

05/24 13:55

هذه التدوينة تحتوي على كلمات بالعامية المصرية

سنة 1834 حملت الشابة الحلوة (ست نهضة المصرية) من الدلعدي جوزها سي (محمد علي باشا) الكبير، بعد فترة حمل كلها أمل وشغف وانتظار، اتولد ولد حليوة ابن عز سنة 1836، وقرر أبوه إنه يسميه "جنيه" على اسم دكهوة الإنجليزي الذي لا تغيب عنه الشمس.

طب ليه يا سي "محمااااه" مسميتوش "قرش" واللا"بارة" على اسم جده العثمانلي واللي كان معروف في السوق المصري وقتها، دي حتى كلمة "جنيه" مش معروف لها أصل ثابت ولا فصل.

احمر الباشا وزنهر، ورطن بالعربي المكسر عثمانلي وقال:

سوس، خرسيس، أدب سيس، ابن حظرتنا دهب أصلي، وجده نحاس حقير.

وبعدين حك دقنه، وهرش في قفاه ونبرة صوته وطيت شوية وقال:

بصراحة الست "نهضة المصرية" والدة ابن حظرتنا، مش بتستريح في جده، وعلى طول بينهم نقار ومشاكل، وهي اللي قررت تسميه على اسم "الجنيه الإسترليني" اللي تاريخه يرجع لـ400 سنة، واللي أوروبا والعالم بيعملوا له ألف حساب، عشان ابنها يكون له حظ من الشهرة والهيبة، وخصوصاً إنه دهب أصلي ومأصل ومسنود بأمه وأبوه.

وهكذا أيها السيدات والسادة نزل الجنيه المصري للعالم، وظل جنبه في السوق جده العثمانلي القرش والبارة، بس اتحسن شكل القرش وبقى عقبال أملتكم "فضة" بدل "نحاس" وخد ختم صنع في مصر بدل ما كان بييجي من تركيا.

الست "نهضة المصرية" كانت حريصة إن ابنها ينزل يشتغل من أول يوم ويساعد أبوه، والحقيقة إنه كان ابن حلال وشاطر ودماغه حلوة، لدرجة إن كل العملات التانية كانت بتخطب وده وعايزة تشتغل معاه وتشاركه في مشاريع الست والدته اللي بيديرها أبوه، واتملا السوق المصري بكل العملات، إيشي فرنك فرنسي وليرة إيطالي وشلن نمساوي، وحتى الجنيه الإسترليني جاله لحد باب بيته يطلب وده. أصله كان دهب وقيمة وسيما ويساوي من القروش العثمانلية 100.

وسنة 1862 وكانت الوصاية عليه وصلت لـ"محمد سعيد" باشا ابن "محمد علي" واللي قال لك: أنا زي بابا، في الشدة شديد، وأحب أضيف.

تضيف إيه يا سعيد باشا؟؟ قالك هعمل عملة جديدة، منها أسهل على الناس شيل الفكة، ومنها تبقى عملة عليها اسمي، واخترع عملة جديدة تساوي من القروش 10، ولأنه صنعها في "باريز" اللي هي "باريس"، قام مسميها "باريزة"، أصل جنابه كان زي القرع يمد لبرة، المهم إنه اتولدت الـ"بريزة" على إيديه، وأصبح الجنيه يساوي 10 "باريزة".

وبوصولنا لسنة 1899 كانت الوصاية للجنيه وصلت للخديوي "عباس حلمي" الثاني، اللي كان اتخنق من جده العثمانلي، ومناخيره المحشورة في كل شؤون الست "نهضة المصرية" والدته المصونة، وهي أصلا حمقية وطبعها حامي. وراح عامل للجنيه نيو لوك ستايل آخر حاجة، حولة من شكله المعدني إلى شكل جديد ورقي، يعني بدل ما الناس تشيل صرة من الدنانير زي بتاع الأفلام التاريخية، عمل ورقة شيك جميلة عبارة عن "صك" أو "سند" يعطي الحق لحامله باستبداله من البنك الأهلي المصري بـ7.45 جرام دهب (شوف حضرتك دلوقتي جرام الدهب بكام ودعنا نلطم معا في صمت).

وهكذا ولأول مرة في التاريخ يأخذ الجنيه شكله الورقي المتعارف عليه، وصار الجنيه مقسما إلى 100 قرش، ولكنها قروش مختلفة عن القروش العثمانلية المقسمة بدورها إلى 40 "بارة" عثمانلي، إذ إن القرش المصري الجديد صار مقسماً إلى عملة جديدة اسمها "مليم"، والقرش يساوي من هذا المليم 10 وحدات، وكلمة "مليم" تأتي من الكلمة الفرنسية "millieme" التي تعني 1000, حيث إن الجنيه يساوي 1000 "مليم".

واستطاع الجنيه أن يطرد جميع العملات الموجودة في السوق، بفضل نفوذ الست والدته "مدام نهضة المصرية" التي أعلنتها صراحة: مفيش حد هيشتري ويبيع في البلد دي إلا عن طريق ابني وفلذة كبدي الجنيه المصري، واللي عاجبه الكحل يتكحل واللي مش عاجبه يرحل. وهكذا اتبع الجنيه اعتماداً على نفوذ أمه مبدأ "اكبر وسيطر" وصار واحدة من أقوى العملات في العالم.

واتخذ الجنيه أشكالاً عدة، فهو يتغير بتغير الحاكم الذي آلت الوصاية للجنيه عليه؛ ليأتي بصورة الحاكم الجديد منقوشاً عليه، لكن أغرب جنيه تم إصداره هو الجنيه الذي أصدره السلطان أحمد فؤاد (الملك فؤاد لاحقاً)، في العام 1917, إذ صدر الجنيه المصري يحمل صورة "عم إدريس" جنايني قصر عابدين، أي والله زيمبؤلك كده، الجنيه كان عليه صورة جنايني القصر.

والقصة باختصار أن "إدريس" الجنايني رأى في المنام أن الأمير "أحمد فؤاد" يجلس على عرش مصر، عمك إدريس مكدبش خبر وراح للأمير وحكى له الحلم، وطبعاً الأمير اندهش واستبعد الموضوع وقال له: إزاي هبقى سلطان وبيني وبين العرش أخويا، أنا فين والعرش فين؟؟

لكن عم إدريس قال له: عيب عليك يا فؤش، أحلام عمك إدريس ما بتنزلش الأرض أبداً.

فالأمير تفاءل وانكشح وخدته الجلالة وقاله: عارف يا إدريس لو حلمك رشق وبقيت سلطان ده أنا أحط صورتك على الجنيه.

وتشاء الإرادة الإلهية ويموت السلطان "حسين كامل" ويتنازل ابنه الأمير "كمال الدين حسين" عن العرش، ويجلس الأمير "أحمد فؤاد" التالي في ترتيب ولاية العهد على عرش مصر ليصبح السلطان "أحمد فواد"، فيبر بوعده ويصدر الجنيه في العام 1917 حاملاً صورة "إدريس" جنايني قصر عابدين.

والحقيقة أنه مع بداية الحرب العالمية الأولى بدأت مرحلة جديدة بالكلية في حياة الجنيه المصري، كانت بداية لصفعات عديدة تالية على قفا ابن العز الجنيه المصري، مراحل سنفرد لها حلقات جديدة من هذا المقال، لكن يبقى هنا أن نتذكر بحسرة قيمة الجنيه المصري ولماذا كان واحداً من أقوى عملات العالم.

فبالجنيه يا سادة كنت تستطيع شراء 1000 بيضة، ثمن البيضة مليم، وبالجنيه كنت تستطيع في الثلاثينات أن تسافر لمدينة المنيا من القاهرة بجنيه على طائرات "مصر للطيران" وخمسين قرش لو هتنزل في أسيوط فقط.

بل إنك تقدر تأجر طيارة تتفسح بيها بـ25 قرش، كأنك هتاخد فلوكة في النيل.

وكنت بـ80 جنيهاً تستطيع أن تشتري سيارة فخيمة.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل