المحتوى الرئيسى

كيف نربى أبناءنا على أن يصبحوا مستبدين!

05/24 13:55

في الشارع ضرب ابنه بعمر الخمس سنوات على وجهه بقوة؛ لأنه لم يرضَ أن يلبس الجرابات، ولبسها بعد اللطمة.. هل انتهت القصة؟

هل النتيجة السريعة تدل على أن طريقتنا صحيحة؟ هل هذا الحل السهل؟ هل هكذا يتروض البشر؟

الإنسان الذي يتميز عن الحيوان بأن لديه إضافة للغرائز الجامحة عقلاً وروحاً سيكلمانه حين يكون مع نفسه، هل يستطيع أحد أن يفرض عليه شيئاً طوال حياته؟

كبر الطفل وأصبح شاباً وأبوه يقول: "لو ربيت كلب كان أوفى منه!".

عدا عن أننا يمكن أن نتوقع كيف يتعامل هذا الشاب مع غيره، ولا ننسى كيف يتعامل مع نفسه أيضاً.

في رأيي (والأمر نسبي طبعاً قد يكون مستفحلاً أو لا يذكر، لكن يبقى موجوداً) أنه سيكون واحداً من اثنين: إما أنانياً لدرجة عنيفة وينتقم من الناس تلقائياً بعدم الاكتراث لشعورهم فلا يقدر أن يحب إلا لينجز مصلحة، وهو هكذا حتى يسترد اعتباره ويحافظ على ثقته بنفسه المزعزعة أصلاً.

أو أنه سيكون ممن يرتعبون من رأي الناس فيهم ويؤنب نفسه وقد يكون تعامله جيداً مع أبيه وأمه، لكنه يعرف أنه فاشل بعقل أعجزه الترويض ويجسد ذلك بخوفه، ولا يقدر أن يعيش بمسؤولية ومبالاة واستقلال.

هذا هو الحل السهل الذي يؤدي إلى نتيجة صعبة، وقد يعيد الابن تربية أولاده بنفس الطريقة وحينها نكتشف ونقول من الضحية، الأب والأم والابن والابنة.

حين نرى مجتمعاتنا تعيد منذ مائة عام نفس النسخة وتنتج نفس العقد ونفس المشاكل الأخلاقية والاجتماعية ونفس التعب والعجز الروحي.

إذن كلنا ضحايا تكرار الأسلوب التربوي الفاشل الذي قد يكون مرتبطاً ببعض حتى لا أقول بكل التقاليد الفاشلة. كلنا ضحايا لكن هناك ضحايا انتصرت على ضعفها وسوء معاملتها بالعقل والروح اللذين لديها.

نسبة قليلة لكن هؤلاء هم الرواد وهم من ينقذون غيرهم من الضحايا بكلمة أو بفعل أو بتوجيه. إنهم الإنسانية ورحمتها واحترامها ومتعتها بعقلها وروحها.

لكن هؤلاء الرواد يجب اكتشافهم ووضعهم رؤساء على مجال التربية؛ لأن الضحايا كثر، والعمل كثير، والجلادين كثيرون، الجلادون الذين هم أضعف الضحايا لكن هم أكثرهم تعنتاً وتمسكاً برأيهم النوع الأناني الذي تكلمنا عنه.، الأشخاص المحاربون من أجل أن يسيطروا، المثيرون للشفقة بسبب حياتهم المليئة بالتوتر والغضب والكره.

وللأسف هؤلاء يصلون بسهولة أكثر بسبب دافعهم الانتهازي القوي إلى المراكز في الدولة والدين والمجتمع ككل.

وهنا تكمن المشكلة حين يترك النظام الحاكم مجتمعه تحت رحمة هؤلاء الأشخاص ويستعمل الأسلوب السهل مثل الأب تجاه ابنه.

حين يكون النظام مريضاً وأسياده يلاحقون المال والسلطة لن يرضى أن يعين بمركز قريب منه كما نعرف جميعاً أحداً من الرواد المنتصرين على أنفسهم وفساد المجتمع؛ لأنه حينها سيظهر فسادهم. سيصبح الأب (النظام بوزرائه برجال دينه) يستعمل الحل السهل مع ابنه (الشعب)؛ لأن الحل الصعب يحتاج أموالاً وفكراً ومنهجاً علمياً وأخلاقياً. وقد فات القطار إذ قد تم تعيين رجال بلاط الملك من النوعية المثيرة للشفقة المتخلية عن عقل إنسانيتها وروحها.

وهؤلاء الرجال ذئاب، وكل ذئب يريد حصته التي حين تجتمع مع حصص زملائه سوف تستنزف من النمو الروحي والأخلاقي والفكري لحياة الخراف المذبوحة التي تعجز عن تغيير نوعية الأجيال القادمة المستنسخة تحت نير الجهل بالإنسان الذي هو الوطن. يصبح الدين جاهلاً حين يتولاه رجل السلطة لا رجل الفكر والروح. يصبح التعليم جاهلاً حين يتولاه من هو أصلاً عبد تحت سيف التقاليد الجاهلة والدين الجاهل المتولي من السلطة الحاكمة عن غير قصد؛ لأنها ليست معنية بهم هي تلاحق تعزيز وجودها الخائف، وإن وجود هذا السيف هو الحل السهل. حين يصلهم (المسؤولين بكافة مستوياتهم) خبر أن هناك تعليماً معيناً يتم في جامع معين أو تقصير في مدرسة معينة أو جامعة معينة فإنهم يتجاهلون ذلك؛ لأن الأمن والوطنية المزيفة المبجلة لسيادتهم وليس لمصلحة الوطن، أهم من تربية الجيل لا يهم ما هي أحوالهم المهم دوام الحال ونسوا أنهم بالحل السهل سيصلون للنتيجة الصعبة. سيقوم الابن ويرد اللطمة لكن الأمن لن يسمح له، فهو حينها سيردها على نفسه بإساءته لشخصه وحياته بعجزه وجهله، وسترتد هذه اللطمة على غيره حتى تصل لتزعزع البيت كله وسينكشف زيف الوطنية التي تم تعزيزها بالقوة وليس الأخلاق. سنتعرف على أبناء في وطننا مستعدين للقتل والاغتصاب والغضب داخلهم بركان.

سنتعرف على رجال دين وجدوا قيمتهم المفقودة بالتحليل والتحريم حتى لو سالت الدماء وحرقت الأرواح بالأسى والكبت والاحتقار واثبتو شخصهم بجلد النساء وتشويه حياتهم ليخلقوا تحت أيدي هذه النساء شعباً مشوهاً بمبادئ مقلوبة منافقة يمارس الحل السهل على بعضه البعض.

سنتعرف على وحوش كانت كامنة اتهموها أنها ليست من هذا الوطن ومدسوسة من عوالم أخرى لا تعرف قيمة الحياة ومتعة الحرية وحتمية الاختلاف. سنتعرف أن التصرفات اللاأخلاقية القديمة الصغيرة التي كنا نراها باعتياد مثل رمي عقب سيجارة على الأرض أو رمي الأوساخ من شباك السيارة هي تدل علينا وعلى فصلنا لذاتنا الأنانية عن ذات من يأتي لينظف قذارتنا يدل على فصلنا لذاتنا الأنانية عن الذات الكلية التي هي الناس كلهم في هذا الوطن مع كل الشوارع والأبنية والمؤسسات. ذاتنا الأنانية التي بدأت بقطع الأشجار وقتل المختلف عنا، ذاتنا التي تبحث عن راحتها بسهولة بجهل مخيف سيوصلها للنتيجة الصعبة المدمرة. والهدم أسهل من البناء، لكن آلامه مخيفة نراها الآن وجهاً لوجه، لكن المصيبة أن نبقى لا نعرف السبب ونمارس نفس أنانيتنا برمي التهم على غيرنا.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل