المحتوى الرئيسى

بنجلاديش.. ما الذى يجرى فى دكّا؟ (1-2)

05/21 22:36

تتحدث آسيا عن سيدتيْن وحزبيْن وتاريخيْن.. عن الشيخة «حسينة واجد»، الزعيمة ابنة الزعيم، وعن الشيخة «خالدة ضياء»، الزعيمة زوجة الزعيم. وتتحدث صحف آسيا عن انتقال التاريخ إلى قلب الحاضر وعودة الحاضر إلى قلب التاريخ.

فى بنجلاديش صراع بين السلطة وحركات الإسلام السياسى المتشددة.. قضايا ومحاكم، سجون ومشانق.. وبينما يبدو لمن يتصفحون الشئون الخارجية فى الصحف أن الأمر يتعلق بصدامات اللحظة الراهنة، غير أن الحقيقة هى كونْ الأمر يتعلق بصدامات مضى عليها أكثر من أربعين عاماً.. حين وقف المسلمون ضد المسلمين واشتدّ الجهاد ضد الجهاد.

عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، جرى تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، شكّل المسلمون فى شرق الهند (البنغال الشرقية) وغرب الهند (السند والبنجاب) دولة باكستان المسلمة.

أصبح اسم البنغال الشرقية «باكستان الشرقية»، وأصبح اسم الجزء الغربى «باكستان الغربية».. ومن الجزءين معاً تتكون دولة «باكستان» المسلمة.

شعر سكان «باكستان الشرقية» فى البنغال أن «باكستان الغربية» لا تنظر لهم بالتقدير الكافى، وأن وجودهم هامشى فى الدولة الإسلامية الجديدة. وانتقد مفكرو البنغال اسم «باكستان» نفسه الذى لم يتضمن أية حروف من البنغال، حيث جاءت كل حروف الكلمة من باكستان الغربية وحدها.. فالباء من إقليم البنجاب، والألف من إقليم أفغانستان، وهو الإقليم الحدودى مع أفغانستان، والكاف من كشمير، والسين من السند، والمقطع الأخير «تان» من إقليم «نالوشستان».

كان تصوّر مسلمى البنغال أنه ستكون لهم الهيمنة الثقافية واللغوية على الدولة، وأن البنغالية ستكون لغةَ باكستان، كما أنهم قدّروا -وكان تقديرهم دقيقاً- أنهم سيفوزون فى الانتخابات العامة، وسيكون تشكيل الحكومة من الجزء الشرقى.

لكن ما حدث كان نقيض التصورات البنغالية، فلم يتم اعتماد البنغالية كلغة للبلاد، وفى عام 1970 جرى إلغاء الانتخابات التى فاز فيها سياسيون من الجزء الشرقى، بل وتم اعتقال الزعيم السياسى للشرق الباكستانى الشيخ «مجيب الرحمن».

لقد زاد من وطأة الحِنق البنغالى على حكومة باكستان.. تهاون الحكومة الشديد فى التعامل مع إعصار عام 1970 الذى عصف بالبشر والحجر فى بنجلاديش. ويروى «محمد حسنين هيكل» فى كتابه «أحاديث فى آسيا»: فى تلك الليلة (12 نوفمبر 1970) جاءت من المحيط (8) موجات من المد العالى بارتفاع (10) أمتار.. اكتسحت شواطئ باكستان ثم عادت، بعد أن سحبت نصف مليون إنسان، تحولوا فى ساعات مروعة من بشر إلى جثث، وبيوتهم وحقولهم وراءهم خراب ودمار.

ويكمل «هيكل»: كان المحزن أن أى نظام للأرصاد الجوية كان كفيلاً بالإنذار استعداداً للمأساة؛ لأن الأعاصير كانت تتجمع فى المحيط قبل هجومها بأيام. ولكن الأكثر مدعاة للحزن أن جهود الإغاثة الباكستانية لم تزد عن جولة لجنرال فوق المناطق المنكوبة راكباً طائرة هليكوبتر.. وبعد النزول من الطائرة تمَّ منع الصحافة!

ثار المسلمون فى الشرق على المسلمين فى الغرب.. فقام الجيش فى غرب باكستان بعمليات عسكرية واسعة ضد شرق باكستان. وكانت الحرب واحدة من أسوأ الحروب فى شبه القارة الهندية. أطلق الجيش الباكستانى «عملية الضوء الكاشف» من أجل الجهاد ضد الانفصاليين «المسلمين»، وأطلق الانفصاليون المسلمون الجهاد ضد المعتدين «المسلمين».. وأصبح «الجهاد ضد الجهاد» عنوان المشهد الصادم فى البلاد.

استغرقت الحرب تسعة أشهر، امتدت من مارس 1971 إلى ديسمبر 1971.. وقد دعمت الهند بنجلاديش ضد باكستان.. فقامت باكستان بالهجوم على الهند عند حدودها الغربية، لكن الجيش الهندى هزم الجيش الباكستانى فى حرب 1971، وتم أسر أكثر من (90) ألف أسير باكستانى، وكان ذلك أعلى رقم للأسرى منذ الحرب العالمية الثانية.

استهدفت باكستان فى حربها ضد بنجلاديش قتل النخبة البنغالية، وتصفية البلاد من أى كفاءات تكون قادرة على إدارة البلاد.. فتم قتل المفكرين والسياسيين والأدباء والأطباء والمهندسين.

فرّ عشرة ملايين مسلم بنغالى إلى الهند «الهندوسية» من هجوم الجيش الباكستانى المسلم.. ووصلت أعداد القتلى إلى مئات الألوف من المسلمين البنغال، وتقول مصادر غربية وآسيوية إن عدد القتلى فى بنجلاديش بسلاح الجيش الباكستانى زاد عن نصف المليون قتيل.

وقد نقل «هيكل» فى كتابه رواية زعيم الاستقلال فى بنجلاديش الشيخ «مجيب الرحمن» عمّا حدث: «فى 25 مارس 1971 نزل الجيش الباكستانى إلى الشوارع وبدأت المذبحة.. بالمدافع والدبابات.. قبضوا علىّ ونقلونى إلى سجن فى باكستان الغربية.. قتلوا ثلاثة ملايين فى عشرة شهور.. هتكوا عرض (200) ألف فتاة.. وقد هرب بعضهن، وانتحر بعضهن من العار.. لقد قاموا بمذبحة الصفوة.. أخذوا كل أساتذة الجامعات، كل كبار الأطباء، كل مشاهير الكتّاب.. قتلوهم جميعاً، وجدنا جثثهم فى حفرة ضخمة.. هل هذا هو الإسلام؟.. لقد دمّروا (600) جسر على أنهارنا.. نسفُوا كل أرصدة العملات الأجنبية التى كانت هناك.. اختفت الوثائق الرسمية فى دور السلطة والحكم، حتى لا تعرف بنجلاديش لنفسها رأساً من قدم»!

نقل «هيكل» رواية مضادة لرواية الشيخ «مجيب الرحمن»، وهى رواية الجنرال «تيكا خان»، قائد الجيش الباكستانى: «لقد قدمتُ تقريراً بعد الحرب.. كان عدد القتلى عشرة آلاف فقط حين تركت دكّا، ولو تجاوزنا فإن العدد وصل ثلاثين ألفاً فى نهاية الحرب.. قالوا إن هناك (200) ألف حالة هتك عرض.. كيف؟ ماذا كان يفعل جنودى هناك؟ هناك بعثة كاثوليكية قالت إن حالات هتك العرض أربعون ألف حالة، وهذا غير صحيح أيضاً، إنها أربعون حالة فقط.. الاغتصاب جريمة، وأنا مسلم وأعرف أن الاغتصاب فى الإسلام أكثر من جريمة. لقد أرادت بنجلاديش لنا الهزيمة والعار».

لكن «هيكل» الذى زار المنطقة عقب الأحداث، لم يأخذ برواية «تيكا خان»، وقال إن الجيش الباكستانى قتل نصف مليون على الأقل من المسلمين فى بنجلاديش.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل