المحتوى الرئيسى

عبد العزيز الروشدي يكتب: لُغتنا العربيّة.. إلى أين؟ | ساسة بوست

05/21 11:47

منذ 1 دقيقة، 21 مايو,2016

أشارت آخر الإحصائيات بأن هناك أكثر من 430 مليون نسمة يتحدّثون اللغة العربية حول العالم. كذلك تمّت المقارنة بين أربع من أهم اللغات الحية اعتمادًا على عدد الكلمات في كل لغة والتي ذُكِرَتْ في أهم المعاجم والمراجع المتوفرة حسب كل لغة وكانت النتيجة كالتالي: عدد الكلمات العربية بلغت 12,302,912 كلمة من غير تكرار، وعدد كلمات اللغة الإنجليزية بلغت 600,000 كلمة، وعدد كلمات اللغة الفرنسية بلغت 150,000 كلمة، بينما بلغ عدد كلمات اللغة الروسية 130,000 كلمة.

فهذا التفوّق الكاسح لمفردات اللغة العربية إنما هو دليلٌ قاطع على ثراء هذه اللغة، بل على ثراء هذا الإرث الإسلامي العظيم.

قال إرنست رينان وهو أحد المفكرين الغربيين في كتابه (تاريخ اللغات السامية): «من أغرب المدهشات أن تنبت تلك اللغة القوية، وتبلغ درجة الكمال وسط الصحاري، عند أمة من الرُحّل، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها، ودقة معانيها، وحسن نظام مبانيها».

ولم تكن اللغة يومًا – أيًا كانت – عائقًا من عوائق النهضة أو عقبة في طريق التقدم والرُقي، على العكس تمامًا فربما نشأت لغة من العدم وأسست حضارة وسطرت تاريخًا.

ففي القرون الوسطى كانت اللغة الإيطالية الحديثة التي نعرفها اليوم لغة عاميّة مهمّشة لا تكاد تُذكر، وكان الخاصّة يزدرونها ويدعونها بلغة «الهمج».

ومع ذلك فقد تمسّك بها دانتي وفرانسيس وغيرهم من فلاسفة ذلك العصر ونظموا بها قصائدهم وموشّحاتهم الخالدة، بعدها أصبحت تلك اللهجة لغة إيطاليا الرسمية.

كذلك سار بنو إسرائيل على النهج ذاته عندما قدّسوا لغتهم العِبريّة واتخذوها لغة رسمية وأسسوا بها جامعاتهم ومعاهدهم.

قال جبران في إحدى مقالاته: «كان الغربيون في الماضي يتناولون ما نطبخه فيمضغونه ويبتلعونه محوّلين الصالح منه إلى كيانهم الغربي، أما الشرقيون في الوقت الحاضر فيتناولون ما يطبخه الغربيون ويبتلعونه ولكنه لا يتحوّل إلى كيانهم بل يحوّلهم إلى شبه غربيين».

ومع ازدياد هوسنا بهذه اللغات فقد أصبحنا نسوق أبناءنا منذ نعومة أظفارهم إلى المدارس الأجنبية التي انتشرت في كل بقعة وفي كل واد، حتى أصبحت ملاجئَ لهم لا ندري ماذا يُدرّسون! وماذا يغرس في نفوسهم! وماذا يسقون من معارف وعلوم!

بيد أننا لا نرى أي هشاشة أو ضعف في لغتنا العربية حتى نُهمّشها بهذه الطرائق المؤسفة! ولا نرى أي مسوّغ لتقهقرها أمام اللغات الأخرى بمجرد الاحتكاك بإحداها، على العكس تمامًا فبإمكاننا التكيف معها ومع مقتضيات العصر.

قال المؤرخ الإنجليزي ويلز: «كل دين لا يسير مع المدنيّة في كل أطوارها فاضرب به عرض الحائط، وإن الدين الحق الذي وجدته يسير مع المدنيّة أينما صارت هو الإسلام. ومن أراد الدليل فليقرأ القرآن وما فيه من نظريات ومناهج علمية وقوانين اجتماعية، فهو كتاب دين وعلم اجتماع وخُلق وتاريخ، وإذا طُلِب مني أن أحدد معنى الإسلام فإنني أحدده بهذه العبارة (الإسلام هو المدنيّة)».

وممّا يدعو للدهشة والعجب أن نشاهد دولنا العربية والإسلامية التي تتحدث بلغة الضاد تتخذ من اللغة الأجنبية أساسًا لها في التعليم الجامعي لتكون بذلك مواكبة للعصر وتطوّراته!

وهنا أتساءل هل مواكبة العصر وتطوّراته تكون بعزل اللغة الأم عن التعليم الجامعي والاعتماد على لغة أخرى؟

لا أظنُ ذلك إطلاقًا، فالحضارة الإسلامية منذ نشأتها كانت مزدهرة وغنية بإرثها الحضاري والعلمي، ولم يتأتَّ ذلك إلا من خلال الاعتزاز بالهوية والدين واللغة، حتى كان الغرب يتغنّون بهذه الحضارة، بل جُلّ علومهم التي نشاهدها اليوم انبثقت من اجتهادات علماء المسلمين ومؤلفاتهم واختراعاتهم.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل