المحتوى الرئيسى

إلهامات "ثقافة النصر" في عالم الساحرة المستديرة

05/21 11:03

جسدت ثلة من شباب مصر بعض المعاني النبيلة وإلهامات “ثقافة النصر” عندما تمكن فريق النادي الأهلي المصري والشهير “بالمارد الأحمر” أمس الجمعة من الفوز في مباراة ودية مع فريق كبير وعريق في عالم كرة القدم أو “الساحرة المستديرة” وهو فريق روما الإيطالي.

وفي لحظات مفعمة حقا بالأحاسيس النبيلة والآمال العظيمة لجماهير الفريقين جاءت مباراة الأهلي وروما على استاد هزاع بن زايد بالإمارات، فيما فاز “المارد الأحمر المصري” بأربعة أهداف مقابل ثلاثة أهداف لفريق روما، بينما يجتاز الأهلي الميل الأخير أو الكتلة الزمنية الحرجة في الدوري الممتاز بمصر.

وفي الكتلة الزمنية الحرجة بأية بطولة رياضية سواء في مصر أو غيرها لايمكن القول إن الأمر قد حسم تماما “فالكرة مازالت في الملعب” والفوز في المباريات القليلة المتبقية هدف الجميع حتى أن لويس فان جال المدير الفني لفريق مانشستر يونايتد قالها بصراحة ووضوح منذ فترة “لايهمني لو لم تتمتع جماهير فريقي بأداء اللاعبين في الدوري الإنجليزي الممتاز”.

واستدرك موضحا :إنما كل مايهمني والدوري على مشارف نهايته أن يفوز مانشستر يونايتد في المباريات القليلة المتبقية في البريمير ليج” على الأقل لتحسين مركزه والخروج بصورة مشرفة وبالتأكيد أن كلاوديو رانييري المدير الفني للثعالب أو فريق ليستر سيتي الذي توج ببطولة البريمير ليج وجسد بدوره الكثير من المعاني والإلهامات لثقافة النصر كان أكثر تلهفا على الفوز .

ومن هنا تبدو “السرعة على المستطيل الأخضر” من العوامل الحاسمة للفوز والحسم ويكاد أغلب النقاد في الصحافة الرياضية الغربية يتفقون على مقولة لكل لاعب في الفريق الذي يطمح للفوز بالبطولة “انطلق نحو مرمى الفريق المنافس وسجل هدفا”.

وفريق ليستر سيتي الذي فاز ببطولة الدوري الإنجليزي هذا الموسم كان مهددا بالهبوط من البريميرليج في الموسم الماضي، فيما اعتمد على الهجمات المضادة السريعة كأسلوب اعتمده للتتويج ببطولة البريمير ليج.‎‏

وفي كتاب “الكرة الهجومية” لجاي ميللر سيبدو الفارق كبيرا وواضحا بين الكرة الهجومية بمعناها الشامل كما يوضح هذا الكتاب وبين الهجمات المضادة السريعة وكلاهما له تكتيكاته المختلفة، كما أن كل منهما يختلف في متطلباته من مهارات اللاعبين وحتى التصويب واللمسات النهائية ناهيك عن “الذهنية” أو التفكير واستراتيجيات الاستحواذ على الكرة.

فالذهنية أو العقلية الهجومية تبدأ من خط الدفاع للفريق وبمفهوم “المشاركة الكاملة” وخلق الفرص الهجومية كما يوضح هذا الكتاب ومن ثم فهذه “الذهنية المولدة للأهداف” قد تكون أهم حتى من صيغة تشكيل الفريق أو التقسيمة التي تتغير من وقت لآخر سواء كانت (5-3-2) أو (4-4-2) أو أية تقسيمة أخرى على تعدد الصيغ وتجدد الطرق.

والحقيقة أن ليستر سيتي وأن كان يشكل الآن للكثيرين نموذجا جديدا وملهما في عالم الساحرة المستديرة ليس أول فريق من الفرق البعيدة عن الأضواء يشكل هذه الظاهرة..فتلك الظاهرة عرفتها مصر مثلا عندما فاز فريق النادي الأوليمبي بالدوري في عام 1966 ولأول وآخر مرة.

وكان هذا الإنجاز في زمن تألق البوري والسكران ومحمود بكر ومصطفى شتا وبدوي عبد الفتاح و”السهم الأسود” عز الدين يعقوب الذي كان “علامة على السرعة” وتوج حينئذ بلقب هداف البطولة..كان الأوليمبي عامئذ يشكل ظاهرة لأنه أول فريق من خارج القاهرة يفوز ببطولة الدوري المصري الممتاز.

والظاهرة ذاتها عرفتها إنجلترا من قبل عندما توج فريق نوتينجهام فوريست ببطولة الدوري الممتاز في عام 1978 أي في ذات الموسم الذي صعد فيه لهذا الدوري كما عرفتها إيطاليا عندما فاز فريق هيلاس فيرونا ببطولة “الكالشيو” أو دوري الدرجة الأولى عام 1985 ثم أن فريق “ديبورتيفو لاكرونيا” فعلها في اسبانيا عام 2000 وكذلك حدث في هولندا عام 2010 عندما توج فريق تفتينتي وفعلها فريق “فولفسبورج” في ألمانيا عام 2011 ليفوز ببطولة البوندسليجا .

وفي زمن مضى كان الكاتب الساخر والراحل العظيم محمود السعدني متعاطفا دوما مع فرق الأقاليم في مصر والتي وصفها بفرق المظاليم وفي الغرب أيضا قد يصل التعاطف مع بعض الفرق التي توصف بالمغمورة عندما تحقق نتائج غير عادية أو أداء جيدا لحد وصف ماتفعله “بالمعجزة”.

بل أن الأمر قد يتحول لإلهام لرواية وهذا ماحدث مثلا مع فريق إيطالي مغمور بعد صعوده لدوري الدرجة الثانية بإيطاليا وهو فريق “كاسيل دي سانجرو” الذي كان عنوانا لكتاب صدر في بداية الألفية الثالثة بعنوان “معجزة كاسيل دي سانجرو :حكاية العاطفة والحمق في قلب إيطاليا” فيما حول مؤلفه الأمريكي جوي ماكجينيس قصة واقعية لفريق كرة قدم في بلدة إيطالية صغيرة بمنطقة فقيرة في إقليم “ابروتسو” لكتاب أقرب لرواية اختلط فيها الخيال بالواقع لكنها أثارت إعجاب الكثيرين.

بالطبع فريق ليستر سيتي لايمكن مقارنته بهذا الفريق الإيطالي المغمور الذي يصلح للخيال والفانتازيا الروائية مثلما فعل هذا الكاتب الأمريكي، لكن ليستر سيتي حتى الموسم الماضي في البريمير ليج كان لايمكن أيضا مقارنته مع الفرق الكبيرة في الدوري الإنجليزي الممتاز.

فهو كان بعيدا عن المقارنة مع فرق مثل تشيلسي وليفربول ومانشستر يونايتد والأرسنال ومانشستر سيتي وتوتنهام أو فريق يوفنتوس الإيطالي الذي لم يتخل عن حذره أو تغره الآماني بالحسم قبل انتهاء الميل الأخير في دوري الدرجة الأولى الإيطالي ومجيء لحظة تتويجه ببطولة “الكالشيو” للموسم الخامس على التوالي.

فالفرحة لاتأتي إلا بعد تمام الإنجاز، والاحتفالات المبكرة يمكن أن تنال من التركيز في “الميل الأخير” كما أشار بحق ماسيميليانو اليجري المدير الفني لفريق يوفنتوس في لحظة بدا وكأن الأمر قد قضي لصالح فريقه على حساب منافسه العنيد نابولي وأن منصة التتويج تنتظر لاعبيه .

و”السرعة” التي ترفع لعبة كرة القدم ككل لمستوى أعلى ليست خاصية ينفرد بها فريق ليستر سيتي فهي مثلا تدخل في العقيدة الكروية لفريق ليفربول في ظل مدربه الحالي يورجين كلوب ومن قبله المدرب الاسكتلندي واللاعب الأسطوري كيني دالجليش بعقيدته الهجومية، كما أنها سمة مميزة للأهلي وهو “القطار الأحمر السريع الذي ينطلق أحيانا كطلقة سحرية في مرمى الفريق المنافس” كما حدث في المباراة الودية أمس مع “ذئاب روما” .‎

وذلك ما حدث مثلا مع الكتاب الصادر عام 2014 بعنوان :”كريستيانو رونالدو :صعود المنتصر” !..فهذا الكتاب لمؤلفه الأمريكي مايكل بارت الذي يتناول قصة حياة لاعب ريال مدريد الأشهر وصعوده للمجد شهد إقبالا كبيرا من القراء بعد أن فعل كريستيانو رونالدو مافعله في الكلاسيكو الأخير الذي فاز فيها ريال مدريد على برشلونة بهدفين مقابل هدف واحد ناهيك عما فعله مؤخرا في دوري أبطال أوروبا بأهدافه الثلاثة في مرمى فولفسبورج الألماني !.

وإذا كان مايكل بارت قد أصدر هذا الكتاب عن كريستيانو رونالدو نجم ريال مدريد فهو أيضا صاحب كتاب “البرغوث : القصة المدهشة لليو ميسي” وكتاب ” نيمار:الساحر” فهل يمكن لصاحب كتب النجوم وسوبر ستارز الساحرة المستديرة التي تسحر الصغار والكبار أن يصدر كتابا بأسلوبه الممتع عن نجم من نجوم “الفريق الظاهرة” ليستر سيتي مثل جيمي فاردي أو رياض محرز أو نجولو كانتي أو كابتن الفريق ويس مورجان الذي تبدو حياته حافلة بالدراما والإصرار على تجاوز العقبات الهائلة، كما أن ألوان المعاناة وشظف العيش في طفولته كانت أشد وطأة بالمقارنة مع كريستيانو رونالدو؟!.

فمن يستمع أو يقرأ مايقوله ويس مورجان سيشعر بأنه نموذج “للإنسان القانع” أو الشخص الذي يتسم بغنى النفس رغم شظف الحياة ودون أن يعني ذلك كله أنه عديم الطموح.

لم يكن يعرف الكثير من المال في أيام الصبا ومع ذلك كان سعيدا بما في يده وبكرة القدم التي يعشقها ويلعب بها ومعها في أى مكان مناسب ومجتهدا في مدرسته ثم أنه يشعر دوما بالامتنان لوالدته التي كانت تكدح عاملة بسيطة في مستشفى خاص من أجل أن تطعمه هو وشقيقته حتى تخرج من كلية لإدارة الأعمال.

وهاهو ويس مورجان كابتن الفريق الذي اقتنص هذا العام لقب “البريمير ليج” يؤكد أن كرة القدم أنقذته من الضياع كما حدث لبعض أصدقاء الطفولة في الحي الفقير “ذي ميدوز” بمدينة نوتينجهام الذي يعج بالمخدرات والأسلحة النارية والجرائم بأنواعها.

غير أن حبه للساحرة المستديرة قاده لطريق مغاير عن هؤلاء الأصدقاء ومن المثير للاعجاب أنهم هم أنفسهم كانوا لايشجعونه أبدا على أن يسلك طريقهم الذي يفضي للسجون بل يشجعونه على تكريس وقته للساحرة المستديرة بعد أن شعروا أنه يعشقها وتوقعوا أن يكون ابن منطقتهم الفقيرة من نجوم ومشاهير كرة القدم في إنجلترا والعالم كله .

وويس مورجان الجامايكي الأصل والمدافع العتيد ومنظم الهجمات في ليستر سيتي أو “فريق الثعالب” اسمه بالكامل “ويستلي ناثان مورجان” وتجاوز عمره ال32 عاما وهو لاعب أخلاقي حقا ومتسق مع ذاته ولم تثمله الشهرة وتقاطر المعجبين حوله طلبا لصورة معه ولايخجل أبدا من الحديث عن أيام الصبا التي لم يكن يجد فيها حذاء مناسبا لكرة القدم.

ولأنه يدرك الفارق بين الأحلام والأوهام فقد عرف ويس مورجان أن السبيل لتحقيق الحلم الكبير لفريقه بالتتويج بلقب بطل الدوري الإنجليزي الممتاز هو الفوز في المباريات المتبقية هذا الموسم وقد يكون الأهم أنه يشعر بواجب فريقه حيال جماهير ليستر سيتي التي بدأت تلوح بالأعلام في مدرجات الملعب وتصف لاعبي فريقها بأبطال البريمير ليج لأول مرة منذ تأسيس هذا النادي في عام 1884 .

أنها الجماهير الوفية التي أراد كابتن الفريق الظاهرة ليستر سيتي أن يسعدها ويحقق آمالها بالفوز لأول مرة ببطولة الدوري الإنجليزي الممتاز وأنها المسؤولية الكبيرة التي تطلبت التزاما عظيما في المباريات المتبقية لهذا الفريق كما يقول ويس مورجان الذي يبدو مدركا كل الإدراك أن ماتبقى من مسافة على الطريق للحلم لايخلو من تحديات ومفاجآت وربما التواءات ومنحنيات خطرة في الطريق لفريق يعتمد على السرعة وروح الإصرار على النصر لكنه يعرف أنه يلعب كرة القدم وهي لعبة المفاجآت.

والحقيقة أن حلمه الخاص لايختلف كثيرا عن الحلم العام لمشجعي ليستر سيتي فلطالما حلم وهو صبي صغير بأن يلعب يوما ما في البريمير ليج وأن يفوز فريقه بالبطولة ويرفع هو درع الدوري الإنجليزي الممتاز.

وفي الكتلة الزمنية الحرجة تحول الحلم إلى حقيقة كاملة، بينما أضحت أشهر الفرق وأكثرها عراقة في العالم تتحسب من لقاء “الثعالب” وتحسب ألف حساب للاعبين مثل جيمي فاردي والجزائري رياض محرز ومارك البرايتون ونجولو كانتي.

بكل تجرد يقول ويس مورجان :بأمثال هؤلاء اللاعبين في فريقنا ومايبذلونه من جهد هائل بل ومذهل أحيانا أشعر أننا أكثر بكثير من 11 لاعبا ..وهذا الفريق الظاهرة في الموسم الحالي للبريمير ليج سره الكبير يكمن في طريقة اللعب الجماعي ومعنويات اللاعبين وروح الأسرة الواحدة التي يجمعها الحب كما يوميء كابتن الفريق ويس مورجان ويصف الأمر بوصف دال وهو :”ثقافة فريق ليستر سيتي التي تتجلى في حزمة قوية مترابطة بالحب أو الكل في واحد”.

أما المدير الفني لفريق ليستر سيتي كلاوديو رانييري فيصفه ويس مورجان بأنه “رجل ابن نكتة” ويحب المزاح لكن وقت الجد هو الرجل الجاد لأقصى الحدود وأكثرها صرامة، فيما تختلف خططه وتكتيكاته من مباراة لآخرى حسب طبيعة الفريق المنافس ويركز على أن يعرف كل لاعب في ليستر سيتي دوره في كل مباراة .

يبدو أنه يشبه إلى حد ما الهولندي الضاحك والجاد معا مارتن يول المدير الفني للمارد الأحمر المصري!..لكن لكل طريقته ومدرسته فكلاوديو رانييري طبع فريق ليستر سيتي بتكتيكات المدرسة الإيطالية التي تقوم على بناء حصون دفاعية منيعة وشن هجمات مضادة خاطفة ومرتدة سريعة للغاية ومتتالية بإصرار وعزيمة ،أما الأهلي فهو صاحب الأساليب الهجومية بالكرة الشاملة والأداء الجماعي والمهارات الرفيعة المستوى والمواهب الاستثنائية .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل