المحتوى الرئيسى

أمير رمسيس يكتب: برنامج “أنا مصر”.. أو كما أراد صناعه تسميته “أنا -فقط- مصر”

05/20 15:35

في صوت لزج، يتساءل المعلق الصوتي في نهاية “التقرير” المعد عن فيلم “اشتباك”، والمخرج الزميل محمد دياب – وأضع “تقرير” هنا بين علامتي تنصيص، لأنني أظن كتّابه يخلطون بين التقرير الأمني الذي تعودوا ربما أن يكتبوه في زملائهم للأجهزة الأمنية طمعاً في ترقية ما، والتقرير الإخباري.

ما علينا.. المهم يتساءل “التقرير” عما إذا كان يحق للمخرج محمد دياب أن يدس “أفكاره” في أعماله السينمائية حتى ولو كان موهوباً! والحقيقة هذا التساؤل يخلق لدي تساؤلا واقتراحا.

التساؤل: عما إذا كان لدى كاتب التقرير مكان أفضل يقترح دس أفكار محمد دياب فيه، على غرار تعليق وزير الإخوان الشهير؟

والاقتراح: ربما أن يكتب قائمة بأفكار السيدة والدته، بما أنني لا أشك أنها سيدة فاضلة لديها قاموس من الأفكار الوطنية، ربما كان صالحا للاستخدام، وأن ينزل كتيبا بما يراه صالحاً للتعبير عنه من أفكار السيدة الوالدة، بما أنه لا يحق لسينمائي أن يضع أفكاره في عمله السينمائي الخاص في وجهة نظره.

يتحدث “التقرير” في جزء منه عن تشويه فيلم “678” للمجتمع المصري، واتهامه بأنه مجتمع ينتشر فيه التحرش.. يبدو أن واضع التقرير والسيدة الإعلامية أماني الخياط مقدمة الفقرة يعيشان برغم مهنتهما في مكان لا تصله جرائد أو قنوات تليفزيون.. أو حتى مواقع تواصل اجتماعي، ليقرأوا عن حوادث التحرش اليومية (تلك التي تصل لصفحات الجرائد وما خفي كان أعظم).. حسناً لا ارغب في محاولة اثبات انتشار التحرش، في دولة أصبح لها موقع متقدم عالمياً فيه، والحمدلله أننا أصبح لنا موقع متقدم في شيء ما -أقولها قبل أن يردوا هم بها- ولهذا فأنا أدعو ببساطة السيدة أماني الخياط لجولة في أحد أيام عيد الفطر القادم، نتناقش فيها فيما طرحته من أفكار، على أن تبدأ الجولة بركوب أحد الأوتوبيسات العامة، ثم التريض على أحد الكباري، والمشي قليلاً في شوارع وسط المدينة الآمنة من التحرش، والتي تجنى عليها الفيلم.. لا أطلب أكثر من جولة لثلاث ساعات، وليس ست ساعات، كما قال السادات في خطبته الشهيرة.. وربما لا يكون تصنيع حزام عفة من صناعة القرون الوسطى فكرة سيئة لهذه الجولة.

الإساءة لسمعة مصر، هي اللبانة التي يلوكها كل شخص على مبدع يقدم صورة يراها للمجتمع -أيا كان خلافنا على هذه الصورة- بداية من عاطف الطيب لمحمد خان، والذي أسماه أحد صناع الأفلام “مخرج الصراصير والبلاعات المسئ لسمعة مصر” إلى يوسف شاهين، والذي قام أحد المؤلفين بكتابة مقال أقرب للتقرير الأمني إياه بعد عرض فيلم “القاهرة منورة بأهلها” في مهرجان “كان”، وقامت الدنيا على الفيلم (الذي كان يضع لبنة أولى –بالمناسبة- لشرح كيف يتكون التطرف الديني في الطبقات تحت المتوسطة والعشوائيات وحتى بين المتعلمين.. هذا الداء الذي عانينا منه الأمرين في الأعوام الماضية).. بغض النظر عن تقييم “اشتباك”، الذي لم أره بعد، وعن فيلم “678”، الذي قد يكون ليس من أفلامي المفضلة لأسباب لا علاقة لها بسمعة مصر التي يسئ إليها هذا النوع من الدعاوي أكثر بكثير من أي عمل إبداعي (وإلا كانت الهند قاطعت فيلم داني بويل الشهير، والذي يلقي طفل من العشوائيات نفسه في الغائط حتى يلتقي بأميتاب بتشان).. اعتقد أن أسماء “يوسف شاهين ومحمد خان وعاطف الطيب” وغيرهم من المتهمين بالإساءة لسمعة مصر باقية، بينما ننسى دوما من يقومون بالدور المكارثي الذي تقوم به السيدة أماني.. تماما كما نتذكر فرج فودة وننسى اسم قاتله.

لا ينسى تاريخ الإنسانية فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية في أمريكا، وبداية الحرب الباردة، والهجمة التي تعرض لها المفكرون والكتاب اليساريون باعتبارهم عملاء للاتحاد السوفييتي، وتم منع العديد من الكتاب والممثلين والمخرجين من ممارسة عملهم، وتحولت أمريكا لبلد محموم بالبارانويا، يبلغ كل شخص فيه عن الآخر لفكره اليساري، خوفا من أعداء الوطن، أو طمعا في مكانه تلك الفترة التي جسدها آرثر ميلر في مسرحية “ساحرات سالم” عن تلك القرية التي تنتابها حمى حرق الساحرات بتهمة التحالف مع الشيطان، لتصبح لدى كل سيدة في البلد الفرصة للتخلص ممن لا تحب من سيدات بتلك التهمة: لقد رأيت فلانة تتحدث بلغة غريبة للشيطان.

يبدو أننا نعيد إحياء ذلك الطقس، ويبدو أن السيدة أماني الخياط مقدمة البرنامج سخيف الاسم “أنا مصر”، كما لو كانت مصر ملكا لجهاز التليفزيون، تهوى توزيع صكوك من يحب مصر ومن لا يحبها ومن هو الفنان الوطني ومن هو ليس كذلك، في تماهي مع شخصية السيناتور جون مكارثي صاحب حملة المكارثية الشهيرة، والتي أوقفت العديد من مبدعي الولايات المتحدة عن ممارسة عملهم، أو بمعنى أصح، ترغب السيدة أماني الخياط في أن تصبح ساحرة سالم الأولى.

لم أكوّن رأيا بعد عن فيلم “اشتباك” وأفضل أن أراه قبل أن أكوّن هذا الرأي، بل ربما أن موقفي أكثر تطرفا من غيري، لوجود اسم معز مسعود في قائمة منتجي الفيلم، وأنا لدي موقف راديكالي واضح ضد ما يحمله كل الدعاة المودرن الجدد باختلاف أسمائهم وتوجهاتهم، والذين أرى أنهم كانوا درجة رئيسية في إدخال التزمت الديني في طبقة كان بعيدا عنها، ونشره فيما أسميه عادة “تزمت الوجبات السريعة الكومبو”، والذي لامس هوى الطبقة المتوسطة العليا والبورجوازية في مصر، وبالرغم من هذا العداء الأيديولوجي بيني وبين أحد منتجي الفيلم، إلا أنني لا أملك إلا أن أنتظر فيلما شهد أغلب من رآه حتى الآن من مصر، والأصدقاء من السينمائيين العالميين بجودته وتم اختياره لبرنامج مهم في أحد أهم مهرجانات العالم، واعتقد أن التليفزيون المصري “الرسمي”، الذي يدفع أجور من يعملون فيه من أموال دافعي الضرائب -وأنا منهم- كان عليه بالأحرى أن يحتفي بعودتنا لمهرجان “كان” بعد سنوات من مشاركة يسري نصر الله بفيلم “بعد الموقعة” في المسابقة الرسمية.. بدلا من أن ينساق لكتابة تقرير أمني يصفي فيه حسابات النظام القديم مع الوجوه المحسوبة على الثورة.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل