المحتوى الرئيسى

ميزان الأرض وميزان المجد

05/20 00:44

هل ينبغي لحلب أن تكون تاريخاً حتى نصرخ أوقفوا تدميرها. هل نخاف ان نجازف بتاريخ مجيد وذكريات مجيدة ومعالم عظيمة حتى نرفع أصواتنا انتصاراً لها، وماذا عندنا غير الأصوات نرفعها فيما يستمر القصف ويستمر الدمار. وماذا لو زالت حلب عن سطح الأرض ستبقى ذكريات وتبقى في بطون الكتب وفي الاشعار وفي التاريخ. وهل يكفينا ان نستعيض عنها بقصائد المتنبي وأبو فراس الحمداني وشعراء بلاط سيف الدولة وهل يكون القصف مجنونا حقا فيقوّض قلعتها وسوقها وجامعها، ويتركها أثراً بعد عين. وماذا عن حلب عروس الصحراء، ماذا عن المدينة التي كانت بين أقدم المدن وأعرقها، ماذا عن المدينة التي كانت باستمرار عاصمة والتي حاضرها لا يكذّب ماضيها وهي قرون، امضتها أميرة فهل جاء الوقت لتخمد هل جاء الوقت لتستحيل سوريا خرابا. هل سيكون في وسع زمن أعمى، زمن يحيل سوريا من جبل للتاريخ إلى خراب تصفر فيه للريح.

وماذا سيبقى للتاريخ إن نحن أنكرنا الحاضر. ماذا سيبقى للتاريخ إن نحن ضحينا بيومنا وغدنا، إن نحن بادلنا الاحياء بالأموات. إن نحن لم نبق إلا تاريخا، بكم يصفر في الصحراء. ماذا سنفعل إن نحن أنكرنا السوق بل الأسواق والحي بل الاحياء والشعب بل الشعوب والحديقة بل الحدائق والناس بل الآلاف. ان نحن أنكرنا المدينة الحاضرة وبعناها للذكريات وللتاريخ. ماذا نفعل ان تركنا الحياة تخمد ولم نبال إلا بمعالم تجسد فيها الزمن وآثار عفا عليها الوقت. هل نبكي فقط ملاحم لم تعد إلا أصواتاً ومدائح وذكريات ثقيله ماجده. وما هو المجد ان لم يكن ثقيلاً، ما هو المجد ان لم يكن رازحا ومنيخا، ما هو المجد ان لم يكن اشباحاً وخفايا. ما هو المجد ان لم يكن عبئاً على الحاضر وعبئاً على المستقبل. ما هو المجد ان لم يكن محاكمة لليوم وعقابا للغد، ما هو المجد ان لم يكن نسياناً طويلاً باسم استحالة النسيان، وغفلة باسم اليقظة وأوهام انبعاث واحياء واستعادة.

لا نملك سوى التاريخ، آن لنا ان ننظر كم هو زائل، واننا في الحقيقة لا نملك الا سرابا، في الحقيقة لا نملك سوى قصة لا نعرف كيف بدأت، وملحمة لا نعرف مجراها الحقيقي وخليط من وقائع وأكاذيب واسطورة تزداد أسطرة كلما عفا عليها الزمن وكهف لا نعرف مداخله من مخارجه، لا نملك سوى التاريخ ونحن نظن اننا نجد فيه كنزنا المخفي ولغتنا الآبدة وثروتنا الحية، بل نزعم اننا نستطيع ان نحييه وان نبعثه وان نستعيده، وكم قام بيننا من يزعم انه يستطيع ذلك، وليس عرافا ولا ساحراً ولا ملاكاً ولا شيطانا.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل