المحتوى الرئيسى

«مساج» لكل موظف

05/19 15:40

وصف 42 % من الموظفين تحت سن الـ45 و العاملين بدولة الإمارات العربية المتحدة بيئة أماكن عملهم بأنها (مجهدة) بسبب فترات العمل الطويلة ومتطلبات العمل الضاغطة، وهي عوارض مصاحبة للتطور العصري حول العالم سواء في المدن المتقدمة و في تلك المدن طور التقدم والنمو.

كما تبين أيضاً أن 47 % فقط من الموظفين في الإمارات يشعرون أن الشركات التي يعملون بها تهتم اهتماماً حقيقياً بصحتهم مقابل النسبة العالمية المقدرة بـ54 % المشمولة في الاستطلاع الذي ضم أكثر من 10 آلاف موظف حول العالم، وأجرته شركة «إيبسوس» المتخصصة في الأبحاث السوقية، بالتعاون مع شركة «ستيل كيس إنك» المتخصصة في مجال الأثاث المكتبي.

الاهتمام بالصحة في مواقع العمل

ومن هذا المنطلق، تأتي ضرورة اهتمام الشركات بالصحة في مواقع العمل، و هو توجه إداري منتشر في الدول الغربية و بدأ يشق طريقه إلى مدينة دبي بخطى صغيرة ، و لكن من المتوقع أن يزداد انتشاره في ظل نمو المدينة و في ضوء الإحصائيات أيضاً التي تؤكد على ارتفاع عدد المراكز الصحية في منطقة الشرق الأوسط بثلاثة أضعاف عن العام 2007 لتصل إلى أكثر من 3889 مركزاً في العام 2013، و لترفع الإيرادات من 700 مليون دولار إلى 1.7  مليار دولار أميركي، بحسب تقرير «جي دبليو آي» حول اقتصاد المراكز الصحية العالمية والاهتمام بالصحة.

كما تقول الإحصائيات أيضاً أن منطقة الشرق الأوسط رغم صغر حجم مساهمتها في سوق العافية العالمي حالياً، إلا أنها مؤهلة لتشهد النمو الأكبر في هذا القطاع بالعام 2017، حيث من المتوقع أن تشهد المنطقة نمواً نسبته 16.2  % سنوياً، أي من 5.3 مليار دولار في العام 2012 إلى 16.6 مليار دولار في العام 2017، لتقود الإمارات العربية المتحدة منطقة الشرق الأوسط/ أفريقيا بنسبة نمو 17.9 %.

لياقة الموظفين تقلل نسب الغياب

وتقول، رنا العيد، الشريك المؤسس وكبير مستشاري الصحة بشركة «ري صالون و سبا» «أزور سبا» سابقاً، إن الموظفين الذين يتمتعون بصحة جيدة أقل عرضة للتغيّب عن العمل بسبب المرض وأكثر إنتاجية ويترتب عليهم كلفة أقل في دفعات الرعاية الصحية، ليحققوا دائماً مستويات أعلى من الأداء الوظيفي.

ومن هذا المنطلق، تقوم رنا بإقناع عملائها من الشركات بضرورة منح الموظفين مزايا تتعلق بالصحة واللياقة البدنية حيث أظهرت الدراسات أن أغلبية الموظفين يقضون ما يقدر بـ 10-11 ساعة يومياً بمواقع العمل، ما يعني أن مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات يجب أن تبدأ بهم.

و على سبيل المثال، أظهرت دراسة أجراها الدكتور رونالد لويبكي، نائب رئيس مجلس إدارة شركة الطب الوقائي الأميركية، في العام 2009 على 50,000 عامل في 10 شركات، أن تكاليف الانتاجية المفقودة  - سواء عند التغيب أو الحضور السلبي (أي عندما يأتي الموظفون إلى العمل ولكن يكون أداؤهم سيئاً بسبب المرض أو التعب) – هي أعلى بـ 2.3 مرة من التكاليف الطبية المباشرة.

ومن ناحية أخرى، يُثبت التحليل الشامل لأكثر من 40 دراسة منشورة حول برامج تعزيز الصحة في موقع العمل أن الشركات التي تقوم بمبادرات فعالة خاصة بتعزيز الصحة والعافية تتلقى مكاسب كبيرة، بما في ذلك انخفاض أيام الإجازات المرضية بمقدار الثلث وانخفاض تكاليف الرعاية الصحية بنسبة 25 % وانخفاض تعويضات العمال ومطالبات التعويض عن العجز بنسبة الثلث، كما يبلغ متوسط نسبة التوفير إلى التكلفة فيها 6/1.

تقبل مفهوم صحة الموظفين بدبي

ومع هذه الإحصائيات، كيف استساغت الشركات بدبي فكرة تقديم «المساج» للموظفين؟ تجيب رنا:» كانت الاستجابة من المؤسسات الإعلامية جيدة جداً وفورية نظراً لأن الكثيرين من العاملين فيها قرأوا عن هذا المفهوم و يعلمون جيداً أن خدمات العافية للموظفين هي نوع من الترفيه و الاسترخاء و اللياقة، ما سينعكس في المحصلة النهائية على الشركات والإنتاجية. أما الشركات في القطاعات الأخرى فتتساءل مباشرة عن ضرورة هذا ولماذا يتعين عليها أن تمنح الموظفين جلسات مساج؟».

وتضيف رنا:«قطاع الإعلام لديه موظفون يعملون لساعات طويلة جداً ويرغبون في دعم موظفيهم ومن ناحيتنا لدينا الوقت و فرق العمل الكافية لتقديم هذه الخدمات. مؤخراً أيضاً التقيت بإحدى الشركات العالمية لمناقشة برنامجهم الصحي، ووجدت أن المدير العام يؤمن عام بأهمية تقديم خدمات العافية المتنقلة للشركات و جلسات المساج للموظفين التي تهيئ لهم حالة من الاسترخاء العقلي و النفسي و الجسدي. يدرك المدير جيداً أن الاستثمار في صحة موظفي الشركة سينعكس إيجابياً عليها لأن ذلك سيحفزهم على العمل كما سيقلل من الإجازات المرضية.»

تؤكد رنا هنا أن شركات استساغت الفكرة و لكن في بداية الأمر استغرقت المسألة بعض الوقت لتعريفهم بالمفهوم و «بمجرد أن عرفنا الجميع نما عملنا. شركات كثيرة أيضاً بدأت تتقبل فكرة أهمية تنظيم فعاليات صحية لموظفيهم. منذ أن بدأت «أزور سبا» سابقاً، «ري» حالياً، في العام 2010، كانت تركز على خدمات الصالونات المتنقلة و في العام 2013-2014 بدأت تركز على تقديم خدمات الصحة و العافية إلى الشركات و آمل أن تستجيب الشركات بشكل أكبر لهذا المفهوم في العام الحالي.»

إقبال الموظفين على خدمات العافية

وتوضح رنا أن ما جعلها تفكر في تقديم مفهوم خدمات العافية للشركات بدبي هو معرفتها بحجم ضغط العمل على الموظفين. هذا التوجه منتشر جداً في الدول الغربية وينمو هنا أيضاً. «كما أنني أحب تعليم الناس أفكاراً و مفاهيم جديدة و هذا ما دفعني إلى تأسيس «كافيه سيراميك» منذ سنوات فكنت أريد أن أعلم الأسر أنه يمكنها قضاء وقتاً سوياً أثناء جلسات رسم الخزف وبينما هم يتناولون القهوة. حينها كانت هناك فجوة كبيرة بالأنشطة العائلية في الإمارات و ارتأيت جلب هذا المفهوم لتعليم الأسر كيفية الاستمتاع سوياً بنشاط ما.»

وتشدد رنا على أنها كانت متأكدة من نجاح فكرتها و لكن تعليم الناس يستغرق وقتاً. إذاً كيف تقنع رنا الشركات بأهمية المفهوم؟  تقول:«أشير إليهم دائماً إلى الأبحاث و جوائز «ضمان» للصحة المؤسسية التي ساهمت في نشر  وعي الشركات حول هذا المفهوم، ما يعني أننا أسسنا عملنا في الوقت المناسب. أقول لهم أيضاً أنه يمكنهم الفوز بتلك الجوائز إن اهتموا بصحة موظفيهم و أطرح عليهم سؤالاً هاماً: هل هذا ما تريدون لشركاتكم أن تبدو عليه و هل هذه هي الشركة التي تريدون للموظفين أن يعملوا لديها؟ بالإصرار تدرك الشركات قيمة الاهتمام بصحة الموظفين و بالتجارب بدأنا مع شركة و في البداية اهتم 20 موظفاً فيها بجلساتنا لديهم ثم ارتفع العدد إلى 50، ما يعني أن الموظفين أنفسهم و إدارات الموارد البشرية أحبوا الفكرة.»

وفيما تؤكد رنا على أنها توقع عقوداً سنوية مع الشركات لتمتد أحياناً إلى أكثر من ذلك بعد استساغة الشركات والموظفين لفكرة أهمية جلسات الصحة التي تعقدها في مقراتهم، تقول أيضاً أن أهمية جلسات العافية في الشركات تكمن في استمراريتها لاستبيان فائدتها، كما أن لديها 4 عملاء حتى الآن و فريق عمل مكون من 20 متخصصة، تعتزم زيادة عدده لكي يقوم بكافة الخدمات المتنقلة وحفلات الـ(سبا).

استراتيجياً، قررت رنا الذهاب إلى مناطق المكاتب لكي تمنح عميلاتها خدمات سريعة وملائمة في مواعيدها لتفتح صالونها مبكراً قبل ذهاب الموظفات إلى مقار أعمالهن و تستمر بعد مواعيد العمل للراغبات في الحصول على خدمات سريعة قبل الذهاب إلى مناسبة خاصة بالعمل أو مناسبة اجتماعية. «الموقع جيد وملائم للخدمات السريعة. التوجه الذي ينمو في قطاع الصحة والجمال بشكل كبير الآن يتعلق بتنظيم أوقات الصالونات وفقاً لما يتلائم مع أوقات العميلات.»

ولكن هل لاحظت رنا تكاسل السيدات عن الذهاب إلى الصالونات المتعارف عليها في الأسواق فدفعها ذلك إلى التفكير في تقديم خدمات الصالونات المتنقلة؟، تجيب:«هو ليس كسلاً بقدر ما هو مناسب وملائم للحياة السريعة التي يعيشها الناس في دبي.  السيدات العاملات مشغولات ويفضلن الابتعاد عن الزحام المروري أو يقلقن من عدم إيجاد مكان لإيقاف سياراتهن أمام بعض الصالونات، ففكرت في تقديم خدمات الصالونات المتنقلة لتتمتعن السيدات بخدمات سريعة قريبة منهن».

توضح رنا أن شركتها تركز على الجمع بين خدمات العافية والجمال والصحة في مصطلح يعرف حالياً باسم «سبا لونز»، وهدفها الرئيس تقديم خدمات العافية والجمال المتنقلة لعملائها في المنازل والشركات، ففي المنازل «نقوم بتقديم حفلات (سبا) للعائلات والأطفال لكي تتمكن الأسرة من التمتع بذكريات جميلة، أما في الشركات نركز على تقديم خدمات العافية لفرق العمل التي تعينهم على التمتع بالنشاط والحيوية، بحسب وصف رنا.

ومع خططها التوسعية و استمرارها في تقديم خدمات الصالونات المتقدمة، بدأت رنا في تأسيس صالونات بمفهوم «ساتاليات أوتليتس» أي الصالونات المتكاملة الصغيرة حجماً لأن النساء العصريات العاملات قد يحتجن الذهاب إلى صالون لتصفيف شعرهن قبل فعالية ما، و هذا النوع من الصالونات يوفر لهم خدمات سريعة لهذه الأغراض،» بحسب شرحها.

قامت رنا، تحت شعار «ري» بافتتاح صالون صغيراً متكامل في مدينة دبي للإنترنت إلى جانب اثنين آخرين في مدينة دبي وتعتزم افتتاح صالونات لها في أبوظبي و العين مستقبلاً حيث توجد فجوة كبيرة في هذا المفهوم.

ومع افتتاح محالها، هل يعني هذا أن رنا عادت إلى مفهوم المحال التقليدية؟ «صالوناتنا صغيرة حجماً مثل مساحات العرض الصغيرة لكي يتعرف الناس على علامتنا التجارية و لكي يتذكروا اسمنا عندما يتذكرون الصحة والعافية. في نفس الوقت نراعي ملائمة الصالون لعميلاتنا.»

وترى رنا نمواً كبيراً بخدمة المنزل الخاصة، والتي تجلب تجربة الصالون الكامل إلى المنازل، لكي تتمتع الأمهات و أطفالهن وصديقاتهن بمزايا الصالونات في جو مرح و ممتع.

تقول رنا:«إن كانت عميلة واحدة ترغب في الحصول على التجربة المنزلية، نقوم بتحويل غرفة في منزلها إلى (سبا)، أو تحويل البيت إلى بيئة احتفالية إن كانت أسرة تريد تنظيم حفلة (سبا) للأطفال حيث نعلم الفتيات أهمية الجمال والاهتمام بالصحة و العافية. نقوم بتنظيم حفلات للاحتفاء بحديثي الولادة أو للسيدات أو حفلات طلاق مثلما طلبت منا سيدة . الفكرة تتمركز حول خلق الذكريات للأسر والصديقات و الأطفال فمثلما قالت منظمة الصحة العالمية المسألة لا تتعلق بالجمال فقط بل هناك جانب اجتماعي للصحة أيضاً.»

و مع هذا ، و بالنظر إلى عدد الأعمال التي أسستها السيدات في دبي ، تتركز أغلبها في مجال الصحة و العافية..فهل ترى رنا هذا صحيحاً؟ تجيب:«الحقيقة أن الكثيرات اقتحمن أعمالاً مختلفة  كقطاع المصارف و التكنولوجيا و تنظيم الفعاليات و الموارد البشرية و لا تتركز الأعمال و لا تنحصر في الطبخ و الفنون. هناك أعمال كثيرة مستدامة و الحكومة تدعم مشاريع السيدات.»

ولكن مثل الكثيرات، ترى رنا أيضاً معوقات تشهدها سيدات الأعمال قبل أو بعد تأسيس أعمالهن. تقول:« أعتقد أن نوعية التحديات التي تواجهن سيدات الأعمال عند إنشاء مؤسسات صغيرة و متوسطة لا تختلف عن مثيلاتها التي يؤسسها الرجال.  هذه التحديات تتمثل في التأشيرات و بعض الإجراءات البيروقراطية وطيلة الوقت و المال. إلى جانب ذلك،  يُمثل مبلغ الضمان المقدر بـ 10 آلاف درهم عند توظيف شخص ما أيضاً تحدياً، تماماً مثل رأس المال عند تأسيس شركة ناشئة، و خاصة إذا رغب المؤسس في توسعة عمله.»

ويُعد إقناع الناس بالفكرة عند تأسيس الشركة، بحسب رنا، عقبة خاصة إذا كانت المؤسس يبحث عن مستثمر مالي فالبنوك لا تعطي قروضاً للمؤسسات الناشئة إلا بشروط بينما يقوم الغرب بتمويل المشاريع الصغيرة و المتوسطة بنواة استثمارية تعينه على تأسيس الشركة.

تقول رنا:«هنا يدور الشخص الذي يرغب في تأسيس شركته في حلقة واسعة لأنه يريد على الأقل مبلغاً صغيراً لبدء شركته و لا يستطيع إجاد ذلك من البنوك أو حتى المستثمرين الملائكة. نسبة صغيرة جداً من الناس تساعدك عند بدء المشروع  وعادة تأتي عن طريق قروض شخصية من البنوك أو الحكومة و المؤسسات الداعمة لمشاريع الشباب» .

هنا، في رأي رنا، يلجأ الكثيرون من مؤسسي الشركات الناشئة إلى بيع حصص من شركاتهم قبل التمكن من الحصول على قروض بنكية، و لا يدرك مؤسسوها أنه يتعين عليهم تخصيص مصاريف تشغيلية لمدة 6 شهور من الميزانية الموضوعة، لكي يعرفوا إن كان بإمكانهم الاستمرار أم لا. و هنا أيضاً يحتاج مؤسسو الشركات الناشئة إلى نصائح موجهين متخصصين. صحيح أن هذا النوع من المتخصصين بدأ يعمل في السوق ولكنه العدد صغير و يجب أن ينمو.

إلا أن رنا ترى تحديات تواجه السيدات بشكل عام لا في قطاع الأعمال فقط، أهمها، الموازنة بين وقت الأسرة و الشركة، و دعم الأزواج،  و الثقافة المجتمعية التي تسمح أو لا تسمح لهن بتأسيس أعمالهن أو لا تسمح لهن باستقطاع وقت من وقت الأسرة لتأسيس المشروع، و نظرة المجتمع إليهن. تقول:«هذا تحدي يعيق الكثيرات من تأسيس أعمالهن فتتحولن الكثيرات إلى الوظائف التقليدية مثل التدريس.»

و تضيف:«أعتقد أن هذا يتغير حالياً في عالمنا بالمنطقة فهناك الكثيرات من المقيمات أو الإماراتيات اللواتي بدأن في تأسيس أعمالهن بمجال التكنولوجيا أو المجتمع أو التجارة الإلكترونية من المنازل  ليوازنوا بين وقت الأسرة و البزنس.»

إحدى التحديات التي تواجهها رنا مثلاً هي الحصول على تأشيرات للجنسيات المتخصصة في قطاع الجمال فكثيرات منهن من الفيليبين و الهند و باكستان و فيتنام  إلى جانب أنها لا تستطيع استبيان خبراتهن بشكل جيد إلا بعد تجربتهن على أرض الواقع. «في كل مرة أتقدم للحصول على تأشيرات للعاملات المتخصصات، علي أن أذهب بنفسي لمقابلة المسؤولين لكي أشرح لهم مفهوم عملنا و أننا بحاجة إليهن. أعتقد أن هذا جزء من كوني مؤسسة الشركة، فبعض الأشياء علي القيام بها بنفسي.»

وتنصح رنا هنا المبتدئات في الأعمال الناشئة ألا يخفن مما قد يعترضن طريقهن طالما هن مؤمنات بأفكارهن. « فليبدأن صغاراً و لتنمو أعمالهن بشكل متدرج و هذا ليس عيباً. يجب ألا تخيفهن العوائق الثقافية التي قد تدفعهن للتوقف إن كن حقيقة يردن القيام بأعمالهن ومؤمنات بها.  هناك دائماً طريقة و هناك أشخاص و أماكن تقدم الدعم لهن.»

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل