المحتوى الرئيسى

جابر طاحون يكتب: اسمعوا كلامي أنا بس

05/19 10:23

“أيها الناس.. إنما أنا سلطان الله على أرضه”

في حوار مع ديكتاتورة ألبانيا نيكسمي، زوجة أنور خوجة، شاركته الحكم حتى أقعده المرض، وآل إليها الصولجان، قالت إن عهدها قد حقق تحرير المرأة ومحاربة الأمية وشق الطرق وبناء المدارس.

طبعًا يحق لكل ديكتاتور أن يعدد إنجازاته، مثل أن جواز السفر كان محرمًا، وكل مواطن كان عليه أن يكتب تقريرا عن نفسه ومن حوله، ومن لا يتهم الآخرين يمكن أن يتهم نفسه.

تواضعت الديكتاتورة بعدما أُقصيت من الحكم، وأقرت، بأن حظر الدين وتسوية دور العبادة بالأرض وأشياء أخرى كذلك، كان أمرًا مبالغا فيه قليلا، لكنها ليست نادمة.. الذنب يقع على الحاشية.. نعم هكذا قالت.. الذنب يقع على الحاشية.

هو كويس بس اللي حواليه وحشين:

يتعلل كل من يصل للحكم في مصر، بثقل الإرث الذي تُرك له، وأنه يحاول ما في وسعه إصلاح الأمور، لكن الفساد متغلغل، كل من يأتي يريد أن تسير الأمور أيًا ما كانت طريقة سيرها.. لا يهم. طالما هو موجود. وأن يظل الحاكم على رأس السلطة هو الأهم والأولى أيا ما كان الثمن، فخير الوطن مرتبط ببقائه.

البعض يندهش من تأييد (المواطنون الشرفاء) المطلق للسلطة، والبعض يندهش من تصرفات السلطة ويصفونها بالبلاهة أو عدم الخبرة و(الغشومية).

كل ديكتاتور يبدأ من حيث انتهى الآخرون.. يستفيد مما حدث لهم، ما أمد عمر حكمهم وما كان سببًا لسقوطهم.. السلطة الحالية تعلمت الدرس جيدًا وتستغل كل الظروف لصالحها، وتلعب بكل الأوراق والعصي على الخضوع.. تحاول أن تدجنه أو تقهره.

زيادة المصروفات على الأمن والتسليح رغم أولوية الصحة والتعليم وخلافه.. ترويج حال حراس السلطة (الشرطة، الجيش، أجهزة الدولة)..

قرارات مشينة كالتنازل عن أرض مصرية.. قمع الشباب وقمع خروجهم للشارع بأي ثمن، ومهما كانت درجة التبجح.

البعض قد يري ذلك غباءً، لكنه ذكاء أو مقامرة مهمة للسلطة.. أي تنازل سيتبعه تنازل.. أي تهاود سيتبعه زيادة في الطموح، كما أن السلطة تعرف أن يوم سقوطها من الحكم هو يوم قيامتها وذهابها للرب، فعليها إذن أن تفعل كل ما يمكن لقمع ذلك.

السلطة تريد القمع التام، حتى تجلس في مكانها بهدوء.. السلطة تريد جعل الكل خصيانا مدجنين.. السلطة تنهي العمل بالقانون وتستعيده وقتما تريد. ويبدأ الطغيان -كما يقول جان لوك- عندما تنتهي سلطة القانون، أي عند انتهاك القانون وإلحاق الأذى بالآخرين، وهذا قائم منذ زمن طويل.

إصدار الأوامر بباع السلطان، حبس الشباب، منع التظاهر، الاعتقالات العشوائية، تضييق المنافذ بذراع القانون؛ قانون الإعلام الموحد مثلا وحظر النشر وخلافه.

البعض قد يعول على صراع الأجهزة لسقوط السلطة، لكن هذا غير وارد، الكل يخاف أن ينال مصير السقوط، وبالتالي كله يرضي بمكانه ويحميه، ولا أحد ممكن أن يضحي بإغراءات السلطة لأجل مجهول دونها.

أما عن المواطنين الشرفاء، فهم يدافعون ببرجماتية خالصة عن نفسهم. عن أن يبدو على خطأ أو عن مصالحهم التي قد تهدد، وأن الحال هكذا أفضل، وأن ما يأتي قد يكون أسوأ، كما أنهم يطمعون لمكان في السلطة بكل ذلك الزهو والمكانة الموجودة الحالية.. في نقطة مرور، لو أن ضابطا يصيح ويتحكم، ستجد أن –مثلا- أما تدعو لابنها أن يكون مثله.. لو رأيت قاضيًا أو أي منصب (رفيع) متغطرسا، ستجد من يتمنى أن يكون مثله. الكل يريد أن يحصل على شيء.. نفسي وما بعدها الطوفان.. الكل يصمت لكي لا يُدان، لذلك يرضون بالسلطة ويدافعون باستماتة عنها. ويمتدحونها وطغيانها .

“ما شئت.. لا ما شاءت الأقدار.. فاحكم فأنت الواحد القهار”.

ابن هانئ الأندلسي مخاطبًا المعز لدين الله

الوضع كله مقامرة مفتوحة على الاحتمالات، ولا أحد يضمن شيئا، ومن يظن أنه في مأمن، فهو واهم.. السلطة سعار، والمسعور متباه بنفسه، وقد يأكل أي شيء ويفعل أي شيء ليزداد زهوًا بنفسه.

حكاية عن “كاليجولا” الطاغية الروماني، والحادثة الشهيرة، والتي أدت إلى مصرعه في النهاية، إذ دخل كاليجولا مجلس الشيوخ ممتطيًا جواده “تانتوس”، ولما أبدى أحد الأعضاء اعتراضه على هذا السلوك، قال له “كاليجولا”: أنا لا ادري لما أبدى العضو المحترم ملاحظة على دخول جوادي المحترم، رغم أنه أكثر أهمية من العضو المحترم فيكفي أنه يحملني.

وطبعا كعادة الحاشية، هتفوا له وأيدوا ما يقول، فزاد في جنونه، وأصدر قرارًا بتعيين جواده العزيز عضوا في مجلس الشيوخ، وطبعا هلل الأعضاء لحكمة كاليجولا في تعبير فج عن النفاق البشري، وانطلق كاليجولا في عبثه إلى النهاية، فأعلن عن حفل ليحتفل فيها بتعيين جواده المحترم عضوًا في مجلس الشيوخ، وكان لابد على أعضاء المجلس حضور الحفل بالملابس الرسمية، ويوم الحفل فوجئ الحاضرون بأن المأدبة لم يكن عليها سوى التبن والشعير، فلما اندهشوا، قال لهم كاليجولا: إنه شرف عظيم لهم أن يأكلوا في صحائف ذهبية ما ياكله حصانه.

وهكذا أذعن الحضور جميعا لرغبة الطاغية، وأكلوا التبن والشعير، إلا واحدًا كان يدعى “براكوس”، رفض، فغضب عليه كاليجولا، وقال: “من أنت كي ترفض أن تأكل مما يأكل جوادي؟!”، واصدر قرارًا لتنحيته من منصبه، وأن يكون تعيين حصانه بدلا منه!

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل