المحتوى الرئيسى

بيشوى القمص يكتب: الإخوان والعسكر، قراءة في تاريخ الصراع – ج21 | ساسة بوست

05/18 12:37

منذ 21 دقيقة، 18 مايو,2016

بدأت الكراهية بين الجماعة وبين القاضي أحمد الخازندار عندما تولى هذا الأخير نظر قضية اعتداء بعض شباب الإخوان على جنود بريطانيين، وهم «حسين السيد عبد السميع» و«عبد المنعم أحمد عبد العال»، حيث أنهما قد اتهما بإلقاء قنبلة يدوية على نادي الضباط الانجليز بالقاهرة في ليلة عيد الميلاد، وبعد القبض عليهما وتفتيشهما وجد في جيب الأول قنبلة، لما سئل عنها قال إنه وجدها في الطريق! وقد قدم هذان الشابان إلى محكمة الجنايات برئاسة المستشار أحمد الخازندار فأصدرت حكمها في 18 يناير 1948 على «حسين عبد السميع» بالسجن ثلاث سنوات، وعلى «عبد المنعم أحمد عبد العال» بالسجن خمس سنوات، ولم يدر القاضي الخازندار أن ثمة قاضيًا آخر قد حكم بموته هو شخصيًا وأنه في انتظار تنفيذ الحكم.

جاء الحكم على الشابين رادعًا للجماعة وصادمًا في نفس الوقت، فتلك كانت المرة الأولى التي يحاكم أحد أعضاء الجماعة ويدان، وتمنى البنا في قرارة نفس لو استطاع أحدهم التخلص من الخازندار، ولمح بذلك في اجتماع عقده مع أعضاء مكتب الإرشاد قائلًا «ربنا يريحنا من الخازندار وأمثاله»، ثم أدمعت عيناه حزنًا على الإخوان المحكوم عليهم بالسجن، وهو ما اعتبره عبد الرحمن السندي رئيس النظام الخاص بمثابة ضوء أخضر لاغتيال الخازندار.

وقع اختيار السندي على حسن عبد الحافظ ومحمود سعيد زينهم لاغتيال الخازندار، وبعد مراقبة الرجل أيامًا عدة، علموا أنه يذهب إلى المحكمة في باب الخلق بالقاهرة ويعود إلى حلوان بالمواصلات العادية، يبدأ خط سيره سيرًا على الأقدام من منزله إلى محطة سكة حديد حلوان ثم قطار حلوان إلى باب اللوق ثم المواصلات المعتادة، كذلك وضحت الدراسة أن قسم بوليس حلوان لا تتبعه سيارات وعلى ذلك وضعت الخطة أن ينتظر خروج الرجل من بيته، فيغتاله حسن بالمسدس بينما يقف له محمود حارسًا وحاميًا لانسحابه بالمسدس وبقنابل يدوية صوتية، ثم ينسحبان، ويمنعان تتبعهما من الجماهير بإطلاق الرصاص في الهواء وإلقاء القنابل، ويكون انسحابهما في غير تتبع من أحد إلى بيت عبد الرحمن، ولقد باتا ليلتهما عنده أيضًا في بيت عبد الرحمن السندي، وفي صباح يوم 22 مارس 1948 وقبل الموعد المعتاد لخروج الخازندار من بيته كان الصائدان يترصدان ذلك الخروج، ثم خرج القاضي أحمد بك الخازندار من منزله بشارع رياض بحلوان، ليستقل القطار المتجه إلى وسط مدينة القاهرة حيث مقر محكمته، في خطوات وئيدة لا يدري ما هو مبيت له، وكان محمود بعيدًا بعض الشيء، يرقب الطريق والمارة ويرقب أيضا أخاه في المهمة، بينما تقدم حسن وأطلق بضع طلقات لعلها كانت ثلاثا لم تصب الهدف، ولم يضع محمود الفرصة فترك مكانه وتقدم نحو الخازندار، وقيل إنه أمسك به من ذراعه وأوقعه على الأرض، فقد كان محمود مصارعًا ورياضيًا وكان مكتمل الجسم، وصوب إليه مسدسه فأفرغ فيه ما شاء، ثم تركه وانسحب بزميله وقد خرجت الأرملة تصيح من الشرفة وتقول «أنا مش قلت لك؟»، في هذا الوقت كان العجلاتي القريب من البيت يفتح محله حين سمع إطلاق الرصاص وصراخ الزوجة، ونظر فوجد الخازندار ممددًا على الأرض فى دمائه، فانطلق العجلاتي بإحدى دراجاته إلى قسم البوليس فأبلغ الأمر، وهنا كانت مفاجأة، القسم الذي كان معلومًا خلوه من السيارات تصادف أن جاءته من القاهرة سيارة في تلك اللحظة لنقل بعض المحجوزين به، فانطلق الكونستابل الذي كان يصاحب السيارة بها في أثر الفارين، وتغير الموقف فاتجه محمود وحسن صوب الجبل بدلا من اتجاههما إلى بيت السندي، والذى يعرف جبل المقطم يعلم أنه ليس مجالا مناسبا للفرار في تلك المنطقة، واجتازا في انسحابهما هذا بعض أسوار الحدائق والبيوت، وسقط حسن فجزعت قدمه واضطر محمود أن يحمله أو يسنده بعض الوقت، وتوالت قوات البوليس من القسم نحو الجبل، ثم لم يلبث الجبل أن ضرب عليه حصار من العباسية إلى حلوان على مسافة تزيد عن ثلاثين كيلو مترًا، وتقدمت تلك القوات إلى داخل الجبل فقبضت على محمود وحسن، وأنكرا كل صلة لهما بالحادث، وجرى التحقيق ليلتها في قسم حلوان بمعرفة النائب العام محمود منصور ثم نقلا إلى القاهرة، وفي قسم الشرطة عثر بحوزتهما على أوراق تثبت انتماءهما لجماعة الإخوان المسلمين، وقامت النيابة باستدعاء مرشد الجماعة حسن البنا لسؤاله ان كان يعرف أيًا من الجناة، إلا أن البنا أنكر معرفته بهما تمامًا، لكن النيابة تمكنت من إثبات أن المتهم الأول حسن عبد الحافظ كان السكرتير الخاص للمرشد العام للجماعة حسن البنا! فتراجع البنا عن شهادته السابقة واعترف بمعرفته للمتهم، إلا أنه نفى علمه بنية المتهمين اغتيال القاضي الخازندار، واستنكر الفعلة ونفى قيام جماعته بأي أعمال إرهابية أو أي أشياء من هذا القبيل، وهاجت الدنيا وماجت، وفي اليوم التالي أقيمت جلسة عاصفة للجهاز السري للبحث فيما حدث، وقدم الجهاز السري السندي لمحاكمة داخلية تكونت من صالح عشماوي، الشيخ محمد علي، د. خميس حميدة، د. عبد العزيز كامل، محمود الصباغ، مصطفى مشهور، أحمد زكي حسن، أحمد حسنين، د. محمود عساف، سيد فايز، إبراهيم الطيب، يوسف طلعت، حلمي عبد المجيد، حسني عبد الباقي، سيد سابق وأحمد حجازي، وكان رئيسها هو البنا وعليه يبدو التوتر في حركة عينيه السريعة والتفاته العصبي، وإلى جواره عبد الرحمن السندي رئيس النظام، وكان لا يقل توترًا وتحفزًا عن الأستاذ، كان البنا غاضبًا ثائرًا مما حدث، خصوصًا بعد حالة السخط العارم التي فوجئ بها البنا من الشارع ضد الجماعة، وكعادته حاول البنا التملص من المسؤولية، وقال إن كل ما صدر منه من قول تعليقًا على أحكام الخازندار في قضايا الإخوان لو ربنا يخلصنا منه أو لو نخلص منه أو لو واحد يخصلنا منه لا يخرج عن الأمنية ولا يصل إلى الأمر، فالأمر محدد وإلى شخص محدد، وهو لم يصدر أمرًا ولم يكلف أحدًا بتنفيذ ذلك، ففهم عبد الرحمن هذه الأمنية أمرًا واتخذ إجراءاته التنفيذية، وفوجئ الأستاذ المرشد بالتنفيذ، وقال البنا نصًا «ليس معنى أنه يخطئ قاضٍ في حكمه أن يقتل، وأن ما حدث لم أكن أعلم به»، فدافع السندي عن نفسه قائلًا أنه سمع فضيلة المرشد يقول بما معناه أن هذا القاضي الخازندار يستحق القتل «ربنا يريحنا منه» فتصور أن عملية القتل سوف ترضي فضيلته، واعتبر ذلك أمرًا من الإمام البنا، وقام بالتنفيذ فورًا، ولأن المرشد كان يعلم أن السندي يقول الصدق فقد أجهش بالبكاء، ودافع عن السندي وحاول تبرير موقفه ، ويروي د. عبد العزيز كامل في مذكراته «في نهر الحياة» تفاصيل الجلسة الساخنة التي جمعته بالمرشد وعبد الرحمن السندي قائلًا: «ووجهت حديثي إلى الأستاذ قائلًا: أريد من فضيلتكم إجابة محددة بنعم أو لا على أسئلة مباشرة لو سمحتم، فأذن بذلك فقلت: هل أصدرت فضيلتكم أمرًا صريحًا لعبدالرحمن بهذا الحادث؟

قلت: هل تحمل دم الخازندار على رأسك وتلقى به الله يوم القيامة؟

قلت: إذن فضيلتكم لم تأمر ولا تحمل مسؤولية هذا أمام الله

فوجهت القول إلى عبد الرحمن السندي، واستأذنت الأستاذ في ذلك فأذن

فقال: من الأستاذ (يقصد المرشد حسن البنا)

فقلت: هل تحمل دم الخازندار على رأسك يوم القيامة؟

قلت: وهذا الشباب الذي دفعتم به إلى قتل الخازندار من يحمل مسؤوليته؟ والأستاذ ينكر وأنت تنكر، والأستاذ يتبرأ وأنت تتبرأ.

قال عبد الرحمن: عندما يقول الأستاذ إنه يتمنى الخلاص من الخازندار فرغبته في الخلاص أمر منه.

فأجاب البنا: أنا لم أقل لك، ولا أحمل المسؤولية.

وعبد الرحمن يرد: لا أنت قلت لي وتتحمل المسؤولية.

قلت: مثل هذه الأمور ليست بالمفهوم أو بالرغبة وأسئلتي محددة، وإجاباتكم محددة، وكل منكما يتبرأ من دم الخازندار، ومن المسؤولية عن هذا الشباب الذي أمر بقتل الخازندار».

وهكذا تفرق دم الخازندار بينهم، ثم صدر حكم المحاكمة الداخلية للتنظيم بما يلي نصه «أن الأخوين اللذين قاما بهذا العمل قد قاما بعمل غير مسبوق، لكنهما لم يقصدا قتل المستشار أحمد الخازندار لذاته، وإنما قصدا قتل روح التبلد لدى هذه الجماعة من المثقفين، ومن ثم لا نكون إزاء قتل نفس بغير نفس»، واعتبروا أن الموضوع لا يستحق كل تلك الأهمية، ومن ثم فإن قتل الخازندار كان عن طريق الخطأ، وبالرغم من أن القتل الخطأ يستوجب أن يدفع القاتل ديه المقتول إلا أن الإخوان تملصوا حتى من دفع دية (تعويض) دم الخازندار لأن الحكومة قد دفعت بالفعل تعويضًا لأسرته.

كانت حرب فلسطين على الأبواب، ورأى البنا ضرورة اشتراك الجماعة في الحرب ضد عصابات الصهاينة، فحاول البنا إقناع النقراشي عن طريق الصديق المشترك مكرم عبيد، بضرورة مساعدة جيش الإخوان للجيش المصري، فرفض النقراشي الفكرة ضاحكًا من سذاجة البنا الذي تصور أن شخصًا بمثل ذكاء النقراشي ودهائه يمكن أن يقع في هذا الفخ الساذج، فعاد البنا وعرض وضع عشرة آلاف شاب تحت تصرف الجامعة العربية للمساهمة في تحرير فلسطين، فرفض النقراشي أيضًا هذا الاقتراح.

وبالرغم من رفض النقراشي للجيش الشعبي المزعوم بقيادة البنا، لم يستطع البنا تفويت الفرصة فأرسل ميلشياته للحرب، وسافرت أول مجموعة من المتطوعين من الإخوان المسلمين إلى أرض فلسطين عقب قرار التقسيم مباشرة في يناير عام 1948.

أثناء الحرب قام جمال عبد الناصر العضو بجماعة الإخوان بتدريب العديد من عناصر الإخوان الذين شاركوا في الحرب وأمدهم بالسلاح، ويروي المؤرخ والضابط السابق بحركة الضباط الأحرار أحمد حمروش ذكرياته عن الإخوان في الحرب بأنه «أثناء حرب فلسطين 1948 طلب الشيخ الإخوانى سيد سابق من الضباط الإخوان الهجوم على الإسرائيليين كصفوف متجاورة تصديقًا لآية قرآنية تصف المؤمنين بالصفوف المنتظمة، فصدم الضباط لأن هذا سيؤدي لإبادتهم بالرشاشات، أصر سيد سابق ورفض الضباط، وترك بعضهم الجماعة لاحقًا معتبرينها متخلفة بشدة وتخلط الواقع بالخيال».

في نفس الوقت، جمع فاروق مستشاريه ليبحث معهم ما يجب أن يفعله إزاء قضية فلسطين، قال له أولئك المستشارون إن التيار الشعبي المصري تجاه قضية فلسطين أقوى من أن يقاوم، ولكن يمكن استيعابه وإجهاضه بأن تكون أنت يا جلالة الملك صاحب الجيش الذي يدخل فلسطين مقاتلًا، فلا يزايد عليك الإخوان المسلمون، ولا يكسبون على حسابك ورقة يمكن أن تكسبها أنت، فقرر فاروق دخول القوات المصرية إلى فلسطين.

ولا ينسى البنا حتى في وسط المعركة نفاق الملك، فتنشر صحيفتهم صورة فاروق بملابسه العسكرية، وتتبع حركاته في الجبهة ولقائه بالعسكريين وحديثه معهم وزيارته للجرحى في المستشفيات العسكرية، وكتبت جريدة الإخوان بمناسبة ذكرى تولي فاروق سلطاته الدستورية تقول «إذا كانت الأحداث الماضية وعلى رأسها الحرب ثم يوم 4 فبراير المشؤوم قد أظهرت وطنية الملك المفدي في أحلى صورة، فقد كللت معركة فلسطين هامته بفخار تزهو به مصر ويباهي به التاريخ، قدنا يا مولاي ما شئت، فالأمة من ورائك والله من حولك خير حافظ وأقوى معين».

بعد إعلان فاروق دخول مصر الحرب، أدرك البنا أن البساط سينسحب من تحت أقدامه، ولا فائدة لاستمرارهم في أرض المعركة، كونهم سيذوبون وسط الجيوش العربية السبعة ولن يتصدروا المشهد، ولهذا أصدر حسن البنا أوامره بسحب قواته من المتطوعين بفلسطين وعدم الاستمرار في إرسال قوات أخرى إلى هناك، ويقول المستشار العقالي أحد أعضاء التنظيم السري «كنا نتدرب في بعض المعسكرات بأسيوط استعدادًا للسفر إلى أرض المعركة في فلسطين حين جاءنا القرار بوقف التدريب وإخلاء المعسكرات من المتطوعين»، وقد كان لهذا القرار الذي أصدره المرشد العام أثر مدوٍّ في قواعد الإخوان حتى إن البعض منهم قد اتهمه بالخيانة، وبعد أن استوعب حسن البنا كل المهاجمين وحركة التمرد في صفوف الإخوان، عقد كتيبة ليلية لأعضاء الجهاز الخاص ليقول لهم أن العمل هنا في مصر وليس في فلسطين، وإن الطريق إلى القدس لابد أن يمر عبر القاهرة، وما يحدث الآن في فلسطين إنما هو مؤامرة لتسليمها إلى اليهود بأسلوب يحبط الإرادة العربية والإسلامية لعدة أجيال قادمة، وقال كلمته الشهيرة «كنا نعمل على تنظيف سلم الحياة في مصر بالتربية من أسفل إلى أعلى، فأبى النظام إلا أن يقنعنا بأن السلم لا ينظف إلا من أعلى إلى أسفل”.

خسر العرب الحرب وعادت مليشيات الإخوان من فلسطين بعد أن حقق البنا هدفين، أولهما هو زرع خلايا إخوانية انطلقت من فلسطين، لتغزو عددًا من دول العالم الإسلامي، وثانيهما لتؤسس قاعدة التنظيم الدولي للإخوان فيما بعد، ويذكر أنه بعد انتهاء حرب فلسطين وهزيمة الجيوش العربية مجتمعة أمام العصابات الصهيونية، رفضت كتائب البنا تسليم سلاحها وأبت إلا أن تدخل مصر حاملة أسلحة الجيش المصري التي جرى إمدادهم بها إبان الحرب على أيدي أصدقائهم من العسكريين المصريين وعلى رأسهم جمال عبد الناصر إلا بعد مفاوضات عدة مع البنا، وافق بعدها على تسليم سلاحهم للجيش المصري.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل