المحتوى الرئيسى

فندق الطيبين

05/16 22:12

فى السينما فقط يمكنك أن تضبط «دراكولا» متلبسا بدموع طيبة حنون يتذكر بها زوجته الراحلة، يتذكرها كل يوم وهو يكافح من أجل حماية ابنتهما «اليتيمة» من بطش البشر، الذين يؤمن أنهم السبب الرئيسى فى موت زوجته.

فى السينما فقط وجد هؤلاء الذين أجمعوا على كراهية العالم لهم حلا للفرار بحياتهم، فقرروا الاحتماء بفندق بعيد.. هناك حيث لا بشر يطردون الأحلام ولا يستبيحون المشاعر.

قبل أيام شاهدت الجزء الأول من فيلم «فندق ترانسيلفانيا» Transilvania hotel، وهو الفيلم الذى أطاح بكل أيقونات الرعب، وعلى رأسهم دراكولا، وجعل منهم شخصيات مضحكة مثيرة للشفقة، قررت اللجوء بفندق لا يعرف عنه البشر شيئا، بل وممنوعون من النزول به، تصديقا لإرثهم الطويل من الظلم والقسوة التى لاقوها على أيديهم.

المصادفة وحدها قادتنى لمشاهدة هذا الفيلم للمرة الأولى، بعد أيام قليلة من قراءتى لقصة صحفية شيقة وشديدة الإنسانية، للزميلة الصحفية الرائعة أسماء مصطفى، كانت بعنوان «رحلة لـ(فندق ترانسلفانيا) لفاقدى البصر فى سينما زاوية»، وخلف هذا العنوان تلتقى بعالم كامل أبطاله أطفال من فاقدى البصر الذين كانوا يملأون القاعة ضحكا وتفاعلا مع أجواء الفيلم الذى استمتعوا بمشاهدة كل لقطة منه بآذانهم عبر التعليق «الوصفى» .

برنامج عرض رسوم متحركة للأطفال بالوصف، هو برنامج ترعاه كل من «مصرية ميديا»،المتخصصة فى ترجمة ودبلجة الأفلام والمسلسلات والرسوم المتحركة إلى اللغة العربية، وسينما «زاوية»، حسب القصة التى نشرتها جريدة «الشروق»، ونقلت عن أسماء سمير، التى قامت بالتعليق المصاحب لعرض الفيلم، إن الوصف السمعى يحتاج شخصا يمتلك حساسية فى مشاهدة الأطفال لكى يتفهم الصور المهمة التى يجب نقلها لفاقد البصر، حتى يتمكن من تجميع خيوط الفيلم، وأكدت على فكرة وصف الصور ولغة الجسد وتعابير الوجه وكذلك المناظر والملابس، فى المشاهد غير المصحوبة بحوار أو فى لحظات الصمت فى الفيلم، حتى لا يحتاج الكفيف لسؤال «إيه اللى بيحصل هنا؟».

المصادفة وحدها أيضا جعلتنى أتعرف قريبا على الدكتور محمد الزيادى، مؤسس جمعية مزايا للمكفوفين، ذلك الكفيف الذى احترف آليات التعامل مع الفيس بوك، والتواصل مع الكُتاب، ومحاولة حثهم على المشاركة فى مبادرته: «الثقافة تحت أطراف أصابع كل كفيف»، التى تقوم على تواصل الكتاب بمؤلفاتهم مع الجمعية لتحويلها إلى طريقة «برايل»، وهو ما يساعد على دمج آلاف القراء من فاقدى البصر فى عالم المبصرين وقضاياهم وآدابهم، وتوزيع أغلبها بالمجان على مشتركى الجمعية، وبيع بعضها الآخر بثمن رمزى لصالح استمرار الجمعية التى تقف فى مهب الريح لعدم الالتفات اللائق لها.

تحدث معى الزيادى بحسرة عن عدم قدرتهم على إصدار مشروع مجلة «سلاسيب»، أول مجلة للأطفال العاديين والمكفوفين فى مطبوعة واحدة، بسبب نقص الإمكانيات الحاد، و«سلاسيب» جمع كلمة «سلسبيل» وهى عين الماء الصافى.

طموح محمد الزيادى لا يتوقف عند حدود، فكانت له مبادرة سابقة لم تلق الدعم الكافى بعنوان «خلى عندك دمج»، وهذه المبادرة التى دفعته، خلال التصويت على مواد دستور 2014، لطباعة هذا الدستور للمكفوفين على طريقة «برايل»، والذى يقول صاحب المبادرة إنه كان أول دستور للمكفوفين بطريقة «برايل»، وتم عندها توزيعه مجانا على أكثر من 40 مؤسسة خاصة للمكفوفين، وتضمن كيفية المشاركة، والتصويت، ومواد الدستور.

أن تجعل أحدهم يستغرق فى أحداث رواية، أو يضحك مستبشرا بمشهد فى فيلم، هو صميم الضريبة الإنسانية المنسية لكل مبصر، فى الوقت الذى يجتهد آخرون لتسديدها، لاسيما أن المبادرات الداعمة لأحلامهم «البصيرة» تنتظر متطوعين جدد كل يوم، وربما كان الحديث اليوم عن مبادرة سينما «زاوية» و«مصرية ميديا» أو «جمعية مزايا للمكفوفين» مجرد إشارة لكثير من المبادرات التى تحتاج أن تُرى ليرى معها الملايين الذين سكن «الكبير» سيد حجاب يوما غرفتهم المظلمة، وهو يروى على لسان «العميد» طه حسين، فى رائعة «الأيام»:

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل