المحتوى الرئيسى

النائب الاوروبي أفضل خان لـ«السفير»: تعويم أوروبا المسيحية ـ اليهودية خطأ عميق

05/16 01:24

مرت أربعون سنة الآن على وقوفه في إطلالة بانورامية كهذه (الصورة المرفقة). حينها كان كل شيء يقود أفضل خان ليكون أي شيء إلا ما هو عليه اليوم. كان الطفل المُتَبَنّى، القادم من باكستان، المتلعثم بلغته الانكليزية، اللاهث بين ورديات العمل الليلي وأشغال أخرى لتأمين العيش، التارك للمدرسة بدون تعليم يعّول عليه.

يقول إنها لحظات غيرت حياته، لمّا وقف متأملاً من تلةٍ قريبة مصنعاً كان انتهى للتو من ورديته الليلية فيه. الآن هو أحد أهم السياسيين الأوروبيين المسلمين: يشغل خان (مواليد 1958) منصب نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان الأوروبي، بعدما اختار في العام 2014 سبعة ملايين، يشكلون دائرة غرب شمال انكلترا، السياسي (من حزب «العمال») ليكون نائباً أوروبياً عنهم.

حاورته «السفير» خلال جلسة للبرلمان في استراسبورغ، في أوج الضجة حول الفوز التاريخي لمواطنه صادق خان بمنصب عمدة بلدية لندن. الحديث يدور حول الأجواء الضاغطة على المسلمين الاوروبيين، بعد هجمات باريس وبروكسل، خصوصا أن كتلة الاشتراكيين، ثاني أكبر عائلة سياسية أوروبية، اختارته ممثلاً خاصاً لها لدى «المجتمعات المسلمة».

- لم تكن رحلة سهلة لتصل إلى هنا. كيف بدأت؟

- انا من عائلة فقيرة في باكستان لم تعد قادرة على تربيتي، تم تبنيّ وجلبي الى بريطانيا حيث حاولت ايجاد طريقي (في عمر 11 عاماً). كان ذلك صعباً، لذا أخذ الأمر وقتاً لأعيد ضبط نفسي ذهنياً، وأن أطور لغتي الانكليزية. ذهبت الى المدرسة، ثم تركتها، لأنه مجدداً كانت لدي صعوبات بعدما ضاع علّي الكثير من التعليم، ولافتقادي مهارات لغوية، ولهذا تركت المدرسة حينما كان عمري 16 سنة. تنقلت في مهن عديدة. عملي الاول كان شغيلا في مصنع قطن، حالما صار عمري 18، صرت أشتغل ورديات ليلية لأنها توفر مالاً أكثر.

- كيف حصل التغيير الجذري؟

كنت أنهيت عملي بعد وردية في المصنع. كنت أمشي في طريقي ثم توقفت، استدرت، كنت على تلة وكان بإمكاني رؤية المصنع. فكرت: هل أريد أن أقضي حياتي هنا. لا.. ثم كان علّي التفكير في ما الذي يجب فعله. حينها أدركت كم هو التعليم مهم. لذا عملت ودرست. دعمت عائلتي. ثم قمت بأعمال مختلفة، من شغل الطلاب إلى سائق حافلة، في فندق وبعض التدريس أيضاً. بعدها تأهلت كمحام، وكنت رجل شرطة أيضاً. منها ذهبت لدراسة الحقوق.

ثم في 2000 دخلت الى السياسة. تم انتخابي عضو مجلس بلدية مدينة مانشستر، ثم عام 2005 صرت عمدة المدينة، أول وأصغر عمدة خلال 700 سنة من تاريخ مانشستر، ثم تم اختياري عمدة العام عن كل أنحاء البلاد.

- بعد هجمات باريس وبروكسل، تَرُوج سردية أن هناك مشاكل لا حل لها مع المجتمع المسلم في أوروبا. نسمع عن «لوبي» يدفع لتعميم مصطلح «الارهاب الاسلامي»، كيف تربط هذه التطورات؟

لا اتفق مع تسمية «الارهاب الاسلامي»، أُفضل ألا تكون موجودة، لكنها مستخدمة؛ لنكن واقعيين. ولنكن واقعيين، علينا القبول أيضاً أنه حالياً، واليوم، هناك الكثير الذي يحدث من خلال مسلمين، لكن الارهاب ليس جديداً، وحتى الآن ناس مختلفون يقومون به ايضاً، وليس فقط المسلمون. لن أقول (حول التسمية) أنها صدفة، أعتقد أن هناك بعض اللوبي، لكن بالنسبة لي علينا أن نبقى مركزين على المشكلة وليس أن نتشتت بالتصنيف، فبينما أختلف مع العلامة التي يضعونها على ما يحدث، هذا لا يعني لا يوجد مشكلة. الامر المهم أن نحصره فقط بهذا المستوى، فنحن نحتاج إلى تضييق النطاق، إلى المكان الصحيح، فمن السهل لي الاشارة للمحافظين كسياسي، لأنهم خصومي. لكني أعتقد أن القضية أعمق: لماذا هذه الـ90 في المئة من الاخبار في الإعلام هي ضد المسلمين، هل من الصواب تقسيم العالم بهذه الطريقة وهناك 1.4 مليار مسلم، فاذا واصلت على هذا المنوال لن يكون هناك سلام أبداً. بالنسبة لنا، لنحصل على السلام نحتاج اتجاهاً مختلفاً. لذا أنا مهتم حقاً بالذهاب إلى مستوى أعمق ثم محاولة تغيير الاتجاه.

- لكن ما هو محرك هذا المستوى العميق، ما عنوانه؟

- أعتقد أنه تاريخي. مثلا، لماذا في السياق الاوروبي يعتبرون أن هذه الحضارة، للاتحاد الأوروبي مثلاً، أنها كائنة على ثقافة مسيحية ويهودية، مع أنه في الواقع هذا ليس صحيحاً من منظور تاريخي. بمعنى إنه لثمانمئة سنة، كانت اسبانيا مسلمة. حتى مؤخراً، كان المسلمون في اجزاء عديدة من الدول الاوروبية. أبعد من ذلك، فإنه كان هناك اتصال في الايام القديمة للإسلام، وحتى لو نظرت لها من الجهة الاخرى، ألم تستخدم الحضارات بعضها واستفادت منها؟

- هل تشير بكلامك لرفض مبدئي أن يكون المسلمون جزءاً من الشخصية الثقافية لأوروبا؟

- هذا جزء من التحدي، وهو ما يتم تعميمه عبرهم، حينما يجادلون أنها (ثقافة) مسيحية - يهودية، هذا ليس صحيحاً، فالمسلمون قدموا مساهماتهم لهذه الحضارة، وانكار ذلك هو انكار الف عام من التاريخ، هذا ليس عادلا ولا يساعدنا على التقدم.

- مفكرون وسياسيون من المسيحيين الديموقراطيين (عائلة اليمين المركزي الأكثر سلطة في أوروبا الآن)، يجادلون أن المشكلة هي أن الاسلام سيكون الدين الأكثر ممارسة في أوروبا، مع تراجع ممارسي المسيحية، بمعنى وجود مشكلة دائمة لأنه سيبدو دائماً كأن هناك الكثير من المسلمين. ما رأيك؟

لو أمكن بناء تحالف بين المسلمين والمسيحيين ـ يمكنهم ولديهم الكثير من المشتركات ـ سيكون لديك أكثر من 50 في المئة من سكان العالم، واذا عمل الاثنان معاً بشكل فعال سيكون لدينا وصفة لعالم ناجح، وفعل الاسوأ سيكون وصفة لكارثة. اليمين المتطرف هو شعبوي، لديهم شعارات فارغة بلا حلول، لكن الغالبية العارمة من المسيحيين المحترمين الذين يفهمون هذه الفكرة سيرحبون بالحصول على مجتمع ديني آخر لديه قيم مشابهة لقيمهم. في الواقع، عليك أن تؤمن بالمسيح لتكون مسلماً، لذا لديهم حليف، وإذا أعدادهم تتراجع، فمن الأفضل أن يتكاتفوا ويتعاونوا أكثر، فهذا يعطيهم قوة أكبر، لكن إذا أرادوا إدارة الأمر بطريقة معاكسة وتحويله إلى قتال، كتهديد، فهذا سيسبب مشاكل أكثر وليس أقل، وفي عالم اليوم، نحن نتنقل ونتواصل أكثر وليس أقل.

- حول فوز صادق خان بعمادة لندن، هل هي حالة خاصة أم تعكس تفرداً لمجتمع بريطاني يقبل مسلمين قادة له؟

أعتقد أن بريطانيا هي في وضع خاص مقارنة بباقي أوروبا، وبعيداً عن صادق خان، الذي هو سياسي لامع، مع سجل طويل من النجاحات. لكن المجتمع المسلم البريطاني من الناحية السياسية أكثر نضوجاً بكثير، هناك مئات من أعضاء المجالس البلدية وعشرات عمدات البلديات، وعشرات البرلمانيين، لذا في كل طبقة من البناء المسلمون موجودون، وحضورهم ينمو ولا يتراجع. فنعم، ترى ناساً مثلي ومثل صادق وآخرين يعملون على المستوى الدولي والعالمي، لكن في القاعدة هناك قائمة طويلة من الناس، وهو أمر مهم جداً.

- ما الذي يجعل بريطانيا استثناء؟

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل