المحتوى الرئيسى

الكنيسة بين «شنودة» و«تواضروس»

05/15 22:25

حينما قامت ثورة 25 يناير، تمرد شباب الأقباط ضد الكهنة الكبار فى الكاتدرائية، وعلى رأسهم قداسة البابا شنودة.. وانطلقوا متجاوزين الحوائط الخرسانية التى بناها البابا، لإغلاق أبواب الكاتدرائية فى وجه خطر هجوم أشاوس الإخوان والسلفيين فى إطار خطتهم لقتل الأقباط ونسف الكنائس..

انطلق شباب الأقباط إلى ميدان التحرير مع إخوانهم المسلمين متشابكى الأيدى ومتوحدى المشاعر لإسقاط نظام جائر.. والدعوى إلى فجر يوم جديد برفع شعار الحرية والكرامة والعدل، ويرسى دعائم الديمقراطية والمساواة وحقوق المواطنة غير مبالين بغضبة البابا، الذى دعاهم إلى قداسات صلاة لحفظ مصر من المظاهرات التخريبية التى تقوم بها قلة مندسة من الأشرار الضالين المحرومين من دخول ملكوت السماوات مع الأبرار والقديسين، كما يدعو فى الصلاة إلى أن يحفظ رئيسنا المحبوب «مبارك» من كل سوء..

تلاحم الشباب القبطى مع المسلم وأقيمت القداسات يومى الأحد والجمعة على أرض ميدان التحرير التى سجد عليها المسلمون خمس مرات فى اليوم يحميهم المسيحيون بسياج من الأيدى المتشابكة، وبقلوب تخفق بالحب والتآخى ووحدة المصير.. وامتزجت الأناشيد مع الترانيم المسيحية.. والصليب مع الهلال فى ملحمة رائعة تؤكد أواصر الوحدة الوطنية.. الحقيقة التى تختلف عن زيف تقبيل اللحى بعد أحداث فتنة أو مآرب نفاق مشتركة فى مناسبات مفتعلة.. رفض شباب الأقباط إذاً أن يكونوا طائفة دينية أو مجرد «رعايا» بمفهوم الدولة الدينية التى كان يحاول البابا «شنودة» دائماً أن يفرضها، كما يفرض وصايته السياسية على جموع الأقباط محاولاً أن يختزلهم فى شخصه.. لقد انتبه الشباب فى رفضهم إلى عمق المهانة التى سوف تلحق بهم إن هم تخلوا عن مبدأ «المواطنة» من أجل الانتصار لــ«طائفية» بغيضة تلزمهم بها الكنيسة وتفرض عليهم عزلة إجبارية تمنعهم من المشاركة الإيجابية فى الحياة الاجتماعية والسياسية للوطن.. وفطنوا إلى فداحة أن يتم وصمهم بالخيانة إذا ما انفصلوا عن ثورة الشعب التى تعنى ثورة المسيحيين والمسلمين من أجل إقامة دولة مدنية تختفى فيها الشعارات الدينية.

ثم كان من الطبيعى بعد ذلك أن يذهب الشباب فى مسيرات إلى ماسبيرو، حينما كانوا يطالبون بحقوق مغتصبة بدلاً من الذهاب إلى الكاتدرائية.. ورغم أن هذه الحقوق تتصل بالتمييز أو الاضطهاد لأسباب دينية.. فإن التظاهر بالطبع يتخذ طابعاً سياسياً أمام سلطة سياسية، وبالتالى فلا ينبغى أن يكون للكهنة دور فيه.. وقد كان فى تمرد شباب الأقباط ضد الكهنة عند اندلاع الثورة وانطلاقهم إلى ميدان التحرير هو أول إنذار يؤكد للقيادات الكنسية أن التغيير المقبل سوف يمتد من ميدان «التحرير» إلى «العباسية».. من الثورة على الجمود والتعنت والتحريم وفرض الوصاية الاجتماعية والإنسانية باسم الدين على بشر معذبين يبحثون عن الرحمة والخلاص والحب والسلام الذين بشر بهم المسيح منذ أكثر من ألفى عام.

لكن رياح الثورة لم تمر أمام الكاتدرائية وصم الكهنة آذانهم عن صراخ المقهورين وأغلقوا قلوبهم وأبوابهم فى وجوه المستضعفين.. وأوقفوا عقولهم عند تعاليم أباطرة العصور الوسطى وكتبهم القديمة.. ومن ثم فقد اندفع الثوار من البؤساء واعتدوا على الأنبا بولا «المسئول عن ملفات الأحوال الشخصية مطالبين بإعادة العمل بلائحة (1938) الرحيمة وحل مشاكل الآلاف الحاصلين على أحكام نهائية بالطلاق ولا يستطيعون الحصول على تصريح زواج ثانٍ من الكنيسة.. إن الدنيا تغيرت.. وأصحاب المظالم عرفوا طريق الاحتجاج.. والخانعون تحولوا من محتمين بأسوار الكاتدرائية إلى محتجين ضدها.. والأيدى التى كانت تمتد بخشوع لتقبيل أياديهم المباركة أصبحت تلوح لهم بغضب.. وتطاردهم باللعنات..

إنها المرة الأولى إذاً بعد ثورة (25) يناير التى يتظاهر فيها الأقباط داخل الكنيسة ضد الكنيسة.. وليس ضد النظام السياسى..

وتجرى فى النهر مياه كثيرة.. وبعد وفاة البابا «شنودة» واستيلاء قراصنة المكفرين على الحكم وجلوس الأنبا «تواضروس» على الكرسى المقدس، ليقود سفينة الأقباط وسط أمواج عاتية وأحداث صاخبة ومناخ طائفى محتدم.. وصرح منذ اليوم الأول بعدة تصريحات مهمة، منها أن الكنيسة لا ينبغى أن يكون لها دور سياسى، ومن ثم فالشباب القبطى الآن ينضم للحركات السياسية.. والأحزاب ويتوجه بمطالبه للدولة.. وليس للكنيسة.. وقال المسيحيون جزء من تراب هذا الوطن وليسوا أقلية.. عندما يتعلق الأمر بتاريخنا وقيمة حبنا لوطننا.. وفى تظاهرات (30) يونيو التى أزاحت الإخوان عن الحكم صرح للأقباط بالتظاهر وأعلن تأييده للجيش.. كما بارك حركة تمرد وصاح مغرداً على «تويتر»: ما أروع الشعب المصرى، وهو يسترد ثورته المسلوبة بأسلوب حضارى راق..

ومن هنا، فالرجل إذاً قد صحح إلى حد كبير مسار ومحتوى خطاب الكنيسة وانحاز للوطن وأعلى من شأن «المواطنة» فوق الطائفية ولم يتجاوز الخيط الدقيق الذى يفصل بين السياسة والدين.. بين المقدس والدنيوى.. بين الزعيم الدينى.. والراعى الروحى.. وقد حاول «البابا تواضروس» أن يفتح النوافذ والأبواب لحلول إنسانية لمشاكل الأحوال الشخصية فاصطدم بالفكر القديم لتقويض أى تطور حقيقى والذى يتمسك بالاستمرار فى سياسة «البابا شنودة» فى إلغاء لائحة (1938) وعدم الاعتراف بالطلاق إلا لعلة الزنا.. ولكنه استطاع أن يحقق نجاحاً فى مشروع القانون الجديد بفصله بين «الهجر» وبين «الزنى الحكمى» وهو بذلك يجعل مظلة الهجر تتسع لتشمل أموراً أخرى غير الخيانة الزوجية، مثل الغياب المجهول السبب.. وعدم معرفة ما إذا كان الغائب حياً أو ميتاً.. والهجر لاستحالة العشرة وإساءة المعاملة والغياب بسبب السجن.. وهى أمور تحتوى عليها لائحة (1938)، وبذلك تصبح تلك اللائحة فى طريقها إلى العودة بعد عذاب طويل..

«هى الكنيسة بتحلل لنفسها اللى بتحرمه علينا»؟!

هذه الصيحة الغاضبة أطلقها الكثير من المواطنين الأقباط تعليقاً على سفر البابا «تواضروس» إلى القدس لقيادة شعائر الصلاة على جثمان الأنبا «إبراهام»، كبير أساقفة القدس والشرق الأدنى رغم أن البابا أعلن وقتها أن سبب الزيارة الاستثنائية «سبب روحى» ولا علاقة له من قريب أو بعيد بالتطبيع مع «إسرائيل»، بل إنه يعتبرها واجباً إنسانياً.. كما يعتبرها تعزية لكل أبنائه الأحباء الموجودين فى الأماكن المقدسة..

هذا فى الوقت الذى احتفت فيه الصحافة الإسرائيلية بالزيارة.. وقالت إنها لم تكن تحدث إلا بموافقة الرئيس «السيسى».. كما نشرت صحيفة «ديلى ميل» البريطانية تقريراً عن الزيارة التى وصفتها بالتاريخية.. وقالت فيه إن الرئيسى الفلسطينى «أبومازن» أعرب عن سعادته بالزيارة التى اعتبرها خطوة هامة لدعم الشعب الفلسطينى فى القدس المحتلة مكرراً عبارته الشهيرة أن زيارة السجين هى التضامن معه والشد من أزره، وليس تطبيعاً مع السجان.. والقدس لا ينبغى أن تبقى معزولة عن محبيها وأهلها الداعمين لقضيتها..

أما الصيحة الغاضبة فترجع إلى ما هو معروف عن قرار المجمع المقدس للكنيسة الأرثوذوكسية مقاطعة زيارة المواطنين الأقباط إلى القدس (1980) احتجاجاً على احتلال إسرائيل للقدس الشرقية، وعلى خلفية توقيع اتفاقية السلام بين «مصر» و«إسرائيل» ورفض تطبيع العلاقات بين البلدين.. وصرح وقتها البابا «شنودة» تصريحه الشهير: «لن أدخل القدس إلا مع شيخ الأزهر.. ولن يدخل الأقباط القدس إلا مع إخوانهم المسلمين بعد انتهاء الاحتلال الصهيونى».. بل إنه فرض عقوبات على المخالفين لأوامره.. محرماً عليهم الصلاة بالكنائس.. واضطر بعضهم إلى الاعتذار له -بشكل شخصى- بالجريدة الرسمية..

الصيحة الغاضبة إذاً تعنى أن الأقباط قد سبق وتحملوا خطأ قرار المنع - والذى بالمناسبة- أدى إلى تفاقم المشاكل بين البابا «شنودة» وبين الرئيس الراحل «أنور السادات» وانتهى وقتها بعزل البابا الذى اعتبره نوعاً من خلط ما هو دينى بما هو سياسى.. فإذا كان البابا «تواضروس» قد رفض هذا الخلط بزيارته للقدس.. فلماذا يقصره على نفسه، والوفد المشارك ولا يعممه على جموع الأقباط؟! خاصة أن الزيارة تشمل إلى جانب الصلاة على جثمان الأنبا «أبراهام» ترؤسه لأول قداس فى كنيسة القيامة منذ قرار منع الزيارة بالإضافة إلى زيارة بعض الأماكن المقدسة مثل «بيت لحم» وإلقاء عظة فى مدينة «الناصرة»، التى تعيش فيها أكبر جالية عربية.. ثم إن البابا لم يذهب عبر الطريق التقليدى لزيارة القدس.. وهو مطار «عمان» الأردنى، ثم براً إلى القدس.. بل ذهب إلى مطار «تل أبيب» نفسها ثم إلى القدس..

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل