المحتوى الرئيسى

"المفتاح" و"الكوشان".. رمزان لتمسك الفلسطينيين بحق العودة

05/15 15:41

في مكان بارز من أحد جدران غرفة الضيافة بمنزله علق الحاج سعيد العامودي مفتاح أسود كبير الحجم، ليتناغم مع ديكور الغرفة التي غلب عليها الطابع التراثي مع بساطة المنزل ومحيطه في مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة.

اغرورقت عينا السبعيني العامودي لبوابة "العين" وهو يشير إلى المفتاح "هذا رمز لعودتنا.. استلمته من والدي وأورثه لأحفادي.. كان أمل والدي أن يعود ولكنه ورثني هذا الأمل ولن أتخلى عنه".

استأذن العامودي لحظات ليرجع وفي يده صندوق قديم فتحه ليستخرج أوراقا قديمة وقال: "ذاك المفتاح وهذا "قيشان الطابو".. نتوارثه جيلا بعد جيل.. قال الاحتلال الكبار يموتون والصغار ينسون.. لكن فشروا إذا مات الكبار حمل الأمانة الصغار".

ويحتفظ كثير من اللاجئين الفلسطينيين بمفاتيح بيوتهم داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948 وكواشين الطابو (أوراق إثبات ملكية بيوتهم) على أمل أن يعودوا إليها.

كانت العصابات الصهيونية شنت هجمات واسعة ومجازر بشعة ضد الفلسطينيين لتدمر 531 قرية وبلدة على الأقل، ليجري تشريد قرابة 800 ألف فلسطيني لتصل الأمور ذروتها بالإعلان عن قيام إسرائيل على أنقاض تلك القرى والبلدات المدمرة في 15 مايو 1948 فيما بات يعرف بيوم النكبة الفلسطينية.

بقلب موجوع قال الكاتب إبراهيم قنن، وهو يروي لـ"بوابة العين" الارتباط بين اللاجئ والمفتاح قائلاً: "المفتاح يمثل وثيقة معنوية ومادية بأحقيتنا في الأرض التي هجرنا منها عنوة.. وبأحقيتنا في الدار القديمة وهو يمثل الأمل بالعودة.. آمال الرجال والنساء الذين عاشوا النكبة الأولى بكل مرارتها وقسوتها وهجروا وشردوا إلى أصقاع الدنيا لاجئين".

وأضاف "من آبائنا وأجدادنا ورثنا هذه المفاتيح بعدما استمعنا لقصص النكبة ومعاناة التشريد".

ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين اليوم قرابة 5 ملايين لاجئ موزعين على عشرات المخيمات في فلسطين ودول الشتات، فضلا عن أصقاع العالم؛ وهي حالة فريدة تكاد تكون غير موجودة في العالم من حيث طول فترة التهجير.

وشدد قنن على أنه "لا أحد يمكن له أن يتخلى عن مفتاح الدار.. فهو كما البندقية في وجه الأعداء".

وأضاف "بالنسبة للكوشان يمثل بالنسبة لي وثيقة قانونية ومادية مهمة أمام العالم أمام القانون.. تؤكد من خلاله أننا أصحاب الحق الأصليين وأن كل محاولات السرقة التزييف والخداع التي يمارسها الاحتلال أمام العالم ستسقط يوما أمام ما نحمله من وثائق (المفتاح.. الكوشان) وهي وثائق مثبتة في كل دول العالم وأولها بريطانيا.. الكوشان الذي لا يزال يتوارثه الأبناء عن الآباء والأجداد".

وتابع "هي وثائق تؤكد أن الاحتلال سرطان طاري إلى زوال.. وثائقنا التي نحتفظ بها تواريخها قبل قيام دولة الاحتلال بسنوات طويلة".

بدوره، قال اللاجئ جهاد أحمد الناشط في تجمع قرية عبدس المدمرة إبان النكبة، "نحن نحتفظ بأوراق البيوت والأرض لأننا حتماً سنعود إن لم يكن اليوم فغدا.. هذا ليس تراثا فقط، بل هذا عقيدة وطنية تسلمناها من الآباء والأجداد ونسلمها للأبناء والأحفاد".

وحولت إسرائيل غالبية البلدات الفلسطينية إلى مدن حديثة سلمتها للمستوطنين اليهود الذين استجلبتهم على مدار سنين، دون أن يحول ذلك على إصرار اللاجئين على الاحتفاظ بمفاتيح بيوتهم القديمة التي تمت إزالة غالبيتها بشكل فعلي.

وقال أحمد لـ"بوابة العين" إن: "هذه الرموز الشخصية تمثل رموز وطنية اليوم تجمع أهالي كل بلدة وقرية حول الرموز الوطنية "المفتاح والكوشان" وتجمع كل منطقة أهلها حول تاريخها الخاص وعاداتها وتقاليدها ليتوارثها الأجيال.

وتقع قرية عبدس التي ينحدر منها أحمد 13 كيلومترا شرق المجدل، وكان يقطنها 561 نسمة قبل النكبة، وفيها 62 منزلا، ويملك أهاليها 4593 دونما وفق أوراق الطابو "الكوشين" التي يمتلكونها لليوم.

وقال: "كانوا في مثل هذا اليوم 561 فردا، اليوم نحن نتجاوز الـ7000 نسمة، هذا المجموع يلتف حول الرموز الشخصية التي حملها الأجداد إبان النكبة معهم، هناك اهتمام دائم بذلك، بالبلاد والأرض والمنازل وحتى الحياة الاجتماعية بتفاصيلها البسيطة تروى شفاهية للأجيال".

أما المؤرخ حسام أبو النصر فأكد أن الفلسطينيين الذين خرجوا من منازلهم وأراضيهم عام 1948 وتشتتوا في أصقاع الأرض، حملوا كواشين الأرض ومفاتيح أبواب المنازل التي تركوها على أمل العودة لها فور انتهاء القتال حينئذ.

وقال أبو النصر لـ"بوابة العين": "خرجوا ومعهم الكثير من المقتنيات الشخصية من شهادات الميلاد وجوازات السفر، وكواشين الأرض، والمفاتيح، والملابس والأواني وغيرها".

وأشار إلى أن المفتاح والكوشان هما الأبرز بين تلك المقتنيات لما يمثلانه من أهمية شخصية ووطنية في الوعي الجمعي الفلسطيني.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل