المحتوى الرئيسى

مصر بعيون مغربية

05/14 21:39

كان لى مؤخراً شرف المشاركة ضمن وفد إعلامى مغربى، فى زيارة إلى الشقيقة مصر لعقد بعض اللقاءات مع مسئولين، أولاً، ثم الوقوف، ثانياً، عند صورة مصر الحقيقية الآمنة بعيداً عن ضجيج الإعلام وتضخيمه للأحداث فى أحيان كثيرة.

كانت الرحلة من الدار البيضاء إلى القاهرة، ثم من القاهرة إلى شرم الشيخ، ممتعة، رغم بعد المسافة، يملأها فضول بعض ممن لم يسبق لهم زيارة المحروسة، وإن كانوا يعرفون عنها تفاصيل كثيرة من خلال الإعلام والأفلام والدراما المصرية، عندما كانت هذه القوة الناعمة تشكل وجدان العرب وقبلتهم، ومن خلال روايات نجيب محفوظ وطه حسين وعباس العقاد ويوسف إدريس وغيرهم الكثير.. ولم يعكر صفو هذه الرحلة سوى السلوك الحاد لبعض مسئولى الأمن والجمارك فى المطار، حيث علق أحد الزملاء بنبرة فكاهية: «نحن لا نخاف الإرهاب فى مصر، نحن نخاف فقط من الشرطة».

ربما كانت العبارة عفوية لكنها تعكس صورة نخشى أن تتكرس فى الأذهان، مرة أخرى، نتيجة لتجاوزات بعض العاملين فى الجهاز الأمنى فى مصر، وما تعكسه هذه السلوكيات، وإن كانت فردية، على صورة مصر فى الخارج، وعلى صورة الجهاز أمام الشعب المصرى ذاته. لقد استعادت مصر أمنها بدرجة كبيرة بتضحيات لا مجال لإنكارها، إلا أنه من الواضح أن ثمة حاجة إلى المزيد من الاحترافية فى العمل الأمنى الداخلى، بما فى ذلك التعاطى مع الأجانب، فكما تسخّر الدولة كل إمكانياتها من أجل تشجيع السياحة، فيجب الأخذ بعين الاعتبار ضرورة معاملة السائح كما يليق، بابتسامة تعكس روح مصر وتذيب رتابة كل الإجراءات الأمنية الضرورية وإن كانت مملة.

كانت شرم الشيخ هادئة وساحرة، مثل العادة، وكم تمنينا أن يطول مقامنا فيها لنستمتع أكثر ببحرها وسمائها وليلها الساحر، والأمن الذى أحسسناه ونحن نتجول بين شوارعها، لكن الموعد كان ينتظرنا فى القاهرة الساهرة الصاخبة، وأول زيارة كانت لمدينة الإنتاج الإعلامى التى استقبلت الوفد المغربى بترحاب شديد، وأيضاً بتتبع نظرات أحد العاملين (أو الطلبة) الذى همس لأصدقائه، بنوع من الكوميديا السوداء: «لَيكونوا ناويين يبيعوا المدينة كمان!». عبارة استرقتها مسامعى، وكانت كالخنجر المسموم فى صدرى، أنا الغيورة على هذا الوطن الذى أعتبر نفسى لا أسكنه ولكنه يسكننى.

هل لهذه الدرجة فقد المصرى ثقته فى مسئوليه؟ وهل يمكن أن يصدق أن مصر الحرب والسلام يمكن أن تبيع أرضها؟.

استمتع الجميع بهذه الزيارة لواحدة من أهم معالم مصر وفخرها، وتوجت بلقاء جمع الوفد المغربى برئيس مدينة الإنتاج الإعلامى، ورئيس غرفة صناعة الإعلام المسموع والمرئى وبمجموعة من الإعلاميين المصريين، حيث كانت هذه اللقاءات فرصة للحديث عن واقع الإعلام المصرى وما يعيشه من فوضى وانفلات بات يؤثر سلباً على صورة مصر فى الخارج، وعلى نفوس المصريين ذاتهم. والغريب أننا كلما تحدثنا إلى أحد الإعلاميين يفاجئنا بالسؤال: وهل تتابعون برامجنا وما تبثه قنواتنا؟. ليكون جوابى فى كل مرة: وهل لدينا خيار سوى متابعتكم؟. فكل من يهتم بمصر ولديه قناعة أنها رمانة الميزان فى المنطقة وما يصيبها يصيبنا جميعاً، لا بد أن يتابع باهتمام كل ما يحدث فيها، ولابد أن تكون عينه على إعلامها، الذى، أحياناً كثيرة يتناسى بسوء تقدير، أنه يوجه مادته/مدفعيته للعالم كله، وليس فقط لجمهور من الداخل يريد أن يؤثر عليه سلباً أو إيجاباً.

إذا كان الإعلام هو ضمير الأمة ومرآتها، فإن الإعلام المصرى يعكس اليوم صورة سيئة عن مصر، بوعى أو دون وعى، بعد أن أصبح دليله هو الصراخ والمزايدة على الوطن، وبعض الأحيان، الاستقواء على مؤسسات الدولة ومحاولة ابتزازها بشكل يدعو للقلق، مما يستدعى ضرورة إيقاف هذا النزيف والعودة بقاطرة الإعلام إلى مسارها الصحيح، الإعلام المصرى الذى علمنا ذات يوم كيف نحب مصر البهية وتتعلق أرواحنا بها قبل أن تراها أعيننا.

فهل سيعود الإعلام المصرى إلى سابق عهده من الاتزان والنضج واحترام المشاهد المصرى قبل احترامه للمشاهد العربى؟.

مرت الأيام بسرعة، كما هى الحياة فى القاهرة، وانتهت زيارتنا للمحروسة بعد لقاءات جمعتنا بوزيرى الخارجية والثقافة، ووكيل مجلس النواب ورئيسى لجنتى العلاقات الخارجية والشئون العربية، ورئيس هيئة تنشيط السياحة، ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات، بالإضافة إلى زيارة لمؤسسة الأهرام العريقة بدعوة من رئيس تحريرها. وقد أجمع أعضاء الوفد المغربى خلال تلك اللقاءات على أن مصر، ليس كما يتناقلها الإعلام، غير مستقرة أو على حافة الانهيار، بل على العكس، كلنا لامسنا كم هى آمنة وكم شعبها قوى يتحدى الخوف، وكم هو مقبل على الحياة، وصامد فى وجه كل التحديات.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل