المحتوى الرئيسى

التجديد والسياحة (9)

05/13 23:00

لم يكن لفظ السياحة بمفهومها المعاصر معروفاً عند الفقهاء الأقدمين، ولذا فلا تجد فى كتب الفقه التراثية حديثاً عن السياحة وأحكام السياح فى بلاد المسلمين، لكن إذا تفحَّصت فى كتبهم عثرت على بغيتك تحت مسميات أخرى، فقد عرفوا وتحدثوا عن وجود الأجانب فى بلاد المسلمين تحت اسم «المستأمَن»، فأفردوا حديثاً مطولاً عن حقوقه وواجباته وحتى عن كيفية التعامل معه فى حال الاعتداء منه أو عليه فى بلاد المسلمين، كما تحدثوا عن المسلم الذى يذهب إلى بلاد غير المسلمين وما يحل له وما يحرم عليه فى أثناء إقامته فى بلادهم، وهو ما نحتاجه عند حديثنا عن السياحة وأحكامها، حيث يظهر بجلاء من خلال معرفة ما يتعلق بالمستأمن من أحكام إجماع الفقهاء على مشروعية السياحة وإعطاء الإذن بها لمن أراد دخول بلاد المسلمين لأداء عمل أو تجارة أو زيارة معالم تاريخية أو طبيعية أو غير ذلك من الأغراض، ولم يكن فى اتفاقهم هذا تردد لأن دخول غير المسلمين حتى من البلاد المعادية بعد حصولهم على عقد الأمان -وهو المتمثل فى تأشيرات الدخول المعروفة فى زماننا- ثابت بنص كتاب الله عز وجل، حيث يقول تعالى: «وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ»، فإذا كان الإذن بدخول بلاد المسلمين لمن يحارب المسلمين جائزاً بنص كتاب الله فجوازه لغير المعادى أولى، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم من بعده يستقبلون سفراء الدول غير المسلمة الحاملين لرسائل من ملوكهم أو رؤسائهم، بل كانوا يكرمون وفادتهم حتى يعودوا سالمين إلى ديارهم، ولا يتعرض لهم أحد من المسلمين أو غيرهم من مواطنى الدولة بسوء حتى لو كانوا يحملون رسالة فيها تهديد ووعيد، وربما يحفظ كثير من الناس ما كان من رسولنا الأكرم حين أرسل إليه مسيلمة الكذاب الذى كان يدّعى النبوة برسولين تجاوزا كثيراً فى حديثهما عند رسول الله حتى غضب غضباً شديداً، لكنه لم يأمر بعقابهما بل قال: «لولا أن الرسل لا تُقتل لضربت أعناقكما»، فهذا المبدأ الذى أرساه النبى صلى الله عليه وسلم سبق به مواثيق الأمم المتحدة وغيرها من المواثيق التى تحمى السفراء والأجانب من الاعتداء عليهم من أهل البلد المضيف، وهو ما جاء به كتاب الله من قبل، حيث أوجب رد الأجنبى إلى بلده آمناً من خلال الصيغة الدالة على الوجوب والإلزام فى قوله تعالى: «ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ».

نرشح لك

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل