المحتوى الرئيسى

«مصر للألومنيوم».. إهدار الملايين فى معدات «معطلة» | المصري اليوم

05/13 22:56

تحت شمس صعيد مصر الحارقة، وتحديدًا فى مصنع مصر للألومنيوم بنجع حمادى، حمل العامل ذو البشرة السمراء ككل أبناء الصعيد، والأفرول الأزرق ككل عمال الشركة، كرتونتين على كتفه، يسير الرجل بخطوات متسارعة إلى جوار «مسبك 2»، وإلى جانبه أيضًا عدد من قطع الغيار المتهالكة، الملقاة فى شوارع الشركة، وكذلك ألواح ضخمة من الألومنيوم غير المطابق للمواصفات، الذى ينتظر صهره وإعادة تشكيله مرة أخرى.

يستوقفه أحد زملائه ويسأله: «كراتين إيه دى؟»، فيرد العامل: «مزيل الصدأ». يضع العامل الكرتونتين على الأرض ويفتح إحداهما، ليخرج علبة «سبراى» مكتوبا عليها بالإنجليزية «tooimates crown»، مع إشارة إلى أنها «منظف مواد إلكترونية».

يسأل الشخص العامل مرة أخرى، فى مقطع الفيديو، الذى حصلت «المصرى اليوم» على نسخة منه: «فى كتير منه»، ليرد العامل بالإيجاب، موضحًا أنها مازالت جديدة، ثم يعرضها عليه قائلًا: «عايز تاخدها خدها»، فيسأله مرة أخرى: «يعنى فى كميات كتير منها»، فيرد العامل بالإيجاب، ويرد الشخص: «خلاص ناخد طالما فيه كميات».

يقول مصدر داخل «مسبك 2» بشركة مصر للألومنيوم إن علب «الاسبراى» كانت ضمن شحنة «فاسدة» موردة من شركة «الناصرة»، التى يوكل إليها العديد من عمليات التوريد بالأمر المباشر، على حد قوله، مشيرًا إلى أنه كانت توجد كميات كبيرة منها، وتم نقلها إلى مخازن تحت الأرض فى الشركة، حيث كان يتوجه بها العامل.

كما حصلت «المصرى اليوم» على عدد من مقاطع الفيديو، التى توضح وجود قطع غيار متراكمة فى المخازن، وبعضها فى مكانها منذ سنوات، وقد اعتلاها التراب، من بينها أجهزة قياس درجات حرارة إلكترونية لم تستخدم على الإطلاق، وكابلات «غير مطابقة للمواصفات»، بحسب مصادرنا فى «مسبك 2».

ورغم وجود قطع غيار مهملة فى مخازن الشركة لا حاجة لها، إلا أن العمل يتوقف فى حالات أخرى على قطع غيار «بسيطة جدًا»، كما يقول سيد عزت، (اسم مستعار)، فنى بالمصنع: «العمل يتوقف على قطع غيار بسيطة جدًا، وحاليًا هناك معدات وآلات كثيرة متوقفة بسبب قطع الغيار، وهو ما يتسبب فى إهدار المال العام».

ويضيف عزت: «عدم وجود قطع غيار، أو استخدام قطع غيار غير مطابقة للمواصفات، يتسبب فى عدم العمل بكامل كفاءة الآلة أو المعدة، أو توقفها بالكامل، مثل ماكينة صب رقم 43 فى مسبك 2، والتى توقفت بالكامل قبل عامين، بسبب عدم وجود قطع غيار، ثم عادت للعمل مرة أخرى قبل 3 شهور فقط، ولكن بخزان واحد فقط وليس اثنين. كذلك توجد العديد من الخلايا متوقفة عن العمل (وهى التى تستخدم لتحويل بودرة الألومنيوم لمعدن)، بواقع خلية أو اثنتين فى كل عنبر، مثل الخلية رقم 6 ورقم 27 فى عنبر رقم 10، وهو ما يؤدى إلى خسارة المصنع لإنتاجها بالكامل».

وتظهر فى مقاطع الفيديو العديد من الماكينات والآلات، التى كان من المفترض أن تكون جزءًا من مشروع لتطوير مصنع القضبنة والدرفلة بالشركة، إلا أنه جميعًا معطلة ولا تعمل، مثل وحدة تزييت تم استيرادها من الخارج، ولم تعمل على الإطلاق منذ وصولها قبل أعوام، حتى «اختفت قبل أسبوع ولا أحد يعرف عن مصيرها أى شىء»، بحسب مصدر داخل الشركة، وكذلك ماكينة تعريج الشريحة بالدرفلة، والتى تتجاوز قيمتها أكثر من 10 ملايين جنيه، وقت شرائها فى نوفمبر 1997.

وبحسب المحاسب أشرف يوسف الحاج، ممثل الجهاز المركزى للمحاسبات فى اجتماع الجمعية العمومية للشركة فى 30 سبتمبر 2015، فإن وجود الماكينة فى هذه الحالة «يعنى عدم قيام الشركة بالدراسة اللازمة للسوق وللكميات المتوقع إنتاجها وتوزيعها، وذلك قبل البت فى شراء الماكينة مما أدى إلى تجميد تلك المبالغ، مما يعنى عدم سلامة التصرفات وقد أفادت الشركة بردودها المتكررة بأن الماكينة تعمل وبحالة جيدة وأن عملها مرتبط بالخطة التسويقية، والتى ليس لها أوامر تشغيل منذ فترة طويلة، وأنه يتم العمل على التصرف الاقتصادى بشأنها إما بالبيع أو إعادة تأهيلها وهو ما لم يتم حتى تاريخه».

يرى مدير إدارة الـCNC بالإدارة العامة للورش الإنتاجية بالشركة، المهندس نميرى عساى، أن عملية التطوير فى المصنع مستمرة رغم ما يضخه فى خزينة الدولة من أموال: «استمر مصنع الألومنيوم فى ضخ مئات الملايين من الجنيهات فى خزينة الدولة لسنوات طويلة، وفى نفس الوقت يتم تحديث المعدات والآلات والمنشآت مما جعل مصنع الألومنيوم حاليًا يحتاج إلى استثمارات جديدة وليس تطوير أو تحديث فهو يعمل بأحدث الأنظمة العالمية فى مجال صناعة الألومنيوم».

ما قاله «عساى» يختلف بشكل كبير عما ظهر فى أحد مقاطع الفيديو من قيام عدد من العمال وهم ينزعون الزهر ويكسرون الأملاح يدويًا من الموصلات (البلوكات)، مستخدمين فى ذلك «القادوم»، يقول سيد عزت (اسم مستعار)، فنى بالمصنع: «هذه العملية يجب ألا تتم بشكل يدوى، لأن تكسير الأملاح والزهر ونزعهما بهذا الشكل يؤثر على البلوكات سلبًا، الطبيعى أن تخرج البلوكات وتنزل فى مغطس جرافيت فيتم الفصل بين الزهر وألومنيوم البلوك، لكن هذه الماكينة للأسف لا تعمل، ما يجعل العمال يفصلون الزهر والأملاح بالشواكيش، ومعظمهم مصاب حاليًا بالغضروف، بسبب هذا العمل».

وتظهر مقاطع الفيديو تعطل ماكينات نزع الزهر وكسارة الفحم وكسارة الأملاح والكسار الفكية، المكتوب عليها «ماكينة نظافة الأعقاب» (البلوك بعد استخدامه فى خلايا الألومنيوم)، والتى كان من المفترض أن تقوم بهذه العملية آليًا، كما تظهر فى الفيديو ماكينة، يطلق عليها «ماكينة البروش»، يقول عنها سيد عزت: «منذ أن جاءت هذه الماكينة لم تعمل، ولا نعرف ما هو طبيعة استخدامها».

فى عصرها الذهبى، كانت شركة «مصر للألومنيوم» تطبق الاستفادة القصوى من منتجاتها وحتى مخلفاتها، التى تعيد تصنيعها مرة أخرى، جزء من هذه العملية كان يتم بماكينة «الكولار»، والتى تظهر فى مقطع فيديو حصلت عليه «المصرى اليوم» متوقفة تمامًا عن العمل، يقول سيد عزت: «كان يتم إدخال البلوك للنظافة فى هذه الماكينة حيث يتم إزالة بواقى بودرة الألومنيوم والأملاح الموجودة على البلوك لإعادة استخدامها من جديد بدلًا من الاستيراد».

تضمنت ميزانيات الشركة المختلفة عشرات الملايين لتطوير «مصر للألومنيوم»، إلا أنها لم تحقق المطلوب منها، أو لو يتم تنفيذها، أو تم تنفيذ مشروعات بملايين الجنيهات دون جدوى، مثل مشروع محطة النفايات الخطرة، الذى رصدت له فى ميزانية 2010 2011 مبلغ 396 ألف جنيه، ولم تعمل حتى الآن، وكذلك مشروع نظام الاحتراق المتكامل، والذى رصدت له 5 ملايين جنيه لتطويره، فشل، وبسببه احترق مصنع البلوكات أكثر من مرة، فى 2012، بسبب عدم توفير وسائل الأمان وعدم عمل نظام الاحتراق.

وتعمل محطة صهر القار فى المصنع دون وحدة احتراق الغازات، وبحسب الفنى سيد عزت، فإن وحدة صهر القار، من المفترض أنها تتعامل مع الغازات الصادرة عن عملية الصهر، لتخرج كغازات محترقة، كى يتم التقليل من آثارها السلبية على صحة المواطنين والبيئة، ويضيف: «عندما يأتى مفتش بيئة من القاهرة يتم إبلاغ الشركة قبل وصوله بأيام فيتم إيقاف العمل بهذه المحطة كى يتم تقليل نسبة تلوث الجو التى يقوم بحسابها».

ويتابع عزت: «محطة صهر القار ملهاش لزمة بدون وحدة الاحتراق، وجميع المسؤولين فى الشركة يخافون من دخول هذه المحطة، ويخافون حتى من المرور أمامها، هم يقولون إنها قنبلة موقوتة، من الممكن أن تنفجر فى أى وقت.. المهندس عبدالظاهر نفسه رئيس الشركة لم يدخل هذه المحطة على الإطلاق».

وفى إطار عمليات التطوير التى لم تتم، والتى استخدمت لإهدار المال العام، استبعدت شركة مصر للألومنيوم نظام المعلومات المتكامل من شركة راية، والبالغ تكلفته نحو 18 مليون جنيه، من حسابات الأصول الثابتة، وذلك خلال العام المالى 2013ـ 2014، وذلك بعد أن كانت تعاقدت مع شركة راية على النظام المذكور، والذى لم يعمل منذ تاريخ شرائه فى 2006.

وبحسب المحاسب أشرف يوسف الحاج، ممثل الجهاز المركزى للمحاسبات، فى اجتماع الجمعية العمومية للشركة بتاريخ 30 سبتمبر 2015: «ورد ضمن رد الشركة على تقاريرنا المبلغة لها فى هذا الشأن عدم الجدوى الاقتصادية لنظام المعلومات المشار إليه وعدم صلاحيته للعمل منذ تاريخ شرائه ورفعه للأصول الثابتة فى 15 يونيو 2006 دون التطرق لأسباب وملابسات الشراء ومن ثم تحديد المسؤولية فى هذا الشأن، حيث تم إهدار هذا المبلغ دون الاستفادة منه، ما جاء برد الشركة أنه نظرًا للتقادم التكنولوجى وارتفاع تكلفة التشغيل السنوية».

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل