المحتوى الرئيسى

مصر: حرائق تلاحق أخرى

05/13 00:28

قطعت القنوات الفضائية فجأة الصوت عن البث المباشر من حي الغورية في القاهرة، والتي شب فيها حريق أتى على عدد من المحال التجارية. في تلك اللحظة، كان عدد من أهالي الحي المنكوبين بالحريق قد بدأوا في تحميل مسؤولية الحريق للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مرددين ربما للمرة الأولى الهتاف الشهير «إرحل».

يبدو الأمر غريباً بعض الشيء. لماذا يحمّل مواطنون لا ينتمون الى معارضة سياسية رئيس الجمهورية مباشرة مسؤولية حريق قد يندلع في أي وقت وفي أي مكان.

حريق الغورية كان حلقة في سلسلة من الحرائق المتتالية التي وقعت في مصر في الأيام الأخيرة. آخرها كان مبنى محافظة الجيزة، وسبقه حريق هائل في منطقة الرويعي التجارية في قلب القاهرة.

أحصت صحيفة «المصري اليوم» عشرين حريقا في أماكن مختلفة في مصر في الأيام العشرة الأخيرة.

وبالرغم من أن عددا من تلك الحرائق لا يعدو كونه حوادث متكررة نتيجة ضعف إجراءات الأمان في الكثير من الأماكن، إلا أن الحرائق الأخيرة أثارت موجة من السخط، حتى أن البعض ذهب نحو تشبيه تلك الحرائق المتسلسلة بحادث حريق القاهرة، الذي وقع في كانون الثاني في العام 1952، عندما اشتعلت النيران بشكل متزامن في أماكن حيوية في العاصمة المصرية، واتضح بعدها أنها كانت حرائق مدبّرة، في ما اعتبر يومها إيذانا بنهاية النظام الملكي.

ولكن حتى اندلاع الحرائق على هذا النحو في أكثر من مكان في الأيام الماضية لا يبدو مبرراً كافيا لتحميل السيسي المسؤولية والمطالبة برحيله، حتى إن كان الأمر لا يعدو انفعالاً لحظياً من المنكوبين، فهناك الكثير من الجهات الرسمية التي يمكن تحميلها المسؤولية عن الحرائق مثل وزارات الداخلية والدفاع المدني والمحليات وغيرها.

المناخ العام في مصر، الذي سبق وصاحب تلك الحرائق، هو ما أعطى بعداً مختلفاً للحرائق التي اندلعت، والتي واكبتها حرائق من نوع آخر، فألسنة اللهب التي ارتفعت في مناطق متفرقة من مصر سبقتها وصاحبتها حرائق من نوع آخر على الساحة السياسية في مصر، بحيث أصبحت الفترة الحالية بحق فاصلة بين مرحلتين.

لقد اتسمت الفترة الماضية من حكم الرئيس السيسي بتشديد القبضة الأمنية والتراجع عن الكثير من مكتسبات «ثورة 25 يناير»، بحيث أصبح تنظيم تظاهرة سلمية لا تحمل حتى طابعاً احتجاجياً في ذكرى الثورة مغامرة قد تودي بحياة المشاركين فيها. وبرغم ذلك مرت تلك السياسات تحت مبرر حماية الدولة من المؤامرات الداخلية والخارجية. ولكن توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية الذي تنازلت فيه مصر عن جزيرتي تيران وصنافير كان بمثابة تحوّل في هذا الإطار، إذ شكل هذا الموقف من النظام المصري تحولا مهماً في النظر إليه، فبعد القبول بالكثير من السياسات بمبرر حماية الدولة، بدأ المعارضون، وقسم معتبر من المؤيدين للنظام نفسه، باتهامه بالتفريط في الأراضي المصرية، في مقابل دعم السعودية، لا سيما ان الجزيرتين كانت لهما مكانة مهمة في الحروب التي خاضتها مصر ضد إسرائيل.

رد فعل النظام على المعارضين للاتفاقية ساهم في تغيير صورة النظام المصري نفسه، إذ عمد الى شن حملة اضطهاد واسعة ضد من يعارض الاتفاقية الحدودية، فتم اعتقال ناشطين وصحافيين ومتظاهرين لمجرد الاحتجاج على الاتفاقية، أو حتى المطالبة باستفتاء شعبي عليها، حتى بلغ الأمر حد توجيه تهمة فريدة من نوعها، وهي بث شائعات ومعلومات مغلوطة عن ملكية مصر للجزيرتين!

الذين لاحقتهم الدولة المصرية هذه المرة لم يكونوا لا إرهابيين ولا محرّضين على العنف، أو حتى قابلين به، ولا متربصين بالدولة أو جزء من مؤامرة داخلية أو خارجية. هؤلاء كانوا فقط يسعون لحماية ما اعتبروه أراض مصرية، وعبروا عن ذلك بطرق سلمية. وكل ما خالفوه هو رغبة الرئيس الذي طلب في حوار مع برلمانيين وحزبيين ونقابيين وكتّاب أن يغلق الموضوع نهائياً. واللافت أن ذلك الحوار لم يتحدث فيه سوى الرئيس نفسه، بل ونهرَ من حاول الحديث عن الجزيرتين.

المواجهة مع المعارضين للتنازل عن الجزيرتين تجاوزت الحدود المعتادة ليس فقط في طبيعة التهم الموجهة إليهم، ولا في توسيع الحملات الأمنية، وانما أيضا حين تم اقتحام مبنى نقابة الصحافيين للمرة الأولى في التاريخ للقبض على صحافيَين عارضا تسليم الجزيرتين، مع العلم بأنّ نقابة الصحافيين نفسها سبق ان دعت السيسي الى رعاية الاحتفال بيوبيلها الماسي قبل أسابيع، كما أنها ساندت الدولة بكل إمكانياتها في صراعها ضد الارهاب.

ويبدو ان اقتحام نقابة الصحافيين كان بمثابة انتقام منها بعدما احتشد أمامها آلاف المتظاهرين يوم 15 نيسان الماضي، للاحتجاج على التنازل عن الجزيرتين، عندما منع الأمن التظاهر في أي مكان آخر.

التغاضي عن الانتهاكات خلال ما أسماه النظام المصري الحرب على الإرهاب كان أمرا مفهوما، ولكن التوسع في القمع والحملات الأمنية لتطال صحافيين وكتاباً وفنانين من دون صلة مباشرة أو غير مباشرة بالحرب على الإرهاب ـ مثلما اعتقل قبل أيام افراد الفريق الفني «أطفال الشوارع» لمجرد توجيههم نقد من خلال الأعمال الفنية للأوضاع العامة، وقبلها اعتقال رسام كاركاتير ـ لا يحظى بنفس القبول بالتأكيد.

والأهم من ذلك أن القبضة الأمنية القوية وكافة الإجراءات الاستثنائية التي اتخذت تحت شعار الحرب على الإرهاب، لم تحقق النتيجة المرجوة، ليس في سيناء فحسب، التي ما زالت تشهد يوميا عمليات إرهابية يسقط فيها شهداء من الشرطة أو الجيش، وانما في مناطق أخرى، حيث ان العملية الإرهابية التي وقعت مؤخرا في ضاحية حلوان جنوب القاهرة وراح ضحيتها ثمانية من أفراد الشرطة تؤكد أن السياسات المتبعة تحت شعار الحرب على الارهاب تدعم السلطات الأمنية والقمع من دون أن تنال من بنية الإرهاب والتطرف.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل