المحتوى الرئيسى

هجرة الأطفال.. موت وخراب ديار!!

05/12 14:14

إلى الموت أو الغرق أو السجن مهاجرون، أطفال فى عمر الزهور لم ينالوا نصيبهم بعد من الحياة، دفعتهم ظروف أسرهم الاقتصادية إلى الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا، استغلتهم عصابات التسفير وراحت تداعب أحلام الثراء فى نفوسهم ونفوس ذويهم، زينت لهم فكرة الهجرة فكان الموت فى انتظارهم، أطفال تتراوح أعمارهم بين 12 و15 عامًا أصبحوا زبائن سوق الهجرة غير الشرعية بعد أن تبين لهم أن القانون الإيطالى الذى يقوم بترحيل المتسللين من الشباب إلى أراضيها، يرفض تسليم الصغار، ومن ثم وجدت ظاهرة بيع الأطفال فيما يشبه أسواق النخاسة سوقًا رائجة، حيث تبيع الأسر الفقيرة كل ما تملك لتوفير 30 ألف جنيه يحصل عليها السمسار مقابل تسفير طفل واحد، إلا أن الموت غالبًا ما يتربص بهم فمنهم من يموت غرقًا فى البحر أو يفقد ولا تعرف الأسرة لجثته طريقًا، ومن يصل يتعرض لاستغلال عصابات المافيا الإيطالية.

وفى الوقت الذى أقامت فيه الحكومة الإيطالية الدنيا على مصر بسبب مقتل ريجينى، لم تحرك الحكومة المصرية ساكنًا تجاه احتجاز 4 آلاف طفل مصرى فى دور رعاية إيطالية أكدت منظمات حقوق الطفل تعرضهم لمخاطر جمة هناك، وكانت وزيرة الهجرة السفيرة نبيلة مكرم قد زارتهم بإحدى دور الرعاية بمدينة ميلانو منذ عدة أشهر، ومع ذلك تركتهم وعادت، لتترك الباب مفتوحًا ليسافر العشرات غيرهم من الأطفال يواجهون مصيرًا مجهولاً.

منذ عدة أيام عاشت مصر حلقة جديدة من حلقات مسلسل كوارث الهجرة غير الشرعية، حيث فُقد 8 أطفال تتراوح أعمارهم بين 14 و15 سنة من قرية كفر العرب التابعة لمركز بلبيس بمحافظة الشرقية، فى محاولة هجرة غير شرعية إلى إيطاليا، ترك الصغار كتبهم وألعابهم وراحوا يبحثون عن الثراء فى بلاد لا ترحم، إلا أن مصيرهم أصبح مجهولاً لتظل أسرهم تبكى دمًا عليهم، فلا هم وصلوا إيطاليا مثل غيرهم، ولا ماتوا ودفنوا «وبردت نارهم».

حالة من الحزن والأسى تخيم على أرجاء القرية الصغيرة التى يستغرق الوصول إليها أكثر من ساعتين من القاهرة، بيوت متوسطة الشكل تعبر عن حال من يعيشون فيها، أسر ريفية بسيطة يطحنها الفقر مثل حال كثير من المصريين، إلا أن الفاجعة التى ألمت بهم زادتهم حزنًا على حزنهم، آباء فقدوا صغارهم فجأة، تضامن معهم كل أهالى القرية فى مصيبتهم ولكن الجميع لا يملكون سوى الانتظار ودموعهم التى تتقاطر فى كل لحظة.

 تبدأ وقائع الكارثة كما يحكيها «خالد فتحى» والد إسلام أحد الضحايا البالغ من العمر 15 عامًا، يوم 8 أبريل الماضى قائلاً: عدت من عملى لأجد زوجتى وابنى أحمد وشقيقته فقط فى المنزل، سألت عن إسلام فقالت والدته إنه فى رحلة إلى الإسكندرية مع بعض أبناء القرية ومعهم عبدالحى سليمان وسيعود آخر النهار، انتظرت عودته لكنه لم يعد حتى وصلنى منه تليفون الساعة الرابعة صباحًا يقول لى إنه فى طريقه إلى إيطاليا، «ادعى لى يا بابا»، وأغلق الخط وأغلق الموبايل أيضًا، فى اليوم التالى فوجئنا بحمادة السيد سليمان شقيق عبدالحى الذى اصطحب الأطفال فى الرحلة يطالبنا بالتوقيع على إيصالات أمانة على بياض، ويطالبنا بدفع 20 ألف جنيه ليسافر أطفالنا ومن يرفض التوقيع يقول له ابنك عندنا ولن تراه، اضطررنا للتوقيع ومن يملك ذهبًا أو ماشية باعها ليدفع المبلغ، بعد 12 يومًا أخبرنا حمادة وشهرته «أبو حنين» أن أبناءنا وصلوا إيطاليا وأخذهم الصليب الأحمر، ولكن الأطفال لم يتصلوا بنا فزادت مخاوفنا، وعندما سألنا عنهم أخبرنا أبوحنين أنهم فى اليونان، وزادت مخاوفنا أكثر بعد أن وصلت رحلتان خرجتا من القرية بعدهم ووصل الأطفال إلى إيطاليا واتصلوا بأسرهم إلا أبناءنا، فبدأنا رحلة البحث عنهم لنفاجأ بأن الخمسة المتورطين فى تسفيرهم وهم: عبد الحى ابراهيم كامل وأحمد السيد سليمان وأشقائه محمد (أبو حنين) وسامح وسليمان قد اختفوا من القرية، إلى أن تم إلقاء القبض على سامح منذ عدة أيام، وأضاف الأب المكلوم أرسلنا فاكسات لوزارة الخارجية وادارة شئون الهجرة نسأل عن مصير أبنائنا أو جثثهم ولكن لم يتحرك أحد من المسئولين، فاتصلنا بأقارب لنا فى إيطاليا فأبلغونا أنهم لم يصلوا، أرسلنا بعض عرب قبائل أبناء على الذين يعيشون على حدود مصر وليبيا فلم يتوصلوا إلى شىء، توجهنا يوم 3 مايو الجارى إلى المباحث وقمنا بتحرير محاضر ضد السماسرة وإيصالات الأمانة التى قمنا بالتوقيع عليها، ففوجئنا بأبو حنين يهددنا ويطلب منا بسحب البلاغات وإلا لن نرى أبنائنا مرة ثانية، فمرة يقول أنهم محتجزون لحين سداد باقة المبلغ ومرة يقول أنهم سافروا، وبصوت تخنقه الدموع قال أبوإسلام: عاوزين نعرف مصير أبنائنا أو ندفن جثثهم، وتغالبه دموعه لتسقط منهمرة على خديه ويكمل حديثه قائلاً: نحن نموت فى الدقيقة ألف مرة والمسئولون فى مكاتبهم المكيفة لا يشعرون بنا.

وسألناه هل من المنطقى أن يسافر أطفال فى هذه السن دون علم ذويهم؟

قال: منذ فترة وابنى يفكر فى السفر، خاصة أن عبد الحى السمسار البالغ من العمر 24 سنة يغرى أطفال القرية بالسفر، ولما زاد حديثه معى عن هذا الموضوع طلبت منه الانتظار حتى انهاء تعليمه خاصة أنه كان فى الشهادة الإعدادية، ولأثبت له أنى موافق على سفره بطريقة شرعية توجهت معه للجوازات لاستخراج جواز سفر، ولكنه تركه وسافر حتى دون أن يودعنا، وأخذ معه ابن شقيقتى محمد عمر 15 سنة، وضاع الاثنان ولم نعلم عنهما شيئًا ومعهم 6 أطفال من أبناء القرية، وأضاف: أبناؤنا معذورون فهم يرون معاناتنا مع الفقر وارتفاع الأسعار كل يوم، ولذلك فكروا فى السفر بعد إغراءات عبدالحى حتى لا يعيشوا نفس مأساتنا، وناشد الأب المكلوم كل أم وأب من المسئولين أن يرحموا دموع الآباء والأمهات الذين فقدوا أبناءهم ويعيدوا لنا أبناءنا ولو جثثا.

فى المنزل المواجه لمنزل إسلام مأساة أخرى تعيشها أسرة ناصر عبد الغنى التى فقدت ابنها عبدالغنى 15 سنة فى نفس الرحلة، ففى هذا المنزل تعيش أسرة مكونة من والده الغفير النظامى بالقرية والبالغ راتبه 1075 جنيهًا شهريًا ولديه 3 بنات وولد واحد هو عبد الغنى، وشقيقه عبدالفتاح المعاق الذى يعول 6 أطفال وأمهم، بالإضافة إلى الجدة، ورغم أن والدة الطفل أكدت أنه أبلغهم أنه متوجه إلى الإسكندرية فى رحلة وسيعود فى نفس اليوم، وأنه خرج دون أن يأخذ معه حقيبة ملابس أو أى شىء من متعلقاته، وأنه اتصل بهم فى المساء ليبلغهم أنه متوجه إلى إيطاليا، إلا أن عم الطفل عبد الفتاح عبد الغنى أكد أن الفقر هو الدافع وراء سفر الطفل، فالأسرة تعيش فى فقر وأحيانًا لا نجد ما ننفقه وكان السفر هو حلم عبدالغنى لإنقاذنا جميعًا، فمنذ سنوات وأنا أتوجه للضمان الاجتماعى لأحصل على معاش يعيننى على المصاريف إلا أنهم أبلغونى أن نسبة العجز يجب أن تقل عن 70% لأحصل على المعاش، وابنى يحتاج إلى عملية فى أذنه ولا أملك تكاليفها، لذلك نضطر لتسفير الأطفال بهذه الطريقة لإعانتنا لمواجهة أعباء الحياة.

عمدة القرية «خيرى البيجرمى» أكد لنا أن الفقر والأسعار الملتهبة هى السبب فى هجرة الأطفال بهذه الطريقة، وأضاف: الناس تنظر إلى بعضها، فإذا سافر أحد الأطفال وأرسل لأسرته تسعى باقى الأسر لتسفير أطفالها، وهناك عدة سماسرة يأخذون الأطفال ويقومون بتسفيرهم مقابل 30 ألف جنيه للطفل الواحد، والأطفال هناك يعملون فى أى شىء المهم أن يرسلوا أموالاً لأسرهم، والظاهرة منتشرة فى القرية والقرى المجاورة ولكننا لا نستطيع مواجهتها، فكل ما نملكه هو النصيحة ولكن الناس لا تسمع وتخاطر بأبنائها هربًا من الفقر.

الغريب فى الأمر أنه رغم كل ما حدث ما زالت فكرة السفر تراود أطفال القرية وهو ما أكده أحمد شقيق اسلام، مشيرًا إلى أنه كان ليسافر لولا أن سنه وصل لـ 18 عاما، وقال البلد لا فيها شغل ولا مستقبل: "نقعد نعمل إيه"؟ أحمد طالب فى الصف الثالث الثانوى يبكى أخاه ليل نهار، ويقول "كان نفسى يفضل معايا كان صاحبى وأخويا وكل شىء ليا، لكن المغريات حوله كانت كثيرة فقرر السفر ولكنه لم يحقق حلمه"، وتركنا أحمد وغادر قبل أن نرى دموعه التى بدأت تتساقط.

كانت هذه حكاية قرية من قرى مصر الكثيرة التى تفقد كل يوم عددًا من أبنائها فى رحلات الهجرة غير الشرعية التى يضيع فيها الشباب والأطفال الآن بحثًا عن لقمة عيش مغموسة بدمائهم، وبينما يقف المسئولون مكتوفى الأيدى أمام ظاهرة لا تتوقف، يفقد آلاف الآباء والأمهات أبناءهم كل عام دون سند من الحكومة التى لا تسأل عن مصير أبنائها سواء كانوا أحياء أو أمواتًا.

منذ عدة أيام عاشت مصر حلقة جديدة من حلقات مسلسل كوارث الهجرة غير الشرعية، حيث فُقد 8 أطفال تتراوح أعمارهم بين 14 و15 سنة من قرية كفر العرب التابعة لمركز بلبيس بمحافظة الشرقية، فى محاولة هجرة غير شرعية إلى إيطاليا، ترك الصغار كتبهم وألعابهم وراحوا يبحثون عن الثراء فى بلاد لا ترحم، إلا أن مصيرهم أصبح مجهولاً لتظل أسرهم تبكى دمًا عليهم، فلا هم وصلوا إيطاليا مثل غيرهم، ولا ماتوا ودفنوا «وبردت نارهم».

حالة من الحزن والأسى تخيم على أرجاء القرية الصغيرة التى يستغرق الوصول إليها أكثر من ساعتين من القاهرة، بيوت متوسطة الشكل تعبر عن حال من يعيشون فيها، أسر ريفية بسيطة يطحنها الفقر مثل حال كثير من المصريين، إلا أن الفاجعة التى ألمت بهم زادتهم حزنًا على حزنهم، آباء فقدوا صغارهم فجأة، تضامن معهم كل أهالى القرية فى مصيبتهم ولكن الجميع لا يملكون سوى الانتظار ودموعهم التى تتقاطر فى كل لحظة.

 تبدأ وقائع الكارثة كما يحكيها «خالد فتحى» والد إسلام أحد الضحايا البالغ من العمر 15 عامًا، يوم 8 أبريل الماضى قائلاً: عدت من عملى لأجد زوجتى وابنى أحمد وشقيقته فقط فى المنزل، سألت عن إسلام فقالت والدته إنه فى رحلة إلى الإسكندرية مع بعض أبناء القرية ومعهم عبدالحى سليمان وسيعود آخر النهار، انتظرت عودته لكنه لم يعد حتى وصلنى منه تليفون الساعة الرابعة صباحًا يقول لى إنه فى طريقه إلى إيطاليا، «ادعى لى يا بابا»، وأغلق الخط وأغلق الموبايل أيضًا، فى اليوم التالى فوجئنا بحمادة السيد سليمان شقيق عبدالحى الذى اصطحب الأطفال فى الرحلة يطالبنا بالتوقيع على إيصالات أمانة على بياض، ويطالبنا بدفع 20 ألف جنيه ليسافر أطفالنا ومن يرفض التوقيع يقول له ابنك عندنا ولن تراه، اضطررنا للتوقيع ومن يملك ذهبًا أو ماشية باعها ليدفع المبلغ، بعد 12 يومًا أخبرنا حمادة وشهرته «أبو حنين» أن أبناءنا وصلوا إيطاليا وأخذهم الصليب الأحمر، ولكن الأطفال لم يتصلوا بنا فزادت مخاوفنا، وعندما سألنا عنهم أخبرنا أبوحنين أنهم فى اليونان، وزادت مخاوفنا أكثر بعد أن وصلت رحلتان خرجتا من القرية بعدهم ووصل الأطفال إلى إيطاليا واتصلوا بأسرهم إلا أبناءنا، فبدأنا رحلة البحث عنهم لنفاجأ بأن الخمسة المتورطين فى تسفيرهم وهم: عبد الحى ابراهيم كامل وأحمد السيد سليمان وأشقائه محمد (أبو حنين) وسامح وسليمان قد اختفوا من القرية، إلى أن تم إلقاء القبض على سامح منذ عدة أيام، وأضاف الأب المكلوم أرسلنا فاكسات لوزارة الخارجية وادارة شئون الهجرة نسأل عن مصير أبنائنا أو جثثهم ولكن لم يتحرك أحد من المسئولين، فاتصلنا بأقارب لنا فى إيطاليا فأبلغونا أنهم لم يصلوا، أرسلنا بعض عرب قبائل أبناء على الذين يعيشون على حدود مصر وليبيا فلم يتوصلوا إلى شىء، توجهنا يوم 3 مايو الجارى إلى المباحث وقمنا بتحرير محاضر ضد السماسرة وإيصالات الأمانة التى قمنا بالتوقيع عليها، ففوجئنا بأبو حنين يهددنا ويطلب منا بسحب البلاغات وإلا لن نرى أبنائنا مرة ثانية، فمرة يقول أنهم محتجزون لحين سداد باقة المبلغ ومرة يقول أنهم سافروا، وبصوت تخنقه الدموع قال أبوإسلام: عاوزين نعرف مصير أبنائنا أو ندفن جثثهم، وتغالبه دموعه لتسقط منهمرة على خديه ويكمل حديثه قائلاً: نحن نموت فى الدقيقة ألف مرة والمسئولون فى مكاتبهم المكيفة لا يشعرون بنا.

وسألناه هل من المنطقى أن يسافر أطفال فى هذه السن دون علم ذويهم؟

قال: منذ فترة وابنى يفكر فى السفر، خاصة أن عبد الحى السمسار البالغ من العمر 24 سنة يغرى أطفال القرية بالسفر، ولما زاد حديثه معى عن هذا الموضوع طلبت منه الانتظار حتى انهاء تعليمه خاصة أنه كان فى الشهادة الإعدادية، ولأثبت له أنى موافق على سفره بطريقة شرعية توجهت معه للجوازات لاستخراج جواز سفر، ولكنه تركه وسافر حتى دون أن يودعنا، وأخذ معه ابن شقيقتى محمد عمر 15 سنة، وضاع الاثنان ولم نعلم عنهما شيئًا ومعهم 6 أطفال من أبناء القرية، وأضاف: أبناؤنا معذورون فهم يرون معاناتنا مع الفقر وارتفاع الأسعار كل يوم، ولذلك فكروا فى السفر بعد إغراءات عبدالحى حتى لا يعيشوا نفس مأساتنا، وناشد الأب المكلوم كل أم وأب من المسئولين أن يرحموا دموع الآباء والأمهات الذين فقدوا أبناءهم ويعيدوا لنا أبناءنا ولو جثثا.

فى المنزل المواجه لمنزل إسلام مأساة أخرى تعيشها أسرة ناصر عبد الغنى التى فقدت ابنها عبدالغنى 15 سنة فى نفس الرحلة، ففى هذا المنزل تعيش أسرة مكونة من والده الغفير النظامى بالقرية والبالغ راتبه 1075 جنيهًا شهريًا ولديه 3 بنات وولد واحد هو عبد الغنى، وشقيقه عبدالفتاح المعاق الذى يعول 6 أطفال وأمهم، بالإضافة إلى الجدة، ورغم أن والدة الطفل أكدت أنه أبلغهم أنه متوجه إلى الإسكندرية فى رحلة وسيعود فى نفس اليوم، وأنه خرج دون أن يأخذ معه حقيبة ملابس أو أى شىء من متعلقاته، وأنه اتصل بهم فى المساء ليبلغهم أنه متوجه إلى إيطاليا، إلا أن عم الطفل عبد الفتاح عبد الغنى أكد أن الفقر هو الدافع وراء سفر الطفل، فالأسرة تعيش فى فقر وأحيانًا لا نجد ما ننفقه وكان السفر هو حلم عبدالغنى لإنقاذنا جميعًا، فمنذ سنوات وأنا أتوجه للضمان الاجتماعى لأحصل على معاش يعيننى على المصاريف إلا أنهم أبلغونى أن نسبة العجز يجب أن تقل عن 70% لأحصل على المعاش، وابنى يحتاج إلى عملية فى أذنه ولا أملك تكاليفها، لذلك نضطر لتسفير الأطفال بهذه الطريقة لإعانتنا لمواجهة أعباء الحياة.

عمدة القرية «خيرى البيجرمى» أكد لنا أن الفقر والأسعار الملتهبة هى السبب فى هجرة الأطفال بهذه الطريقة، وأضاف: الناس تنظر إلى بعضها، فإذا سافر أحد الأطفال وأرسل لأسرته تسعى باقى الأسر لتسفير أطفالها، وهناك عدة سماسرة يأخذون الأطفال ويقومون بتسفيرهم مقابل 30 ألف جنيه للطفل الواحد، والأطفال هناك يعملون فى أى شىء المهم أن يرسلوا أموالاً لأسرهم، والظاهرة منتشرة فى القرية والقرى المجاورة ولكننا لا نستطيع مواجهتها، فكل ما نملكه هو النصيحة ولكن الناس لا تسمع وتخاطر بأبنائها هربًا من الفقر.

الغريب فى الأمر أنه رغم كل ما حدث ما زالت فكرة السفر تراود أطفال القرية وهو ما أكده أحمد شقيق اسلام، مشيرًا إلى أنه كان ليسافر لولا أن سنه وصل لـ 18 عاما، وقال البلد لا فيها شغل ولا مستقبل: “نقعد نعمل إيه”؟ أحمد طالب فى الصف الثالث الثانوى يبكى أخاه ليل نهار، ويقول “كان نفسى يفضل معايا كان صاحبى وأخويا وكل شىء ليا، لكن المغريات حوله كانت كثيرة فقرر السفر ولكنه لم يحقق حلمه”، وتركنا أحمد وغادر قبل أن نرى دموعه التى بدأت تتساقط.

كانت هذه حكاية قرية من قرى مصر الكثيرة التى تفقد كل يوم عددًا من أبنائها فى رحلات الهجرة غير الشرعية التى يضيع فيها الشباب والأطفال الآن بحثًا عن لقمة عيش مغموسة بدمائهم، وبينما يقف المسئولون مكتوفى الأيدى أمام ظاهرة لا تتوقف، يفقد آلاف الآباء والأمهات أبناءهم كل عام دون سند من الحكومة التى لا تسأل عن مصير أبنائها سواء كانوا أحياء أو أمواتًا.

محمد خيرى أحد أبناء القرية، واحد من شباب الهجرة غير الشرعية يحكى تفاصيل رحلة الهجرة والمأساة التى كان يعيشها الشباب من قبل والأطفال الآن، يقول محمد: بعد أن أنهيت دراستى الجامعية قررت السفر إلى إيطاليا مثل معظم شباب القرية لتكوين نفسى، فالعمل فى مصر حتى لو توافر لن يكفى لشيء، فسافرت مع مجموعة من الشباب من خلال أحد السماسرة المعروفين بالقرية، والذى يتوقف دوره على توصيلنا فى سيارات ميكروباص أو أتوبيسات إلى مكان على البحر يطلق عليه مجازاً الإسكندرية، ولكننا لا نعلم أين بالتحديد، هناك يتم تخزين الشباب فى مخازن حتى المساء، بعدها نركب سيارات مغطاة لمكان آخر على ساحل البحر، وطوال الرحلة لا يحق لأى شاب أن يسأل عن المكان الذى نحن فيه، أو إلى أين نحن ذاهبون، على شاطئ البحر يتم تحميل الشباب فى مراكب صيد أو قوارب مطاطية، تسير لمسافة فى البحر بعدها يتم تسليم المهاجرين إلى مراكب أخرى تسير حتى شواطئ إيطاليا، وهناك يحدث أمر من اثنين، فإما أن يتم إلقاء الشباب فى عرض البحر فى الظلام ليعوموا حتى يصلوا إلى الشواطئ الإيطالية، فمنهم من يصل ومنهم من يكون مصيره الغرق، أو يختار قائد المركب منطقة خالية من الحراسة على الشواطئ، ليدخل بالمركب حيث تتحطم ويلقى بمن فيها على الشاطئ، وفور اكتشاف المواطنين الشباب والأطفال على الشاطئ يقومون بإبلاغ الشرطة التى تقوم على الفور بمحاصرة المنطقة والقبض على المهاجرين لترحيلهم، ولأن معظم المهاجرين يعلمون ذلك، فغالباً ما يهربون من خلال الجبال ليقوموا بالاتصال بأصدقائهم أو أقاربهم الموجودين فى روما أو ميلانو حيث أكبر تجمعات للمصريين، أما من يلقى القبض عليه فيتم ترحيله إذا كان من الشباب، أما الأطفال دون سن 18 عاماً فتقوم هيئة الصليب الأحمر بعلاجهم أولاً، ثم تقوم الحكومة الإيطالية بإيداعهم فى دور رعاية خاصة بهم، حيث يتم تعليمهم اللغة الإيطالية ويدربونهم على بعض الحرف، وبعد بلوغ الطفل سن 18 عاماً يستخرجون له أوراقاً ويجدون له عملاً، وهذه الحالة هى التى شجعت الأطفال على الهجرة إلى إيطاليا بينما أحجم عنها الشباب خوفاً من الترحيل، أما مصير قائد المركب فيتحدد بناء على طبيعة الشباب الذين تم نقلهم، وعلاقته بهم طيلة الرحلة، ففور صعود المهاجرين للمركب يشترط عليهم القائد عدم الإفشاء به للسلطات فى حالة القبض عليهم، وأول سؤال تسأله الشرطة يكون عن قائد المركب، فإذا أفشى به الشباب يلقى القبض عليه بتهمة تهريب مهاجرين بطريقة غير شرعية، وإذا لم يفشوا به يتم ترحيله إلى مصر أو يعود بالطائرة لينقل مهاجرين آخرين.

ويؤكد خيري أن السلطات الإيطالية لا تقوم بترحيل أحد من المهاجرين غير الشرعيين سوى المصريين، أما الأطفال الذين يتم إيداعهم فى الدور فلا نعلم عنهم شيئاً، وإنما التجربة أكدت أنهم لا ينفعون أنفسهم ولا ذويهم، فالأطفال فى هذه السن يسهل السيطرة عليهم وغسل عقولهم، فيتعلمون قيماً مغايرة لقيم مجتمعنا، كما أنهم يستخدمونهم فى العمل فى الحرف التى لا يقبل عليها الإيطاليون، أو لتعويض نقص عدد الشباب لديهم، ولذلك لا يسمح القانون الإيطالى بترحيلهم، ولكن هؤلاء الأطفال يتأثرون بالمجتمع الغربى ولا يعودون لأسرهم، حتى إن أحدهم جاء ليقضى إجازة فى شرم الشيخ مع صديقته الإيطالية وتوفى والده فلم يحضر جنازته!!، وأكد أن هؤلاء الأطفال يعيشون هناك على الطعام والمعونات التى تقدمها لهم الكنائس، ويعملون فى أى مهنة ويفقدون هويتهم ومصريتهم.

عرفت مصر هجرة الأطفال بطرق غير شرعية إلى إيطاليا منذ عدة أعوام، وأصبحت أكثر انتشارًا بعد أن أيقن السماسرة والأسر أن الأطفال لا يتم ترحيلهم وإنما تحتجزهم السلطات الإيطالية فى مؤسسات إيوائية لحين بلوغهم سن الـ18 عاماً، ومن ثم زادت كوارث هجرة الأطفال إلى إيطاليا، ومنذ عدة أشهر زارت السفيرة نبيلة مكرم وزيرة الهجرة إحدى هذه الدور بمدينة ميلانو الإيطالية، وأكدت فى تصريحاتها عقب عودتها أن دور الإيواء الإيطالية تضم 4 آلاف طفل مصرى سافروا بطريقة غير شرعية، والتقت الوزيرة بعض الأطفال وحكوا لها قصصهم مع الهجرة غير الشرعية وكيف يتم تخزينهم فى أماكن غير آدمية فى المناطق الساحلية بمصر، وكيف يتم نقلهم بالمراكب وتخزينهم فى قيعان السفن حتى الوصول، وأكد الأطفال للوزيرة أن أسرهم دفعت للسماسرة مبالغ كبيرة تتراوح بين 15 ألفًا و35 ألف جنيه لتسفير الطفل الواحد بهذه الطريقة، وناقشت الوزيرة المشكلة مع إدارة الهجرة بوزارة العمل الإيطالية وكيفية محاربتها، ولكن الوزيرة عادت دون أن تضع حلولاً حقيقية أو تطالب السلطات الإيطالية بعودة هؤلاء الأطفال، وهى المشكلة التى واجهتها منظمات حقوق الطفل حينما توجهت لإيطاليا لمناقشة المشكلة مع المنظمات الإيطالية، والتى أكدت أن الحكومة المصرية لم تطالب بعودة هؤلاء الأطفال.

وأكد هانى هلال رئيس الائتلاف المصرى لحقوق الطفل أن هؤلاء الأطفال مودعون فى دور رعاية شبه مفتوحة يخرجون منها ويعودون إليها وقتما يشاءون، وهو الوضع الذى يمثل خطورة بالغة على هؤلاء الأطفال حيث تستغلهم المافيا الإيطالية فى الدعارة والمخدرات، وقد حركت المنظمات الحقوقية الإيطالية أكثر من دعوى قضائية بسبب استغلال هؤلاء الأطفال فى الأعمال غير المشروعة، وأضاف: حينما طالبنا كمؤسسات حقوقية بعودتهم أبلغنا المسئولون الإيطاليون بأن الحكومة المصرية لم تطالب بعودتهم، ولا بد أن تتم المطالبة من خلال الحكومة لا المنظمات، وأضاف مؤكدًا أن التقارير أوضحت أن ظاهرة هجرة الأطفال غير الشرعية إلى إيطاليا فى تزايد مستمر وأن الأطفال يموتون إما أثناء عمليات النقل، أو لاستغلالهم فى تجارة المخدرات أو تجارة الأعضاء البشرية، وأشار إلى أن الظروف الاقتصادية السيئة تدفع الأسر المصرية إلى بيع كل ما تملك للسماسرة لتسفير أطفالهم إلى إيطاليا بهذه الطريقة رغم كل المخاطر التى يتعرضون لها، حتى أصبح هناك عدد من القرى فى محافظات مصر مشهورة بالهجرة غير الشرعية للأطفال منها أجهور الصغرى والكبرى ببنى سويف، وبعض قرى المنيا والفيوم وسوهاج والشرقية، حتى أصبحت هجرة الأطفال تجارة مزدهرة يسعى إليها السماسرة والأسر معًا، ونتيجة لتنامى هذه الظاهرة تم توقيع اتفاقية مع إيطاليا لتنمية القرى الأكثر تصديرًا للأطفال، ومع ذلك فالمشكلة ما زالت مستمرة بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية.

وأوضح أن القانون الإيطالى يتعارض مع مبدأ هام من مبادئ اتفاقية حقوق الطفل وهو مبدأ المصلحة الفضلى للطفل الذى يفرض وجوده مع أسرته، إلا أن القانون الإيطالي لا يسمح بتسليم المهاجرين غير الشرعيين أقل من 18 سنة وبعد أن يصل الطفل إليها يتم تخييره بين البقاء أو العودة لأسرته، وطبعًا الطفل يفضل البقاء هناك، وطالب هلال بضرورة أن تقوم الحكومة المصرية بدورها فى حماية أطفالها بناء على بنود اتفاقية حقوق الطفل وأن تطالب بعودة أطفالها من إيطاليا، مع المطالبة بتعديل القانون الإيطالى الذى لا يبيح تسليم الأطفال إلا بعد بلوغ 18 عاماً، ولا بد أن يتزامن ذلك مع وضع خطة لرفع المستوى الاقتصادى للأسر حتى لا تلجأ للتضحية بأطفالها بهذا الشكل، بالإضافة إلى تكثيف جهود حرس الحدود لمنع تهريب هؤلاء الأطفال.

قدم أسر الأطفال ضحايا الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا، ببلاغًا إلى مباحث الأموال العامة بالشرقية، يتهمون فيه 7 أشخاص بإيهام أطفالهم السفر إلى إيطاليا دون علمهم وتعريض حياتهم للخطر، وكانت جريدة «الوفد» أول من تبنت قضيتهم بمحافظة الشرقية وقامت بنشر تحقيق مطول عنهم الاثنين الماضى.

وبحسب بيان مديرية أمن الشرقية، أنه ورد بلاغ لقسم مباحث الأموال العامة من خالد فتحى عبدالسميع محمد، 47 عاماً، فنى صيانة بشركة المصرية لنقل الكهرباء، وناصر عبدالغنى عبدالفتاح على، 29 عاماً، عامل، وعمر محمد عمر شحاتة 46 عاماً، عامل بكلية الطب البشرى جامعة الزقازيق، وسالم نبوى سالم إبراهيم 49 عاماً، تاجر قطع غيار سيارات جميعهم مقيمون بقرية كفر العرب مركز بلبيس.

يتهمون كلًا من «محمد. ال. س. س» 30 عامًا وشقيقه "أحمد" 25 عاماً، والمقيمين بقرية عرب صبيح مركز بلبيس، بإيهام أبنائهم الصغار الذين تتراوح أعمارهم من 13 إلى 15 عاماً، للسفر لدولة إيطاليا بطريقة غير شرعية دون علمهم وتعريض حياتهم للخطر، وتهديد المبلغين فى حال عدم توقيعهم على إيصالات أمانة ودفع مبالغ مالية لهما بقتل أبنائهم، ما دفعهم إلى التوقيع لهما على إيصالات أمانة، ودفع كل منهم مبلغ عشرين ألف جنيه خوفًا على حياة أبنائهم.

وتوصلت التحريات السرية بقيادة العقيد علاء سليمان، رئيس مباحث الأموال العامة بالشرقية، إلى صحة الواقعة، وقيام المشكو فى حقهما بالاشتراك مع تشكيل عصابى بمحافظة الإسكندرية، تخصص فى تسفير الشباب لدولة إيطاليا بطريقة غير شرعية، وهم كل من: «أمين. م. ر. ال» وشقيقه شريف، و«أحمد. ح» وشهرته (أبو فرحة)، و«محمد. س» وشهرته (أبوعبده) و«إسماعيل. ال» صاحب مركب صيد، جميعهم مقيمون مركز رشيد بمحافظة البحيرة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل