المحتوى الرئيسى

حينما اختارت لندن صادق خان «المُلَوَّن المُسلِم» عمدةً لها! - ساسة بوست

05/11 17:09

منذ 9 دقائق، 11 مايو,2016

بعد معركة انتخابية عنيفة أُعلنت يوم الجمعة 6 مايو (أيار) نتيجةُ الانتخابات على منصب عمدة لندن والذي تنافس عليه عدة مرشحين أبرزهم مرشح حزب المحافظين «زاك جولدسميث» – وهو نفس الحزب الذي ينتمي له ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني – في مواجهة مرشح حزب العمال «صادق خان»، بفوز خان بوصفه أول عمدة للعاصمة البريطانية من أصول غير بيضاء بفارق شاسع في الأصوات في جولة الإعادة بعدما حصل على نسبة 57% من الأصوات (1.3 مليون ناخب) من إجمالي 2.3 مليون ناخب.

ربما كان طريفًا أن شخصًا ينتمي لأصول باكستانية، والتي كانت حتى الأربعينيات من القرن الماضي مستعمرة بريطانية؛ يصل لمنصب عمدة عاصمة ما كانت يومًا إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس, ولكن الطريق للعمادة لم يكن سهلًا أو مفروشًا بالورود.

المعركة الانتخابية التي سبقت الانتخابات كانت مشتعلة للغاية وكانت مثار متابعة الملايين، ليس فقط لأهمية المنصب أو للعداء التقليدي بين الحزبين اللذين ينتمي لهما المرشحان ولكن لأن جولدسميث اختار أن يخوض معركة وصفت بأنها معركة «قذرة» ضد المرشح الملون صادق خان اعتمدت على انتمائه الديني والعرقي.

منذ البداية كانت الاختلافات بين المرشحين عميقة, فجولدسميث نشأ في قصر عظيم, ابنًا لملياردير واسع النفوذ ليصبح رمزًا للأرستقراطية الإنجليزية التقليدية في مواجهة خان الذي نشأ وسط 7 من الأبناء لأب باكستاني مهاجر يعمل سائقًا للأتوبيس، ولأم تعمل بالخياطة.

في البداية.. ما هي اختصاصات عمدة لندن؟

عمدة لندن لا يمتلك سلطة مطلقة قطعًا, بل هو محكوم بالقوانين وسياسة الحكومة المركزية. فعمدة العاصمة ليس له سلطة على العلاقات الخارجية مثلًا، كما أنه لا يمكنه تغيير القوانين. يُحاسَبُ عمدة لندن من قبل مجلس لندن المكون من 25 عضوًا منتخبًا يعملون على مراقبة أداء العمدة ومحاسبته.

يعد رسم الإستراتيجيات العامة التي تخص العاصمة أهم وأبرز وظائف العمدة. فهو يقوم بوضع الخطط الخاصة بالإسكان والمواصلات والشرطة والتعليم والصحة والثقافة والبيئة. يختص العمدة كذلك برسم خطط الطوارئ في حالة حدوث هجمات إرهابية أو إعلان حالة الحرب، كما يهتم بتطوير أداء جهاز المطافئ. ويعد قطاع الإسكان من أبرز القضايا الملحة في العاصمة البريطانية في الوقت الحاضر.

يقطن العاصمة البريطانية 8.6 مليون نسمة، والمدينة تحظى بتنوع كبير في السكان. فعلى المستوى العرقي يشكل البيض حوالي 60% من سكان المدينة، والآسيويون حوالي 18.5%، والسود 13.3%، والبقية من أعراقٍ أخرى.

بينما على المستوى الديني فيشكل المسيحيون الغالبية بنسبة 48.4% يليهم اللادينيون بنسبة 20.7% ثم المسلمون بنسبة 12.4% والهندوس 5% والبقية ينتمون لأديان أخرى.

ينتمي (صادق خان) عرقيًا للأقلية الآسيوية ودينيًّا للأقلية المسلمة، مما يشير إلى أن فوزه لم يكن معتمدًا على انتماء عرقي أو ديني معين، بل يعود لقدرته على إقناع الكثير من الأقليات الأخرى وحتى من الأغلبية البيضاء المسيحية بأفكاره ومشاريعه السياسية، كل ذلك في خضم معركة عنصرية شرسة شنها عليه منافسه جولدسميث مستغلًا انتماء خان للأقلية المسلمة لينشر مشاعر الخوف بين الناخبين حول مستقبل لندن وبريطانيا في حالة فوز مسلم بعمادة عاصمة أعرق الديمقراطيات في العالم.

وفقًا لتقرير منظمة «بيو»، في عام 2010 كان هناك 2.9 مليون بريطاني يدينون بالإسلام من إجمالي 62 مليون بريطاني بنسبة 4.6% من إجمالي عدد السكان.

يتعرض المسلمون في بريطانيا لموجة حادة من الإسلاموفوبيا مع تصاعد خطاب التحريض ضد المسلمين في الإعلام والحملات السياسية.

فقد أشارت جريدة الجارديان البريطانية في تقرير نشرته في نوفمبر 2015 إلى أن غالبية البريطانيين المسلمين تعرضوا للتفرقة على أساس ديني وإلى ارتفاع الإسلاموفوبيا في بريطانيا بصورة كبيرة في الأعوام الخمسة الأخيرة. أشارت جريدة الإندبندنت إلى أن نسبة الذين أبلغوا عن وقائع للتفرقة أو الإسلاموفوبيا ارتفعت من 50% في 2010 إلى 82% في 2015, وأن نسبة الذين شهدوا قولبة المسلمين في صورة سلبية ارتفعت من 69% إلى 93.3%. ووفقًا للتقارير فإن الفترة فيما بين فبراير 2013 وفبراير 2014 شهدت 500 حالة اعتداء على مسلمين في بريطانيا. الأمر الذي دعا الحكومة البريطانية لإدراج جرائم الإسلاموفوبيا تحت قائمة خاصة من جرائم الكراهية ضد المسلمين، إلى جانب اتخاذ العديد من الإجراءات لمواجهة خطاب الكراهية في الإعلام مثل إرسال جنود مسلمين للمدارس لرسم صورة إيجابية عن المسلمين.

دعونا نسأل السؤال الأهم.. كيف نجح صادق خان؟

تعلم قادة حملة خان من خسارة حزبهم أمام المحافظين في الانتخابات العامة في 2015 حيث أثر الشكل الذي تم رسمه لشخصية قائد الحزب وقتها، إد ميليباند؛ بوصفه شخصًا ضعيفًا وغير واضح، على تصويت الناخبين.

لذلك عَمد قادة حملة خان على استغلال تجاربه الشخصية لرسم صورة إيجابية عنه في أذهان اللندنيين. استغلال قصة صعوده من ابن لسائق أتوبيس بسيط ليصبح وزيرًا للنقل ثم مرشحًا لمنصب عمدة لندن رمز للنجاح مما يثير طموحات وأحلام الكثير من سكان لندن من الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

تكرار هذه القصة أصَّلَ لفكرة الشاب المكافح الناجح اللامع الذي استطاع أن يتخطى الحدود التي رسمت له بحكم نشأته في أسرة مهاجرة فقيرة، في مواجهة المرشح الشاب الثري الذي لم يستطع فريقه أن يرسم له صورة أبعد من كونه شابًا وسيمًا شديد الثراء, ليصبح انجذاب الشباب والطبقات الفقيرة والمتوسطة لصالح (خان) طبيعيًا.

نتائج جولة الإعادة من انتخابات عمدة لندن 2016

الأمر الثاني أن خان أعلن مشروعه الانتخابي مبكرًا جدًا ليكسب أرضًا قبل منافسه الذي لم يستطع أن يرسم مشروعًا محددًا، ليخرج في النهاية ليعلن أنه في حالة انتخابه – أي جولدسميث – فإنه سيصبح «أعظم من تولى منصب عمدة لندن على الإطلاق»، وهو تصريح لا يحمل وعودًا محددة كما هو واضح.

بينما كانت خطط خان ومشروعه الانتخابي محددة. فقد وضع حل مشكلة الإسكان محورًا أساسيًا في حملته الانتخابية، الأمر الذي جذب الكثير من سكان لندن الذين يعانون من الارتفاع الشديد في أسعار المنازل. كما وعد بإنشاء وكالة جديدة تحت مسمى «منازل للندنيين» التي ستعنى ببناء منازل كثيرة. كما سيعمل على جعل إيجار تلك المنازل منخفضًا وفي متناول سكان لندن.

مشروع خان الانتخابي تعرَّض كذلك للمواصلات حيث وعد بتجميد أجرة المواصلات لمدة ٤ سنوات. وتناول مشروعه كذلك زيادة الأمن في العاصمة ومكافحة العصابات، وتطوير خدمة المطافئ، وجلب استثمارات اقتصادية أكبر للمدينة، وخلق فرص عمل لسكان لندن، وإعلاء قيم المساواة والعدالة الاجتماعية بين سكان لندن.

رد صادق خان وحملته الانتخابية على استدعاء منافسه جولدسميث لخطاب عنصري يفوح بالإسلاموفوبيا كان نموذجيًا. فقد حرص صادق خان على تذكير الناخبين بتاريخه في مجال حقوق الإنسان ومكافحة التطرف والمتطرفين. ولم يكتف بالدور الدفاعي بل إنه رد الضربة لجولدسميث بشكل أقوى حينما أوضح أنه سيكون أكثر قدرة بوصفه مسلمًا على معالجة مشكلة التطرف، ليس بسبب مسئولية المسلمين عن العمليات الإرهابية ولكن لأنهم الأقدر على مواجهة التطرف – على حد قوله بعد هجمات باريس في 2015. خطة خان تقوم على مواجهة حالة الانعزال التي يعيشها المهاجرون عامة والمسلمون خاصة ودمجهم في المجتمع بشكل أكبر.

ما هو السياق المناسب لفوز خان؟

لا يمكن حصر فوز صادق خان في سياق وصول أول مسلم لمنصب بهذه الدرجة الرفيعة في أعرق الديمقراطيات، حتى وإن أراد منافسه توجيه دفة الصراع الانتخابي ليصبح صراعًا ضد المسلمين.

فصادق خان يمثل شريحة الأقليات في الغرب عامة؛ رجلٌ ملون مهاجر من دين مخالف لدين الأغلبية. مجرد وصول فرد ينتمي للأقلية لهذا المنصب هو انتصار هام للمساواة والعدالة الاجتماعية.

انتصاره كذلك يقع في سياق كونه ابنًا للطبقة الفقيرة، فمع خروجه من تلك الطبقة على المستوى الاقتصادي فإنه ما زال ينتمي لها على المستوى الاجتماعي.

لذلك علينا وضع نجاح (صادق خان) في سياقات متعددة تتضمن خلفيته العرقية باعتباره أول عمدة للندن من أصل غير أبيض، وخلفيته الدينية الإسلامية في بلد ما زال الملايين من المسلمين فيه يعانون من التفرقة، وخلفيته الاجتماعية وصعوده من الطبقة الدنيا لمنصب رفيع في دولة الأرستقراطية. كما أن انتصاره يفتح الباب أمام الأقليات في بريطانيا للمنافسة على المناصب العليا التي كانوا محرومين منها حتى لحظة فوز «خان».

السؤال الأخير.. ماذا يعني انتصار صادق خان؟

انتصار صادق خان في سباق لندن التي يقطنها 81.5% من غير الآسيويين و87.5% من غير المسلمين يعني أولًا أنه استطاع أن يفوز بثقة باقي الأقليات العرقية والدينية في العاصمة البريطانية لتتوحد أصواتهم حول مرشح واحد.

الأمر الثاني هو أنه استطاع أن يحصد أصوات شريحة كبيرة من الأغلبية البيضاء المسيحية أيضًا.

وهو ما يعني أن أغلبية الناخبين من سكان لندن استطاعوا أن يتجاوزوا حاجز الخوف الذي صنعه جولدسميث بحملته العنصرية ليختاروا خان. الناخبون البريطانيون انتخبوا خان لأنه وضع أمامهم خطة محددة المعالم لحل مشاكلهم الحياتية الملحة، كما أنه استطاع أن يحول كل ما قد يتم تصويره على أنه نقاط ضعف إلى نقاط قوة وعوامل ترجيحية لصفه.

أما إذا استطاع صادق خان الوفاء بوعوده فسيكون بمثابة درس لبريطانيا والغرب بأنه من الممكن جدًا أن يستطيع مواطن مهاجر ملون مسلم أن يخدم المواطنين ويحقق لهم طموحاتهم ويحل بعضًا من مشاكلهم، ما دامت لديه الكفاءة والقدرة اللتان تؤهلانه لذلك.

فوز خان يعني كذلك فشل الخيار الذي لجأ إليه جولدسميث من خلال لجوئه لتشويه خان وزرع الخوف في نفوس البريطانيين من وصول مسلم لهذا المنصب، مما قد يقلل من حدة الإسلاموفوبيا في بريطانيا إلى حد ما، ومما قد يجعل احتمال لجوء المرشحين لتشويه منافسيهم على أساس عنصري أو ديني أقل في أي انتخابات قادمة.

العديد من المصادر الإخبارية أشارت إلى قلق اليمين الجمهوري الأمريكي من فوز خان خاصة مع استخدام المرشح المحتمل عن الحزب الجمهوري «دونالد ترامب» لخطاب شديد العنصرية ضد المسلمين، حتى إنه صرح في بداية حملته الرئاسية بأنه لن يسمح بدخول المسلمين إلى الولايات المتحدة, مما أثار تساؤلات ساخرة في الصحف البريطانية حول رد فعله في حالة زيارة خان لنيويورك في حالة وصوله للبيت الأبيض وهل سيمنعه بالفعل من دخول الولايات المتحدة.

ترامب الذي استخدم خطابًا عنصريًّا شديد العداء ضد الأقليات عمومًا والمسلمين خصوصًا قد يواجه نفس مصير جولدسميث زميله في استدعاء نفس الخطاب العنصري. بينما لجأ المرشحان الديمقراطيان المحتملان «بيرني ساندرز» و«هيلاري كلينتون» – وخاصة الأول – إلى استمالة المسلمين ضمن باقي الأقليات.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل