المحتوى الرئيسى

المواطن الشريف الذى تريده الدولة

05/11 14:39

من النسخة الورقية لجريدة «اليوم الجديد» الأسبوعية - كل أحد مع الباعة 

- أظهره الحزب الوطنى ومنحه المجلس العسكرى صلاحياته واستغلته الداخلية الاستغلال الأمثل

- تطور مفهوم المواطن الشريف من موظف بسيط يحمل بطيخة إلى مواطن يجيد فن فض التظاهرات المعارضة للنظام أو على هيئة أحمد راتب فى فيلم البرىء

- الأمن يستخدمهم فى فض الوقفات الاحتجاجية والتنكيل بالمتظاهرين ويوفرون لهم الحماية

- رسائل المجلس العسكرى شكلت المواطن الشريف ودفعته للعنف مع المعارضين من أجل حفظ استقرار الدولة

المواطنون الشرفاء، هذا المصطلح المستخدم مؤخرًا ليصف مجموعة من المواطنين يدافعون عن النظام بكل قوة، حتى ولو كلفهم الأمر الاشتباك مع كل من يعارض أو يتخذ توجها مخالفا لما تراه الدولة، فكان أول ظهور هؤلاء المواطنين فى محاولة بائسة لحماية نظام مبارك، وآخر ظهورهم كان فى مهاجمة الصحفيين المحتجين أمام نقابتهم اعتراضًا على اقتحام الداخلية للنقابة للقبض على الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا.

يختلف المصريون فى تصنيف هؤلاء المواطنون، فمنهم من يراهم بسطاء يجهلون الأمور السياسية ينزلون برغبتهم ظنًّا منهم أن ما يفعلونه ضمانا لاستقرار الدولة والذى يضمن له بشكل طبيعى استمرار حصوله على قوت يومه، بينما يراهم البعض أنهم مجموعة مرتزقة يستخدمهم رجال الأمن وبعض رجال الأعمال فى الأغراض المطلوبة، مثل فض مظاهرة أو تأييد لأفكار بعينها، كما يراهم البعض أنهم صنيعة الحزب الوطنى الذى استخدمهم للانتقام من الثوار عن طريق شرائهم بالأموال.

صفات المواطن الشريف قبل 25 يناير تختلف كليا عما بعدها، فقبل الثورة كان المواطن الشريف هو الموظف البسيط الذى «يمشى جنب الحيط» يحمل حقيبته فى يد وبطيخته فى اليد الأخرى، يعود من عمله لمنزله لا يتحدث فى السياسة ولا غيرها، يفكر فقط فى أكل عيشه، ولكن هذا اختلف بشكل كبير فى فترة ما بعد الثورة، فأصبح المواطن الشريف فى نظر الدولة شخصين، إما شخص «مَلْهِىٌّ» عن السياسة ولا يتحدث فيها تماما أو «بتاع نسوان يا بيه» مثل أحمد راتب فى فيلم البرىء، أو الشخص الآخر وهو من يتحدث فى السياسة مسبحا بحمد النظام، بل مهاجم لكل من يعارضه، وإن لزم الأمر ينزل فى تظاهراتهم والاعتداء عليهم، وهذه الصفات فى المواطنين البسطاء، فهناك من يحمل صفات هذا المواطن الشريف من المشاهير أيضًا، فتجد فنانين ورياضيين وسياسيين وصحفيين أيضًا يحملون صفات المواطنين الشرفاء.

بدأ استخدام مصطلح المواطنين الشرفاء فى ثورة 25 يناير، حينما نزل مؤيدو الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك إلى الشوارع تأييدًا له ورفضًا للتظاهرات المطالبة بتركه للسلطة، فحينها أطلقت بعض وسائل الإعلام هذا اللقب على من ناصروا مبارك عقب خطابه الثانى، وكان الظهور الثانى للمواطنين الشرفاء فى موقعة الجمل، فنزل هؤلاء ميدان التحرير ووصفتهم نفس وسائل الإعلام حينها بأنهم «أهالى نزلة السمان الشرفاء» الذين نزلوا لحماية أرزاقهم. 

كان للمجلس العسكرى بعد ثورة 25 يناير دور كبير فى تعزيز مفهوم المواطنين الشرفاء، وتثبيت أقدامهم بل ومنح الصلاحيات الأشبه برجال الشرطة، والتى تتيح له ضبط وتفتيش من يريدون، كما تُفتح لهم الأكمنة والكاردونات الأمنية، فيفضون تظاهرات معارضى النظام فى حماية رجال الشرطة، وقد يصل الأمر إلى ضرب المتظاهرين، وهو ما بدر منهم فى انتفاضة الصحفيين الأخيرة، حسبما أكد الصحفيون وشهود العيان.

المجلس سبب فى ذلك بالفعل، لأنه حرص منذ اللحظة الأولى لإدارته شؤون البلاد عقب 25 ينايرعلى إشراكهم فى الوجود والنزول إلى كل التظاهرات بدعوى مساعدة الأمن فى حماية مصر، وكانت رسائل وبيانات المجلس العسكرى تدلل على ذلك، فاستخدم المخاطر الأمنية التى تواجه مصر عقب الثورة والتى لا تتوقف إلا بانتهاء التظاهرات وضرورة مشاركة المواطنين الشرفاء فى حماية الأمن إلى جانب رجال القوات المسلحة والشرطة.

ففى الرسالة رقم 33 للمجلس العسكرى، طُلب من المواطنين الشرفاء النزول إلى الشارع  وضبط الخارجين على القانون وتسليمهم لرجال الشرطة بالإضافة إلى حماية المنشآت.

رسالة رقم 70، حملت أيضا توجيها لهؤلاء المواطنين بالاستمرار فى المشاركة والنزول ليكونوا درعًا بين المتظاهرين والقوات المسلحة، حيث قدم المجلس الشكر والتقدير للشرفاء من الشعب المصرى العظيم والذين أقاموا درعا بين المتظاهرين والقوات المسلحة، مما أدى إلى وأد الفتنة وعدم إظهار القوات المسلحة فى صورة من يعتدى على أبناء الوطن، ، كما دعا المجلس العسكرى الشعب المصرى إلى اتخاذ أعلى درجات الحيطة والحذر لإحباط كل المحاولات التى تهدف إلى الوقيعة بين الجيش والشعب.

وحمل المجلس العسكرى المواطنين الشرفاء مسؤولية تأمين التظاهرات والتنظيم بالإضافة إلى الحفاظ على المنشآت العامة والخاصة فى الرسالتين 58  و75، وفى رسالته رقم 85 أثناء أحداث محمد محمود، طالب المجلس العسكرى المواطنين الشرفاء بمعاونة الجيش والشرطة فى تنفيذ مهام تأمين المواطنين والمنشآت والقبض الفورى على كل من يشتبه به وتسليمه لجهة الاختصاص.

عقب مذبحة بورسعيد، أعطى المشير طنطاوى تفويضًا لهؤلاء المواطنين الشرفاء بالنزول والمشاركة، حيث قال لحظة استقباله للاعبى الأهلى:

«الشعب ما يقعدش اللى عمل كده أفراد من الشعب المصرى ساكتين عليهم ليه، كله لازم يشارك فى حاجات زى دى».

المواطنون الشرفاء تردد مسمّاهم كثيرًا فى فترة حكم المعزول محمد مرسى، خاصة فى التظاهرات التى كانت ضد نظامه ومنها تظاهرات الاتحادية والمقطم، وكان لهم بالفعل الفضل الكبير فى معاونة المصريين للتخلص من نظام محمد مرسى وحكم الجماعة الإرهابية، وظهروا كثيرًا فى التظاهرات واهتم بهم الإعلام حتى أصبحوا نجومًا ومنهم: منى البحيرى، صاحبة عبارة «شت أب يور ماوس أوباما»، ومدام إيمان صاحبة مقولة «خدت كام يا باسيييم»، وعبد بسكلتة «صاحب الدراجة التى يجوب بها الشوارع التى تشهد مظاهرات مناهضة للسيسى».

هناك بعض المشاهير يحملون صفات المواطنين الشرفاء ولا يخجلون من هذا، بينهم فنانون ورياضيون وإعلاميون، من أبرز الفنانين الذين يحملون هذه الصفات وبدا جليا فى الآونة الأخيرة تسبيحهم بحمد النظام وعداؤهم الشديد لكل من يعارض ويعبر عن رأيه فى قضايا هامة تخص الشعب، الملحن عمرو مصطفى والفنان أحمد بدير، فالأول منذ ثورة يناير وهو يخوض عراكًا مع الثوار، فلا يعترف بكونها ثورة ولا هم ثوار، بالإضافة إلى هذا يخوّن بعضهم، فى كل المواقف التى ينتفض فيها الشباب المعارض للتعبير عن رأيه تجد الملحن عمرو مصطفى وكأنه متحدث باسم الدولة ينتقد ويهاجم هؤلاء الشباب، ففى تظاهرات 25 أبريل الأخيرة، الرافضة لاتفاقية ترسيم الحدود، انتقد عمرو الداعين للتظاهرات فى تدوينة له على فيسبوك، قائلا:

«يا أخى لما تلاقى بلدك اللى انت عايش فيها وبتطفح فيها وبتخرج فيها وأصحابك وأمك وأبوك فيها، كل العالم عايز يوقعها فى الغلط، وقضية ريجينى ومش عارف إيه وطيارة تتخطف من إخوانى وطيارة روسيا تضرب، وانت تقولى هانزل ده انت مش ممكن ربنا هيكرمك فى حياتك»، وأضاف مصطفى: «مش عجبك البلد غور يا أخى لكن تدمر عيشتنا بكلامك وتعليقاتك المبرمجة هتتدفن فيها قبل ما تفكر تدمرها بغبائك.. يا حقود يا غلول يا فاشل».

كما علق الفنان عمرو مصطفى عن إعلان بعض الصحف احتجابها عن العمل، بسبب اقتحام الأمن لنقابة الصحفيين، والقبض على عمرو بدر ومحمود السقا فى تدوينة أخرى قائلا: «الصحفيين بيهددوا حيحجبوا الصحف أسبوع، إنت فاكر إننا حنزعل يا أمور؟!، ده احنا حنعمل لولولولولولللللى فرح»!

أحمد بدير هو الآخر، يصر على أن يظهر فى صورة المعادى لكل من يعارض، وظهر هذا فى مواقف سابقة كثيرة كان آخرها قضية تيران وصنافير والتى أعلن فيها عن ثقته المطلقة فى الرئيس عبد الفتاح السيسى ووطنيته، وعلمه أنه لن يفرط فى رملة واحدة من أرض مصر، مؤكدًا أن الرئيس أعاد الحق لأصحابه، مشيرًا إلى أن مظاهرات 25 أبريل قامت بها مجموعة من الإخوان وهم يريدون إثارة البلبلة والقلق فى البلاد.

واستكمل الفنان المصرى حديثه عن الجزيرتين فى لقاء له مع الإعلامى أحمد موسى، «لو ثبت أن "تيران وصنافير" من حقنا سأعتزل التمثيل وأجلس فى منزلى، فالرئيس الذى يسهر على خدمة البلد لن يبيع أرضه، واحنا مش معانا رئيس إحنا معانا بطل قومى».

ومن الإعلاميين أصحاب هذه الصفات أيضًا، أحمد موسى ومصطفى بكرى وعزمى مجاهد، قد يكون هؤلاء هم أكثر الإعلاميين الذين يحملون الصفات التى تتوافر فى المواطن الشريف الذى تريده الدولة، «المبرراتى» أحيانًا، المهاجم فى بعض الأوقات، مواقف الإعلاميين الثلاث يعلمها القاصى والدانى، لكن الأزمات الأخيرة التى اختلف فيها المصريون حول أداء الدولة فى التعامل معها كان هؤلاء الإعلاميون على دربهم الذين لا يحيدون عنه، الدفاع بشكل واضح عن كل ما تقدمه الدولة، بل تشيد به، فأحمد موسى وحده لا يكف عن التسبيح بحمد النظام بدرجة قد يمل النظام نفسه منها، ففى أزمة ترسيم الحدود، خرج موسى ليؤكد لجموع المصريين أن الجزيرتين سعوديتان، وأن مصر لا تملك وثيقة واحدة تثبت ملكيتها لهما، مؤكدا أن الرئيس الأسبق حسنى مبارك لفّ العالم من 2002 إلى 2008، لدرجة أنه زار تركيا وبريطانيا؛ ليجد ما يثبت ملكيتنا للجزيرتين إلا أنه لم يجد.

كما عادى الداعين للتظاهر فى 25 أبريل الماضى، مؤكدا أنهم يحاولون إسقاط الدولة، مستخدما فزاعة الإخوان كالعادة، بل ودافع بشدة عن المتظاهرين الذين حملوا البيادات وأعلام السعودية فى هذا اليوم، واصفا إياهم بأنهم المواطنون الشرفاء، وفى أزمة نقابة الصحفيين مع الداخلية أيضًا، وقف فى صف الداخلية على الرغم من انتمائه للصحفيين، ورفض وصف الإعلاميين بأنهم من ساندوا الدولة، كما حذر المواطنين من الحديث فى الأزمة على مواقع التواصل الاجتماعى تهديدًا بالملاحقات الأمنية.

الإعلامى مصطفى بكرى أيضا وقف فى صف الطرف المعادى لنقابته، وهاجم نقيب الصحفيين لتستره على الصحفيين المقبوض عليهما من داخل النقابة، مشيرًا إلى أن نقيب الصحفيين هو المسئول عن أزمة نقابة الصحفيين وهو الذى وضع الصحفيين فى أزمة، موضحا أن النقيب يجب أن يحاسب لأنه هو الذى تستر على اثنين من الصحفيين مطلوبين لدى الجهات الأمنية، وأضاف خلال مداخلته الهاتفية مع الإعلامية إنجى أنور ببرنامج «مساء القاهرة» على قناة «تن»:

«أحمّل نقيب الصحفيين والداخلية مسئولية ما تم وجر الصحفيين إلى أزمة مع الدولة».

المنتسب للإعلام عزمى مجاهد، هو الآخر أحد المشاهير الذين يحملون صفات المواطنين الشرفاء التى تريدها الدولة، فهو دائم الهجوم على كل من يفكر أن يسير عكس أفكاره، فبخلاف نعته لثوار 25 يناير بالصراصير إلا أنه كان دائم الخلاف والهجوم على كل من يختلف مع الحكومة فى قرار أو رأى، ففى الأزمتين الأخيرتين فى مصر، بدا مجاهد كعادته مدافعا عن الحكومة ومهاجما شرسا لمن يخالف ما تقوله الحكومة، فهاجم متظاهرى 25 أبريل الرافضين لترسيم الحدود المصرية السعودية، واصفا إياهم بأنهم «خونة وشوية عيال صيّع ومرتزقة ومأجورين».

وقال مجاهد ببرنامجه «الملف» المذاع عبر فضائية «العاصمة»، إن الشعب نزل الشارع ردا على المطالبين بالمظاهرات ضد الدولة بدعوى الحفاظ على الأرض، وإن هؤلاء لا يعرفون أرضا ولا وطنا، ومجرد مرتزقة ولصوص وشوية حرامية.

نرشح لك

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل