المحتوى الرئيسى

من الشمال إلى الجنوب: كيف تتوزّع الشركات الناشئة التكنولوجية في لبنان؟

05/11 08:25

فيما يطوّر لبنان ثقافة الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا ليجعل من موقعه في البيئة الرياديّة في المنطقة أقوى يوماً بعد يوم، تحتلّ عاصمته بيروت المركز الأساسي بلا منازع في الابتكار والاستثمار والتشبيك في البلاد.

تشكّل هذه المنطقة من وسط المدينة إلى السوديكو والحمرا منزلاً لشركات تكنولوجيّة مزدهرة وصل بعضها إلى العالميّة. وفي يومنا هذا، أصبحت المحادثات التكنولوجيّة وورش العمل فيها طقوساً أسبوعيّة تجذب الحضور من البلدان الإقليميّة المجاورة وتلك العالميّة البعيدة.

وفي حين سرقت بيروت الأضواء، نمت تجمّعات تكنولوجيّة خارج العاصمة من دون أن يسلّط أحد الضوء عليها. 

يتمتّع لبنان بتاريخ حافل نسبيّاً بالشركات الناشئة التكنولوجيّة، لكنّها لم تخرج من العاصمة إلا مؤخّراً (الصورة من "ويكي ترافل")

بعد أن انتقلت من بيروت لتجنّب الازدحام والكتظاظ، باتت ضواحي المدينة الشماليّة والشرقية مكان عمل عدد كبير من الشركات التكنولوجيّة ذات النموّ المرتفع.  

في الشمال، شهدت طرابلس، الملقّبة بعاصمة الشمال، نموّاً في نشاطات الشركات الناشئة في الأشهر الأخيرة. وفي الجنوب، تشهد مدينة صيدا الساحليّة على زيادة في برامج التدريب في ريادة الأعمال والتكنولوجيا التي تستهدف الشباب. في الوقت عينه، يرى سهل البقاع أدلّة على حياة الشركات الناشئة مع أكثر من مكتبٍ تكنولوجيٍ واحدٍ يعمل في زحلة.

 أغلب نشاطات الشركات الناشئة شمال بيروت تتمركز في محيط منطقة ضبيّة. تشتهر هذه المنطقة الساحليّة بمطاعمها ومراكز التسوّق فيها والنوادي الليليّة وأماكن التنزّه على شاطئ البحر، لكّنها بالإضافة إلى ذلك تحتضن إحدى أهمّ الشركات التكنولوجية في لبنان ومنها تطبيق الاستماع إلى الموسيقى من دون تنزيلها "أنغامي" Anghami وتطبيق مشاركة الصور "داير من دار" Dermandar وجهاز رصد ضربات القلب "كارديو دياجنوستيكس" Cardiodiagnostics وشركة تطوير التطبيقات  "تدموب" Tedmob.

وفيما يتمّ بناء مرسى ضبيّة الطموح ومجمّع الاعمال المرفق به، من المتوقّع أن تفتح شركات تكنولوجية متعددة مكاتب لها في هذه المنطقة.

"الناس سينتقلون إلى هنا؛ وبالنسبة إليّ، ضبية تزدهر" حسبما يقول المؤسس والرئيس التنفيذي لـ"تدموب"،  ماريو هاشم، وهو جالس في وقت المغيب في مكتبه المطلّ على البحر. كذلك، يضيف أنّ "بيروت مكلفة والإنترنت هنا أفضل، كما انني في وقت الصباح، أقود في اتّجاه معاكس لزحمة المرور." 

كارول كرم وماريو هاشم من "تدموب" في مكتبه المطلّ على البحر (الصور لبروك أندرسون)

شرق بيروت – الضواحي والجبال

لطالما شكّلت الجبال شرق بيروت مكاناً للابتكار، واستضافت مكاتب وشركات متعددة من المقرّ الأساسي لـ"بيريتك" Berytech التي تأسست عام 2002  في جامعة القديس يوسف في المنصوريّة إلى مجمّع شركة تصميم الأجهزة "مالتي لاين"  MultiLaneالذي يحتفل هذا العام بعشر سنوات على تأسيسه على يد فادي ضو في حومال.

في الآونة الأخيرة، تأسست شركات ناشئة أكثر حداثةً في شرق بيروت بخاصةٍ في ضواحي منطقة الحازميّة ومنها موقع "تيكل ماي براين" Tickle My Brain للتدريب المهني وموقع "إتعرّف" Et3arraf للتعارف الالكتروني.

أمّا عن سبب اعتماده الحازميّة مقرّاً له، فيقول سيدريك معلوف من "إتعرّف": "في البداية، إنتقلنا إلى الحازميّة لأن الايجار هنا أقلّ تكلفة من إيجارات بيروت. وفي ذلك الوقت، كنّا في خضمّ أوّل جولة تمويل لنا. لكن من بعدها، فيما كانت تنمو شركتنا، لحظنا أنّه فضلاً عن الإيجارات، إنّ العمل هنا عمليّ للغاية بخاصةٍ أنّ بعض أعضاء فريقنا يأتون من خارج بيروت."

بالإضافة إلى ذلك، يشير إلى أنّ "موقع الحازمية يشكّل توازناً بين القرب من بيروت وسهولة وصول سكّان المناطق اللبنانية الأخرى [خارج بيروت] إليها من دون زحمة المرور الخانقة في بيروت في كلّ صباح."

من المرجّح أن تكون طرابلس قد شهدت أكبر تحوّل في مشهد الشركات الناشئة التكنولوجيّة في لبنان.

بعد سنوات من أعمال عنف متفرّقة تسببت بهجرة الأدمغة من هذه المنطقة، شهدت هذه المدينة بعد طول انتظار نهضةً في مجال ريادة الأعمال مع مساحة العمل المشتركة الجديدة  "الكيندي" Al-Kindy التي تأسست في كانون الأول/ديسمبر، وأوّل مسابقة شركات ناشئة  باسم "منتدى طرابلس للشركات الناشئة" Tripoli Startup Forum وهي حفل جوائز تلا برنامج "ستارتب سيدز" Startup Seeds لتسريع الأعمال في آذار/مارس. وذلك ناهيك عن "نادي روّاد أعمال شباب" ناشط يتضمّن حوالي 100 عضو إنضمّ إليه عدد كبير منهم في الأشهر الأخيرة.

من جهته، يقول  فادي ميقاتي، رئيس "نادي روّاد الأعمال الشباب في طرابلس" Tripoli Entrepreneurship Club التي تأسس عام 2013 بخمسة أعضاء فقط، إنّ "لدينا إمكانيات كبيرة، لكننا لسنا ممولين ولا أحد يعرفنا، لذلك قررنا أن نطلق هذه المبادرة بأنفسنا."

ويضيف شارحاً أنّه "في حين تشكّل طرابلس عاصمة لبنان الثانية، إلا أننا ولسوء الحظّ، لا نؤدّي هذا الدور؛ لذلك، نعمل لاعادتها إلى [مكانتها الأساسيّة على] الخارطة اللبنانيّة."

 شكّل إفتتاح "الكيندي"، الذي اتخّذ مقراً في فناء منزل قديم مرمّم في  زقاق قرب الواجهة البحريّة لطرابلس، أحد أهمّ التطوّرات في مجتمع طرابلس الريادي. جمع هذا المجتمع 23 ألف دولار عبر منصّة التمويل الجماعي "زومال" Zoomal للمفروشات والخدمات. 

"الكيندي" في طرابلس هو ملاذ لروّاد الأعمال.

يعمل اليوم في طرابلس حوالي 30 شركة ناشئة تكنولوجيّة، أغلبها في مراحلها الأولى. في المقابل، ولدت طرابلس بعض الشركات الناجحة مثل شركة الأجهزة العالميّة "موبي نتس" Mobinets و"كارديو دايجنوستيكس". وبالرغم من أنّ هاتين الشركتين نقلتا عمليّاتهم الرئيسيّة إلى خارج طرابلس، غير أنّهما تحافظا على ارتباطهما وعلاقتهما بها.

في إشارة إلى أنّ هجرة الأدمغة في طرابلس في إنخفاض، نقل طه ميقاتي شركته التي تقدّم دمى الدببة التكنولوجيّة التعليميّة، "كيدز لاب" Kids Lab، إلى طرابلس بعد 12 سنة في باريس وقبرص وفاز بمسابقة "ستارتب سيدز" في آذار/مارس.     

وفي هذا الإطار، يقول رائد الأعمال هذا: "لو لم أجد المجتمع المناسب لأنطلق، لم أكن لأقوم بذلك."

قد لا تحمل صيدا والمناطق الجنوبية الأخرى قصص نجاح بقدر بيروت – أو حتّى طرابلس- لكّنها بدأت بتطوير ثقافة رياديّة ناشئة في الأعوام الأخيرة بخاصة عند الشباب.

في العام الماضي، تأسست أكادمية "أوتريتش ليدشيب" Outreach Leadership Academy  في المبنى العثماني وتستضيف هذه المنظّمة دورات تدريبيّة للشباب حول التعليم والحوكمة والاقتصاد وريادة الأعمال.

في الوقت عينه، نظّمت مجموعة صغيرة من روّاد الأعمال الشباب نادي ريادة أعمال خاص يلتقي مرّة في الشهر في المدينة.

يتمتّع "نادي روّاد الأعمال في صيدا" بأحد أجمل الأماكن في صيدا لتنظيم لقاءاتهم. (الصور لبروك أندرسون).

بدورها، تقول مؤسسة هذا النادي، هدى بيطار، إنّها تأمل بأن تشجّع شبكة الدعم النامية هذه روّاد الأعمال على البقاء في المنطقة، "لا أريد أن يعتقد الناس أنّهم بحاجة لمغادرة [صيدا] من أجل تحقيق النجاح."

من جهة ثانية، تلقت إحدى الشركات الناشئة في هذه المنطقة، "بيو سويل" Bio Soil وهي شركة تنمية مستدامة شرق جزّين، إستثماراً تأسيسيّاً من منظّمة "أرك ان سيال" Arc En Ciel لتطوير برنامجها لإعادة التدوير وتحويل النفايات إلى سماد.

حتّى اليوم، لم تعتمد أيّ شركة ناشئة تكنولوجيّة كبيرة مقراً لها في الجنوب لكنّ المنطقة تشكّل منزلاً لعدد كبير من روّاد الأعمال الناجحين الذين أطلقوا شركات في بيروت وخارجها، ومنهم جهاد قوّاس، مؤسس موقع "سايلي" Saily لبيع البضائع المستعملة.

نرشح لك

أهم أخبار تكنولوجيا

Comments

عاجل