أنا وجمال الغيطاني ولهطة القشطة!
علاقتي بالغيطاني بدأتْ مبكرًا، وجاءت من سكّة الحب.
كنت في الثانوية العامة، وذهبتُ لعمل نظّارة في أحد المحال بشربين. البنت المسؤولة كانت لهطة قشطة، بمجرد أن رأيتها، أحسستُ أنني استرددتُ نظري، ولم أعد في حاجة لنظارة!
كانت تمسك رواية "وقائع حارة الزعفراني" للغيطاني، ورغم أنني كنت دودة كتب، فلم أكن قد سمعت عن الرجل من قبل، فوقتي يومها كان مكرّسا لنزار قباني وفاروق جويدة وجبران والمنفلوطي ودستيوفسكي ونجيب محفوظ.
بعد أن تسلّمتْ مني كشف النظارة، ودفعتُ الفلوس –طبعا لم أفاصل كي أبدو أمامها جنتل مان!- قلت لها على سبيل الحكّ:
- آه، بتقري للغيطاني، ده برنس كبير.
أُسقط في يدي، لكنني أجبت بالفهلوة المعتادة:
- كتير، الحقيقة هو كاتب ممتع، ويشدّك إنك تدوّري على كل أعماله.
- فعلا. أنا كمان بحب له قوي متون الأهرام.
- طبعا، طبعا، ودي تتنسي.
قبل أن أذهب لاستلام نظارتي، بعد أسبوع، كنت قد اشتريت كذا كتاب للغيطاني، وعكفت على قراءتهم، بدافع التودد للهطة القشطة في البداية، ثم بدافع الفضول، فالدهشة، فالإعجاب، فالوقوع في أسر لغته وعوالمه وتركيباته المُشبِعة.
ورغم أنني لم أفز بلهطة القشطة في النهاية، لظروف يطول شرحها، فقد فزت بالغيطاني، رفيقا ومعلّما وحكّاء مختلفا.
المشهد الثاني الذي جمعني به، عندما كتب والدي -رحمة الله عليه- قصة قصيرة في مجلة "صوت شربين" المحلّية، القصة اسمها "راقصة مثالية" عن لقاء خيالي بين فنانة اختيرت راقصة مثالية، تقابل في القطار مدرّسا حصل على اللقب عينه، والفارق بين جائزتها وجائزته، وإسهامها في الحياة وإسهامه.
بطريقة ما، وقعت القصة في يد الغيطاني، وكتب عنها في أخبار الأدب، وهو يومئذ رئيس تحريرها، فأثنى عليها، وعلى كاتبها، وقال إن الأقاليم ظلمته، ولو كان يعيش في القاهرة لربما اختلف مصيره. أخبرني بهذه القصة صديق قرأ كلام الغيطاني، بعد رحيل أبي بنحو العام، ولو كنت علمته وقت كتابته، وقرأته عليه، لأبهجت قلبه.
المشهد الثالث، في بداية حياتي المهنية ومجيئي إلى القاهرة، عندما كنت أعمل مراجعًا لغويًا ومحرّر ديسك في مجلة سيدتي، وكان الغيطاني يكتب مقالات دورية فيها. يحكي فيها ذكريات رحلة الكفاح التي خاضها مع زوجته ماجدة ضد المرض اللعين.
كانت أوّل مرة أعرف أنه لا يكتب على الكمبيوتر، وإنما يفضّل ورق "الدشت"، الذي يكتب عليه بقلم أزرق خطا منمنما. كنت المسؤول يومها عن إعادة كتابة مقالاته على الكمبيوتر، وتدقيقها إملائيا ونحويا.
ورغم أنها كانت مهمة شاقة بالنسبة لي، لتعذّر قراءة بعض المفردات، فقد كانت ممتعة، كوني أقرأ للغيطاني "لايف"، وقبل قرائه!
Comments